الحدث- سوار عبد ربه
من خلف سياج حديدي، وقفت طفلتان من بلدة العيساوية أمام عدسة كاميرات الصحفيين، الذين توجهوا إلى المكان لتغطية الحدث الدائر في تلك المنطقة، لترويان المعاناة الجديدة التي أضافها الاحتلال على البلدة، قالت إحداهن واسمها ناهدة ناصر: "أسكن هنا منذ مدة، تحمّلنا وصبرنا في وجه المشاكل التي يخلقوها دائما، لكننا منذ أمس ونحن نجلس على الأرض، بسبب رفضهم إدخالنا إلى بيوتنا، كما منعونا من التوجه إلى مدارسنا، وطالبونا بسلك طريق آخر وأكثر صعوبة".
أول أمس، فوجئ أهالي منطقة روابي العيساوية، بمنع خروجهم ودخولهم عبر البوابة كما هو معتاد منذ ما يقارب 12 عاما، هذا الإغلاق من شأنه أن يؤخر وصول الأهالي الذين باتوا مجبرين على سلك طرق أخرى تمكنهم من الوصول إلى وجهتهم، إذ روى أهالي البلدة أن الطريق التي كانت تحتاج إلى عشر دقائق قبل إغلاق البوابة، ستحتاج اليوم إلى ثلاث ساعات لوصولها.
وحول هذا قال عضو لجنة الدفاع عن أراضي العيساوية محمد أبو الحمص في لقاء خاص مع صحيفة الحدث: "إن هذه البوابة الحديدية التي قامت قوات الاحتلال بإغلاقها موجودة منذ أكثر من اثني عشر عاما، ويستخدمها السكان كبوابة عبور إلى خارج أراضيهم".
وأضاف: "أول أمس تفاجأنا مع بداية العام الدراسي، قيام قوات الاحتلال بإغلاق البوابة الشرقية للبلدة، دون سابق إنذار، ودون الاكتفاء بالإغلاق إنما فرض على الأهالي منع الدخول والخروج عبرها".
وبحسب الناشط المقدسي وعضو لجنة الدفاع عن أراضي العيساوية، "لم تكتف قوات الاحتلال بإغلاق البوابة إنما اعتقلت بعض الأهالي، ومنهم من أبعد عن المنطقة لخمسة أيام".
وأدى أهالي من بلدة العيساوية صلاة الجمعة الماضية عند المدخل الشرقي للقرية، رفضا لإغلاق قوات الاحتلال البوابة الحديدية أمام السكان وطلبة المدارس والمزارعين.
وقال أبو الحمص، "إن تأدية صلاة الجمعة أمام البوابة كانت بهدف الاحتجاج على الإغلاق التعسفي، الذي جرى دون سابق إنذار، وكي يصل صوتنا ورفضنا لمثل هذه الإجراءات الاحتلالية التي لن تثنينا عن أراضينا وبيوتنا".
وأثناء إقامة المصلين لصلاة الجمعة تعمدت قوات الاحتلال استفزازهم، والتعدي عليهم، كما صادرت السجاد الذي كانوا يصلون عليه، وحاولت منع الصحفيين من الاقتراب وتغطية الحدث.
وأوضح أبو الحمص أن إغلاق البوابة جعل من المصلين مقسمين إلى قسمين، واحد داخل البوابة وآخر خارجها".
وأكد عضو لجنة الدفاع عن أراضي العيساوية في لقائه مع صحيفة الحدث أن أهالي البلدة ووجهاءها ومؤسساتها بصدد عقد اجتماعات لاتخاذ الإجراءات المناسبة ضد هذه الهجمة الشرسة التي تمارسها حكومة اليمين المتطرف ضد أبناء الشعب الفلسطيني عامة، وأهالي القدس خاصة، لمحاولة السيطرة على أكبر قدر ممكن من أراضي الفلسطينيين.
وأشار أبو الحمص في حديثه إلى الصعوبة التي ستواجه أهالي العيساوية إذا ما استمر الإغلاق، والأزمات المرورية وكذلك التأخير عن العمل أو المدرسة أو غيرها، ما يضفي فصلا جديدا من المعاناة لأهالي البلدة.
من فحص هوياتهم إلى منعهم بشكل تام من الدخول
من جانبه، قال مأمون محيسن وهو أحد أهالي العيساوية في لقاء خاص مع صحيفة الحدث إن العائلات التي تقف اليوم ممنوعة من الدخول والخروج من وإلى أراضيها تعيش في المنطقة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، ومعظم العائلات التي تسكن في الداخل، موجودة قبل إقامة المعسكر والبوابة.
كما أن أهالي العيساوية بحسب محيسن لديهم قرار من المحكمة العليا التابعة للاحتلال بحرية التنقل عبر هذه البوابة، غير أن السكان بالأساس يملكون أوراقا تثبت ملكيتهم للأراضي، ما يجعل من إجراءات الاحتلال هذه غير قانونية.
ويرجع تاريخ بناء المعسكر على أراضي بلدة العيساوية التي تبلغ مساحتها 14874 دونما يعيش الأهالي على 900 دونم منها فقط، إلى السنوات الماضية، حيث عمل الاحتلال على تحويلها إلى منطقة عسكرية.
وأضاف محسين أن الأهالي في السابق كانوا يدخلون إلى بيوتهم بعد فحص الأسماء المسجلة لدى المعسكر للسماح لهم بالدخول، وهو إجراء متبع بقرار من المحكمة الإسرائيلية العليا منذ 10 سنوات حتى تغيرت الإجراءات في اليومين الأخيرين.
