الحدث- سايمون هندرسون, ديفيد شينكر
نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى مقالا بعنوان "مطالب" السعودية النووية: ماذا تريد، وما الذي قد تحصل عليه؟"، وفيما يلي النص:
وفقاً للروايات المتعلقة بالتعليقات الأخيرة غير الرسمية للقائد الفعلي للمملكة العربية السعودية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لدى المملكة ثلاثة مطالب رئيسية مقابل عقد اتفاقية تطبيع محتملة مع إسرائيل، وهي: ضمانات أمنية أمريكية، والوصول إلى معدات وتكنولوجيا عسكرية أمريكية ذات جودة عالية، ودعم برنامج نووي مدني محلي. وقد يكون "المطلب" الثالث هو الأكثر صعوبة بالنسبة لواشنطن، لأنه يتضمن الوصول إلى تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم التي يمكن استخدامها لإنتاج متفجرات نووية.
إن أحدث نسخة من هذه الصفقة من شأنها تأسيس "أرامكو نووية"، مما يحاكي الانخراط التاريخي لشركات النفط الأمريكية في الثلاثينيات والذي أدى في النهاية إلى امتلاك السعوديين بالكامل لأكبر شركة نفط في العالم. ووفقاً لبعض التقارير، اقترحت الرياض هذه الفكرة على المسؤولين الأمريكيين جزئياً لتهدئة مخاوفهم بشأن أي تسليح محتمل.
ومع ذلك، تتذكر واشنطن بالتأكيد التصريحات النووية لولي العهد السعودي في مقابلة أجريت معه عام 2018 في برنامج "60 دقيقة": "لا تريد المملكة العربية السعودية امتلاك أي قنبلة نووية، ولكن دون شك إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسوف نحذو حذوها في أقرب وقت ممكن". وقد يتجاهل البعض هذا التعليق باعتباره مرتجلاً وليس بياناً متعلقاً بالسياسات، لكن المقابلة كانت مسجلة مسبقاً وجاءت وسط رحلة مهمة إلى واشنطن، وهي الأولى له بعد تعيينه وريثاً للعرش. بالإضافة إلى ذلك، وجه عمه، الملك الراحل عبد الله، الرسالة ذاتها إلى المبعوث الأمريكي الخاص دينيس روس في عام 2009. ومؤخراً في كانون الأول/ديسمبر الماضي، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في مؤتمر في دبي: "إذا حصلت إيران على سلاح نووي عملياتي، توقفت كل الرهانات".
أعطى وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، الأخ غير الشقيق لولي العهد، فكرة دقيقة عن توجه المملكة في كانون الثاني/يناير الماضي، حيث قال في مؤتمر تعدين محلي إن الرياض تريد "دورة الوقود النووي بأكملها، والتي تتضمن إنتاج الكعكة الصفراء واليورانيوم منخفض التخصيب، وتصنيع الوقود النووي لاستخدامنا الوطني وبالطبع للتصدير". وتشير عبارة "دورة الوقود النووي الكاملة"، التي قد تثير القلق، إلى أن المملكة تريد إعادة معالجة الوقود المستهلك، الذي يمكن أن يولد البلوتونيوم المتفجر كمنتج جانبي.
وفي النهاية، من المستبعد جداً أن يقبل محمد بن سلمان بأي اتفاق يمنح المملكة أقل مما تنازلت عنه واشنطن لإيران في الاتفاق النووي لعام 2015. وفي الواقع، تركزت المناقشات الأمريكية السعودية المتعلقة بهذه المسألة على السياسات الإقليمية لإيران وبرنامج التخصيب الضخم الخاص بها، والذي يُفترض أنه يهدف إلى تزويد المفاعلات المدنية بالوقود، ولكن تم تحديده بوضوح على أنه برنامج عسكري. ويعتقد معظم المراقبين أن إيران توشك الآن أن تصبح دولة مسلحة نووياً، وإذا اختارت ذلك، يمكنها أن تخصب بسرعة مخزونها الكبير من المواد الانشطارية لإنتاج ما يصل إلى خمس قنابل نووية، مع أنها قد تحتاج إلى أشهر أو حتى سنوات لإتقان آلية الانفجار الداخلي المطلوبة أو الرأس الحربي للصاروخ أو أي نظام توصيل آخر.
