السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في العدد 39: سائقو غزة.. فئة مطحونة تواجه الغلاء والحصار معاً!!

جمال جراد: النقابة لا تملك حلاً سحرياً ونطالب بقوانين وأنظمة تضبط حركة المرور

2015-05-19 01:00:22 AM
 في العدد 39: سائقو غزة.. فئة مطحونة تواجه الغلاء والحصار معاً!!
صورة ارشيفية
 
غزة- محاسن أُصرف
 
"غلاء الأسعار، الحصار، تخاذل الحكومة" هكذا كانت تبدو الثلاثية العظمى لمعاناة سائقي الأجرة في قطاع غزة، إلا أن عامل الوقت وتدهور الوضع الاقتصادي للسكان عموماً أرخى بسدوله الثقيلة عليهم، فلم يعودوا قادرين على احتمال ما يواجهون.
وحسب سائقين اشتكوا لـ"الحدث" أنهم يُعانون أوضاعاً صعبة للغاية، لا يملكون معها توفير أدنى متطلبات الحياة لأسرهم وأطفالهم، وأوضحوا في أحاديث منفصلة أنهم باتوا تحت خط الفقر، ومنهم من ركن سيارته أمام منزله دون حراك، ومنهم من تخلى عن مهنته وآخرون لا يبرحون أبواب المؤسسات طالبين لمساعدات، قليلاً ما يكون لهم فيها نصيب، وحين سألتهم "الحدث" عن سبب ما وصولوا إليه، أتت الإجابة قاسية لا تبرح صعوبة الأوضاع التي يُعايشونها، في ظل تخاذل الجهات النقابية المسؤولة وحكومة الوفاق الفلسطيني معاً.
"الحدث" في سياق التقرير التالي تجوب مواقف سيارات القطاع لتُبصر حدود المعاناة عن قرب وتنقل شكواهم لأصحاب القرار علهم يُحركون ساكناً لإنقاذهم.
 
مشكلات لا يُمكن حلها
في موقف سيارات الكتيبة بالقرب من جامعة الأزهر غرب مدينة غزة، كانت بداية رحلة "الحدث" هناك، والتقت بعدد من السائقين كانوا بانتظار الدور ليظفروا بسبع ركاب يُقلونهم حيث يريدون وفقاً لخطوط السير التي يعملون عليها بين المحافظات، السائق جهاد أبو سعود (45) عاماً، بدا متشائماً حين سألناه عن طبيعة المعاناة التي يُعايشها السائقون ورؤيته للحلول في الأفق، أكد أن المشاكل سببها الرئيسي الحصار، فيما تكمن حلولها في إنهائه وإنهاء تبعاته بوحدة القرار الفلسطيني، وقال: "تضارب الجهات ومسؤولياتها تجاه قضايا السائقين ومشاكلهم أدى إلى ضياع الحقوق وقتل الحلول"، داعياً حكومة الوفاق الوطني لتأخذ دورها الحقيقي في رعاية هذه الفئة وتحسين واقع معيشتها.
 
سيارات ونقابات مهترئة
وفي سياق متصل ألمح السائق أبو سعود إلى ترهل عمل المؤسسات الرسمية في إدخال سيارات حديثة إلى القطاع بذريعة الحصار وإغلاق المعابر، ناهيك عن عدم توفر قطع الغيار وأعمال الصيانة لذات السبب، وقال: "هذا يُضعف من إقبال الركاب على سيارات الأجرة ويدفعهم نحو سيارات الملاكي التي تعمل كـ أجرة".
كما ينتقد أبو سعود، عمل نقابة السائقين في غزة، قائلاً: "لا تملك لنا ضراً ولا نفعاً"، وأضاف أنهم كثيراً ما طالبوا النقابة بتخفيف معاناتهم بالتواصل مع الجهات الرسمية بتخفيض الرسوم أو الإعفاء منها، أو محاولة ضبط الحركة المرورية في ظل الأعداد الهائلة لسائقي الملاكي على خطوط الأجرة؛ لكنها لم تصل معهم إلى حل، فقط بعض المناشدات واللقاءات الرسمية البروتوكولية، لتبقى المعاناة واحدة وتتزايد يوماً بعد يوم.
 