انتهاكات قديمة ومستمرة
وليس إغلاق البوابة هو الإجراء الوحيد الذي اتخذته قوات الاحتلال ضد أهالي البلدة في وقت قريب، إذ قبل نحو شهرين اقتحمت قوات الاحتلال منطقة روابي العيساوية وحاصرتها ومنعت السكان من دخولها، وسط حراسة وحماية للجرافات وطواقم سلطات الاحتلال التي نفذت عمليات إخلاء وهدم لمنازل ومنشآت وبركسات.
كما قامت الجرافات باقتلاع أشجار زيتون تعود ملكيتها إلى عائلة أبو موسى السعيدي وعائلات من عشيرة السعيدي من الزعيم قرب العيساوية، وكذلك أعمال تجريف لمسطحات واسعة من الأراضي الفلسطينية.
وفي هذا الجانب قال الناشط المقدسي محمد أبو الحمص لصحيفة الحدث، إن الاحتلال يحاول بممارساته ضد سكان العيساوية أن يخيفهم لدفعهم إلى الهجرة، ولأجل هذا الغرض يلجأ إلى أساليب الترهيب وهدم البيوت ومصادرة الأراضي، وفرض المخالفات والضرائب الباهظة، ناهيك عن اقتحام البيوت والاعتداء على ساكنيها واعتقالهم.
وفي سياق متصل، ضمن حملة الاستهداف المستمرة لبلدة العيساوية وقرى وبلدات شرقي القدس، علقت طواقم بلدية الاحتلال وما تسمى "سلطة الطبيعة" الإسرائيلية إخطارات لمصادرة عشرات الدونمات من الأراضي الشرقية لبلدة العيساوية شمال شرق القدس، وبلدة الطور، لصالح مشروع "الحديقة الوطنية" المنوي إقامتها على أراضي البلدتين.
ويعود هذا المخطط الاستيطاني إلى عام 2007، وفقا لتقارير صحفية، عندما قدمته البلدية و"سلطة الطبيعة"، لكنه مر بعدة مراحل من المصادقة كان آخرها عام 2013، عندما صادقت "اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء" التابعة لوزارة داخلية الاحتلال على إقامة "الحديقة الوطنية" على منحدرات جبل المشارف.
وفي عام 2014، قررت "اللجنة القطرية للتخطيط البناء" لدى الاحتلال تجميد المخطط، واشترطت على بلدية الاحتلال و"سلطة الطبيعة" عدم العمل لإنشاء حدائق في المنطقة قبل دراسة وتوفير احتياجات الأهالي من المدارس ورياض الأطفال والمنازل والمراكز الصحية في الطور والعيساوية.
لكن اليوم يعود المخطط للواجهة من جديد، بعدما أخطرت بلدية الاحتلال عشرات الدونمات من أراضي البلدتين بالمصادرة، لصالح إقامة الحديقة.
وفي لقاء خاص مع "صحيفة الحدث"، قال المختص في شؤون القدس فخري أبو ذياب إن ما تقوم به حكومة الاحتلال وخاصة حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة التي تشن حربا على الوجود الفلسطيني في مدينة القدس المحتلة؛ يأتي في سياق الهجمة من قبل الاحتلال لتطويع وترويع وكسر شوكة ومعنويات أهل القدس ومحاولة لتفريغ وتهجير المدينة. مضيفا "أن قوات الاحتلال تحاول فرض أجندتها وما يعرف بسياسة العقاب الجماعي على المقدسيين".
وأوضح أبو ذياب أن الاحتلال يحاول أن ينفرد بالأحياء المقدسية واحدا تلو الآخر، لتنفيذ مخططاته ضد المقدسيين.
وأردف أبو ذياب: "يحب الحفاظ على هوية القدس العربية الإسلامية، ومنع تهويدها بشتى الطرق، والحفاظ على الوجود المقدسي الفلسطيني فيها، بكافة السبل وعلى رأسها الحراك المقدسي وذلك من خلال إيجاد استراتيجيات للصمود والثبات، وتركيز الصمود والرباط، وتمكين أهالي القدس المحتلة في أراضيهم، مستذكرا صمود الأهالي في هبة الأسباط التي توحد فيها المقدسيون على قلب رجل واحد، ما أدى إلى انكفاء الاحتلال عن فرض وقائع تهويدية جديدة على المسجد الأقصى كوضع كاميرات وبوابات إلكترونية وغيرها.
وكانت محافظة القدس قد أصدرت تقريرها في تموز حول جرائم وانتهاكات الاحتلال خلال النصف الأول من العام الجاري 2023، في العاصمة المحتلة، الذي رصد ارتقاء 9 شهداء و1800 حالة اعتقال وأكثر من 26 ألف مستوطن اقتحموا الأقصى خلال النصف الأول من 2023، فيما بلغ عدد عمليات الهدم خلال النصف الأول من العام 2023، (181) عملية هدم و(19) عملية تجريف، كان منها (40 عملية هدم ذاتي قسري) و(141 عملية هدم نفذتها آليات الاحتلال).
وعقبت المحافظة على هذه الإحصائيات بقولها: إن الهجمات المسعورة من سلطات الاحتلال ومستوطنيه مستمرة، في ظل حكومة الاحتلال اليمينية التي تنفذ برنامجا متطرفا فاشيا يهدف إلى الضم والتهجير والتهويد والاستيلاء على الأراضي، وتعميق الاستيطان والفصل العنصري، والعدوان العسكري، والمساس بالمقدسات خاصة تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، الأمر الذي ينعكس على جميع مناحي حياة المواطن الفلسطيني في واقع تصعيد الجرائم بحقه، بهدف زعزعة إرادته وتقويض وجوده خاصة في العاصمة المحتلة.