الجمعة  29 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

من موشي ديان لمخيم نور شمس: التحذير والعقاب

2023-09-05 09:30:51 AM
من موشي ديان لمخيم نور شمس: التحذير والعقاب
مخيم نور شمس

متابعة الحدث

في الخمسينيات من القرن الماضي، بعد سنوات قليلة من احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1948، وضع جيش الاحتلال استراتيجية "العقاب بهدف الردع". ويعتبر المنظّر الأول لهذه الاستراتيجية هو موشي ديان، رئيس هيئة أركان الجيش في معركة احتلال سيناء ووزير الجيش في حرب عام 1967. من وجهة نظره، فإن العمليات العسكرية الخاطفة ليس بالضرورة أن تحقق أهداف ميدانية مباشرة، وإنما قد يكون هدفها استعراض القوة والضغط على السكان وكلاهما يحققان الردع. 

ديان يعتقد أن استعراض القوة يمنع الأعداء من خوض حروب أو جولات قتال مع إسرائيل، لأنهم يكتشفون في كل مرة، تطور القدرات العسكرية الإسرائيلية، وبالتالي يجري ردعهم. ويبدو أن هذا الشق من الاستراتيجية لا زال جيش الاحتلال يتبناه حتى اليوم. مثلا: خلال عدوان أغسطس 2022، صرّح أكثر من مصدر ومسؤول عسكري لوسائل الإعلام الإسرائيلية أن الحرب على الجهاد ولكن الرسالة لحزب الله. وبعد وخلال العدوان، اهتمت الدعاية العسكرية الإسرائيلية باستعراض أنواع جديدة من الأسلحة تم استخدامها. 

أيضا، في عدوان مايو 2023، كان الاستعراض الأهم، استخباراتيا، على عكس العدوان الذي سبقه، فقد تمحورت الدعاية العسكرية الإسرائيلية على القدرات الاستخباراتية الإسرائيلية الهائلة، والتي مكنتهم من اغتيال كل الصف القيادي في الذراع العسكري للجهاد الإسلامي. وبنفس الطريقة المشار لها سابقا، كان التوجه العام في التقارير الإسرائيلية يشير إلى أن ذلك رسالة لحزب الله وحماس، بأن إسرائيل لديها بنك أهداف استخباراتي مهم حول كل فصيل وعدو. 

وكما أشرنا سابقا، فإن هذا النوع من الاستعراض العسكري الذي تضمنه العمليات العسكرية الخاطفة، هدفه ردع العدو من الذهاب إلى جولة قتال أو حرب. وقد تم تطوير هذا المبدأ ليصبح هدف العملية ليس فقط الردع النفسي والمعنوي، وإنما كذلك تدمير أكبر قدر ممكن من مقدرات قوى المقاومة دون الذهاب لمعركة واسعة. 

أما الشق الثاني من الاستراتيجية التي يعتبر ديان منظرها الأول، على الأقل إسرائيليا، فهو ممارسة العقاب الجماعي بحق السكان بهدف إنتاج موقف مغاير لديهم حول المقاومة، وتحذيرهم من المستقبل في حال تطورت حالة المقاومة في حيزهم. يعني أن يدفع السكان الثمن، وبالتالي تصبح بيئة عمل المقاومين تعمل ضدهم. 

في محاضرة ألقاها ديان أمام ضباط الجيش الإسرائيلي عام 1955، قال إن "تدفيع الثمن هو وسيلة لفرض الهدوء، فهذه العمليات هدفها العقاب والتحذير..". ويتابع ديان في توضيح استراتيجيته قائلا: "هذه العمليات الصغيرة لها أهمية كبيرة في فرض الأمن، إنها تجعل العرب يؤمنون بقدرة وقوة إسرائيل، وهذا يردعهم.. أيضا، عندما يرون أن لدينا القدرة على تدفيعهم ثمن باهظ، فإنهم يعيدون حساباتهم من جديد بفتح حرب أو معركة مع إسرائيل. إن العرب (يقصد الفلسطينيين) لن يتخذوا قرارا وموقفا ضد الصراع مع إسرائيل إلا إذا توفرت لديهم القناعات والأسباب بأن الثمن سيكون غاليا، وبدون ذلك سيبقون في حالة صراع مستمر معنا". 

تكشف تقارير ووثائق إسرائيلية أن مجازر كبيرة وقعت في سياق تطبيق الاستراتيجية المذكورة (العقاب والتحذير). من بينها مجزرة قبيا التي وقعت في عام 1953، وكان الهدف منها ردع سكان القرية بعد زيادة أعداد الفدائيين الذين نفذوا انطلاقا منها عمليات ضد أهداف إسرائيلية من بينها عملية فدائية في مستوطنة "إيهود". نفذت المجزرة الوحدة 101 من الجيش والتي تم تأسيسها وتدريبها لعقاب السكان وتدفيعهم ثمن المقاومة لخلق موقف مضاد لديهم من أعمال المقاومة. كان القرار بالقيام بعملية قتل جماعي في قبيا، مركزيا، من أعلى المراتب السياسية والعسكرية الإسرائيلية. واستشهد في المجزرة حوالي ستين فلسطينيا، بينهم نساء وأطفال.

أهارون ياريف، الذي كان رئيسًا لشعبة المخابرات في الجيش الإسرائيلي، يقول عن استراتيجية "العقاب والتحذير" التي جرى تطبيقها بقوة في الخمسينيات: "على الرغم من أن الهدف الرئيسي المتمثل في منع المقاومة لم يتحقق، إلا أنه ليس هناك شك في أن الإجراءات الانتقامية العقابية، ساهمت في الحد من نقاط الضعف المحتملة لدينا. إنها تعمل على رفع معنويات اليهود وتخلق صورة رادعة لدى الفلسطينيين". 

ما سبق، قد يفسر ما حدث في مخيم جنين ومخيم نور شمس صباح اليوم، ومخيم طولكرم قبل أسابيع، من تدمير للبنية التحتية وتجريف للشوارع. قد لا يكون لدى الجيش أي معلومة مهمة يحقق من خلالها هدف ميداني عسكري مباشر. لكن مسألة تدمير البنية التحتية، والتي ترددت كثيرا في مقابلات رئيس الأركان السابق أفيف كوخافي خلال تحذيره لحزب الله وحماس، هي العلامة الفارقة في هذه العمليات العسكرية الخاطفة، والتي لا تنتهي في بعض الأحيان باعتقال واغتيال مقاومين.

إذن، الهدف أن يضغط الشارع المدمر على موقف السكان، وأن تلعب البنية التحتية دورا هاما ضد كتائب المقاومة بالضفة. وبهذه الطريقة، تصبح حقوق الفلسطيني والخدمات الضرورية، أدوات ابتزاز يستخدمها الاحتلال لمحاربة كتائب المقاومة. لكن، وعلى الرغم من تأثير هذه السياسات على مواقف البعض، إلا أنها غالبا ما تفشل في كي وعي الغالبية العظمى من الفلسطينيين، ولكن الإسرائيليين لا يملكون إلا المحاولة والانتقام.