معاناة لا طاقة لنا بها
والحال لا يختلف عند السائق سعد عبد الله العثامنة (64) عاماً، بل يزداد كثيراً يؤكد الرجل لـ "الحدث" أنه لا يملك قوتاً لأبنائه إذا تخلف عن العمل يوماً، وإذا عمل بالكاد يُمكنه توفير الحد الأدنى منه، خاصة في ظل جملة من المصروفات اليومية التي يتكبدها كثمن الوقود، والانتظار ساعات طويلة في الموقف ليظفر بنقلة ركاب واحدة في النهار يجني منها على أكثر الأحوال 34 شيكلاً أكثر من نصفها يدفعه للوقود وصيانة مركبته، يقول لـ"الحدث": "نُقاسي ظروفاً مأساوية ولا أحد ينظر إلينا" في إشارة منه إلى تخاذل الجهات الرسمية والنقابية في الوقوف على معاناتهم ومحاولة تحسين ظروفهم، لافتاً إلى أن التصريحات التي يتشدق بها المسؤولون عن تخفيضات لا ترقى إلى الحد من مشاكلهم خاصة في ظل ضعف الحركة المرورية وانهيار الوضع الاقتصادي لكافة المواطنين في قطاع غزة وأشار إلى أن عدداً كبيراً جداً من طلاب الجامعات يصلون إلى أماكن دراستهم مشياً على الأقدام لأنهم لا يملكون نقوداً، وأضاف: "هذا يؤثر على عملنا أيضاً ويُضعف دخلنا".
ويُطالب السائق العثامنة الذي فقد في حرب 2008 أكثر من 20 فرداً من عائلته في مجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي يوم عيد الأضحى آنذاك، يُطالب حكومة التوافق الفلسطيني بأن تقف إلى جانب السائق وتعفيه من الرسوم والضرائب التي تُثقل كاهله وتُفاقم معاناته، لافتاً إلى أنه لم يتمكن على مدار ثلاثة أعوام سابقة من تسديد أقساط الترخيص والضرائب المفروضة على سيارته، بسبب ظروفه الاقتصادية الصعبة وإعالته لـ 12 فرداً منهم مصابون ومعاقون، يؤكد أنهم يحتاجون الكثير من المصروفات لخدمات الرعاية الخاصة التي يتلقونها لكنه لا يملك لهم إلا الحد الأدني.
 
كالمتسولين
أما السائق أبو حمدي أبو شريعة(59) عاماً، فلا يكف عن الأمل بأن تتحسن أوضاعه الاقتصادية ليتمكن من تحسين ظروف أسرته المعيشية، يقول لـ"الحدث" نطالب كافة الجهات المعنية بالنظر لمعاناتنا وإيجاد حلول سريعة وواقعية من شأنها أن تُبقي على كرامة السائق في طلبه لرزقه ورزق أسرته قائلاً:"بتنا كالمتسولين بل أكثر بؤساً".
ويخرج السائق أبو شريعة من بيته يومياً مع ساعات الصباح الأولى طلباً للرزق، إلا أن وضع الحالة المرورية وقوانين خطوط السير التي تفرضها شرطة المرور لا تُمكنه من العمل إلا قليلاً، حسب قوله، ويشير إلى أن الشرطة تمنع سيارات الأجرة ذات الركاب السبعة أو الهونداي من الدخول إلى منطقة الجامعات وتفرض عليهم المكوث في الموقف، مؤكداً أن ذلك يحد من إقبال الركاب على سياراتهم، وانتقد أبو شريعة الحالة المؤلمة التي تتعامل بها شرطة المرور مع السائقين لافتاً إلى أنها تعتمد على الجباية أكثر من تقديم الخدمات، مُطالباً بضرورة ضبط الحركة المرورية في كل المحافظات، بما يُحقق فرصة أفضل للعمل لكافة السائقين.
 