وتتضمن الخطط النووية الحالية للسعودية مقترح إنشاء مفاعلَيْ طاقة مدنيَيْن، بعد أن تم تقليص عدد المفاعلات من الستة عشر المقترحة في عام 2013. ومن منظورها تعتبر الرياض أن استخدام رواسب اليورانيوم المحلية المكتشفة مؤخراً لتزويد مفاعلات جديدة بالوقود وتوليد الكهرباء سيمكّنها من تصدير معظم نفطها، الذي لا يزال إنتاجه الأكثر رخصاً في العالم ولا يزال ضرورياً لتمويل انتقال المملكة إلى اقتصاد أكثر خضرة وتنوعاً في العقود القادمة. إلّا أن حجم احتياطياتها من اليورانيوم ونوعيته هما موضع شك. ففي نيسان/إبريل، أفادت وكالة "بلومبرغ" أن "الاستكشاف" السعودي "لم يسفر إلا عن رواسب «غير اقتصادية بشدة» حتى الآن"، وهو تقييم يستند إلى تقرير معمّق عن اليورانيوم صادر عن "وكالة الطاقة النووية" و "الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
بالإضافة إلى ذلك، أعرب المسؤولون الأمريكيون أساساً عن مخاوفهم بشأن خطوات المملكة التي أبلغت عنها سابقاً تجاه التسلح النووي. ففي 4 آب/أغسطس 2020، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين لم تسمهم، تأكيدهم أن الصين قد أقامت منشأة في الصحراء السعودية لتحويل خام اليورانيوم إلى الكعكة الصفراء، وهي مرحلة وسيطة قبل التخصيب. وفي اليوم التالي، استشهدت صحيفة "نيويورك تايمز" أيضاً بمصادر لم تسمها للإشارة إلى أن مبنيَيْن بالقرب من الرياض يمكن أن يكونا "منشآت نووية" غير معلنة.
وإذا كانت المملكة قد بنت أصلاً منشآت تخصيب، فمن أين حصلت على التكنولوجيا اللازمة للقيام بذلك؟ يعترف مسؤولون غربيون مطلعون بأن السعودية كانت الزبون الرابع غير المعلن لعبد القدير خان، العالم وخبير الانتشار النووي الباكستاني الراحل الذي باع معدات أجهزة الطرد المركزي لإيران وليبيا وكوريا الشمالية. فخان تقاعد في عام 2001، مما يشير إلى أن أنشطته مع المملكة تعود إلى أكثر من عشرين عاماً.
بما أن الوضع مع إيران يوفر السياق العام للمداولات النووية الأمريكية السعودية، فإن أي تقدم تقني من جانب طهران يمكن أن يغير كل المعطيات بين ليلة وضحاها. ولكن إذا استمر الوضع الراهن، فإن الغموض الحالي المحيط بنطاق قدرات إيران والصفقات المحتملة التي قد تعقدها الولايات المتحدة يمكن أن توفر فرصاً للدبلوماسية مع الرياض.
وقد يكون إعفاء المنشآت السعودية الحالية أحد السبل للمضي قدماً. فضلاً عن ذلك، في كانون الثاني/يناير صرح الأمير عبد العزيز أن "المملكة تنوي استخدام موارد اليورانيوم الوطنية، بما في ذلك في مشاريع مشتركة مع الشركاء الراغبين وفقاً للالتزامات الدولية ومعايير الشفافية". ومع أن ذلك يتعارض على ما يبدو مع فكرة قيام الولايات المتحدة بمراقبة الأنشطة السعودية بشكل مباشر في إطار "أرامكو النووية"، إلا أنه يشير إلى دور غير محدد "للوكالة الدولية للطاقة الذرية" التي مقرها في فيينا، وهي أبرز هيئة رقابة نووية في العالم. وفي الوقت الحالي، لدى السعودية اتفاقية منخفضة المستوى مع "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" لكنها لم توقع على "البروتوكول الإضافي"، الذي يسمح بعمليات تفتيش تدخلية. وتتمثل إحدى طرق تعزيز ثقة الولايات المتحدة في سيناريو "أرامكو النووية" في أن تخضع الرياض لعمليات تفتيش أكثر صرامة وانتظاماً من قبل "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، كما فعلت أكثر من 140 دولة بموجب البروتوكول الإضافي.