دخلاء المهنة
ويتفق السائقون على معاناتهم من دخلاء المهنة، مؤكدين أنهم يُزاحمونهم في أرزاقهم وكثيراً ما يختطفونها منهم، وقال السائق سعد العثامنة: "بعد الانقسام وانقطاع رواتب الكثير من الموظفين عمدوا أولئك إلى جمع ادخاراتهم أو حتى الاستدانة لشراء سيارات ملاكي والعمل بها على خط الأجرة، ما انعكس سلباً على دخلنا"، ويُشير إلى أن البعض يعمل بدافع الطمع خاصة من موظفي السلطة الذين يجلسون في بيوتهم ويتقاضون رواتبهم كاملة إلا فيما ندر وفقاً للأزمات، وفي ذات الوقت يُزاحموننا في أرزاقنا، حسب قوله.
ومن جهته ينتقد السائق أبو سعود قيام الجهات الرسمية في وزارة النقل والمواصلات وسلطة الترخيص، السماح لأصحاب السيارات الملاكي بتحويلها إلى سيارات أجرة لتُنافس أصحاب سيارات الأجرة على الخطوط، وقال: "لدينا زيادة في كمية السيارات حوالي أربع أضعاف ما يلزم القطاع"، لافتاً إلى أن المستفيد الوحيد من هذه الزيادة هي السلطات الرسمية فزيادة عدد السيارات يعني زيادة الجباية، ونبّه إلى وجود أكثر من 10 آلاف سيارة ملاكي تم تحويلهم بموافقة السلطة المعنية في غزة إلى سيارات أجرة وهم في داخل الميناء.
يُطالب السائقون بضرورة الكف عن هذه السياسة ومحاولة منع الملاكي من العمل على خطوط السير خاصة من يملكون وظائف في المؤسسات الرسمية أو الأهلية.
وبحسب إحصاءات المرور فإن أعداد السيارات التي تعمل على خطوط سير المحافظات تفوق الحاجة السكانية لها، وبلغ عدد سيارات الملاكي حوالي 12 ألف سيارة، فيما عدد سيارات الأجرة 2000 سيارة تقريباً.
 
النقابة لا تملك الحل
بدوره يؤكد جمال جراد، رئيس نقابة السائقين بغزة، على خطورة الأوضاع التي يُعانيها السائقين في قطاع غزة، وشدد في تصريح خاص لـ"الحدث" على ضرورة استحداث قرارات للتخفيف من المعاناة التي يعيشها أكثر من 20 ألف سائق في قطاع غزة، قائلاً:"إنهم في مواجهة الحصار والغلاء معاً"، من التفصيل أوضح أن غلاء سعر الوقود ضاعف من معاناة السائقين خاصة في ظل ضعف الحركة المرورية للمواطنين بين المدن نتيجة لأوضاعهم الاقتصادية المتردية بشكل عام.
وفيما يتعلق بالحلول التي يُمكن أن تقوم بها النقابة كهيئة قائمة على حلول مشاكل السائقين وتذليل عقبات العمل عنهم، قال جراد لـ"الحدث" "النقابة لا تملك حلاً سحرياً"، وتابع أنهم يعملون بجد في إطار المطالبات للسلطة ووزاراتها الممثلة للسائقين بضرورة رفع الضرر عن السائقين وسن قوانين وأنظمة تضبط الحركة المرورية وتُحقق عدلاً في توزيع الأعمال وفق خطوط السير للملاكي والأجرة لضمان الوصول إلى الرزق الذي يُمكن السائق من العيش بكرامة، وكشف أن الأيام القليلة القادمة ستشهد احتجاجات شعبية وتظاهرات تفاعلية للسائقين من أجل لفت الأنظار لمعاناتهم، قائلاً: "نحاول جهدنا لكن يبقى عدم توحد المؤسسة ا لرسمية عقبة تنسف كل الجهود المطروحة".
ويُطالب جراد كافة المسؤولين في حكومة الوفاق الوطني بضرورة النزول إلى الشارع ومعايشة هموم الناس بعيداً عن التشنج السياسي والتنازع على المناصب والتمثيل الحكومي، قائلاً: "يكفي انقسام".
وحسب قرارات سابقة سارية المفعول حتى الآن فإن سلطة الترخيص تُقدم تسهيلات للسائقين كـ تخفيض الترخيص للمركبات العمومية بنسبة 50% على أجرة النمرة، و30%على البودي.
وفي هذا السياق أشار بيان صادر عن سلطة الترخيص في وزارة النقل والمواصلات بغزة، إلى عدد من التسهيلات قدمتها السلطة في إطار التخفيف عن كاهل السائقين، وأوضح البيان وجود تخفيض بنسبة 30% على ترخيص جميع المركبات بالإضافة إلى عدم احتساب رسوم أجرة النمرة والترخيص على السيارات القديمة التي مضى عليها 18 عاماً وستُتلف، لكن تبقى هذه التسهيلات بسيطة في ظل تفاقم المعاناة، حسب السائقين.