وهناك اعتبار آخر وهو إسرائيل، التي لم تبلور حكومتها بعد وجهة نظر موحدة وموثوقة بشأن برنامج سعودي محتمل للطاقة النووية. في حزيران/يونيو، أعرب وزير الطاقة يسرائيل كاتس عن معارضته لمثل هذا البرنامج في الأمم المتحدة. ولكن خلال مقابلة بعد بضعة أشهر، قلل مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي من أهمية المخاطر المحتملة لمثل هذا البرنامج. تجدر الإشارة إلى أن إسرائيل عارضت اقتراح الأردن لبناء محطة للطاقة النووية في عام 2009 بسبب مخاوف متعلقة بالسلامة. ولا شك في أن إنشاء مفاعل على ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية، بعيداً عن إيران ولكن في نطاق نيران الصواريخ التي قد يطلقها شركاء طهران الحوثيون في اليمن، من شأنه أن يولّد مخاوف مماثلة.
إن مطالب التخصيب السعودية تضع إدارة بايدن في موقف حرج أيضاً. فلطالما حظرت واشنطن التخصيب عند التفاوض على تعاون نووي مدني مع دول المنطقة. على سبيل المثال، أقنعت واشنطن الإمارات العربية المتحدة بالتخلي عن هذه الممارسة وعارضت الطموحات الأردنية بمواصلة التخصيب التجاري. وفي الواقع، يحظر الإطار القانوني الأمريكي للتعاون النووي المدني - "البند 123" من "قانون الطاقة الذرية لعام 1954"، والذي وقعت واشنطن بموجبه اتفاقيات مع 23 دولة - بصراحة التخصيب وإعادة المعالجة.
ومع ذلك، كانت هناك استثناءات، أبرزها الهند. وفي وقت سابق من هذا العام، أدرجت الولايات المتحدة التخصيب في الاتفاقية النووية المدنية التي وقعتها مع بريطانيا وكندا وفرنسا واليابان، في صفقة تهدف إلى حماية حلفائها من العقوبات ضد روسيا، المزود الرائد عالمياً للوقود النووي المدني. ويمكن للاحتمالات الإقليمية المرتبطة بالسلام الإسرائيلي-السعودي التي من شأنها أن تغير قواعد اللعبة، إلى جانب المخاوف من احتمال لجوء الرياض إلى طرف آخر لتطوير برنامجها النووي إذا لم تساعدها واشنطن في ذلك، الأمر الذي يعني ضمانات أقل، أن تدفع إدارة بايدن نحو تبني نظرة أكثر مرونة تجاه التخصيب.
وحتى بينما تشجع واشنطن التطبيع بين الرياض والقدس، فمن المحتمل أنها تحاول موازنة السياسات التي تقيد إيران، وتحافظ على الخيارات الدبلوماسية الأمريكية، وتعالج المخاوف المتعلقة بالانتشار النووي في الشرق الأوسط - أي احتمال أن يؤدي المزيد من التقدم النووي الإيراني إلى حث دول المنطقة الأخرى على السعي بنشاط للحصول على البدائل النووية العسكرية الخاصة بها. ويُعتقد على نطاق واسع أن مصر والسعودية وتركيا والإمارات لديها القاعدة التكنولوجية لمثل هذه الجهود أو إمكانية الوصول إليها، في حين أن روسيا والصين وربما حتى فرنسا قد تقدم مساعدة إضافية (على سبيل المثال، وقعت باريس اتفاقية تعاون نووي مع الرياض في تموز/يوليو).