أمير مخول: قرار حظر رفع الأعلام الفلسطينية زعرنة سياسية بمستوى دولة
ناصر الهدمي: قرار حظر رفع الأعلام الفلسطينية دليل على استفزاز الاحتلال من الرموز الوطنية التي تحقق السيادة
الحدث- سوار عبد ربه
أعلنت وسائل إعلام عبرية، الأسبوع الماضي، أن شرطة الاحتلال بدأت بتطبيق قرار حظر رفع الأعلام الفلسطينية في حي الشيخ جراح بمدينة القدس بأمر من الوزير المتطرف إيتمار بن غبير. وإجراءات الاحتلال هذه في الحي، التي تستهدف الرموز الوطنية الفلسطينية أو التي تدل عليها ليست الأولى من نوعها، إذ صدرت قرارات سابقة بهذا الخصوص لكنها لم تنفذ بفعل صمود الأهالي، وعدم مشروعيتها من الناحية القانونية.
وللاحتلال تاريخ طويل من الحظر والمنع في حي الشيخ جراح، إذ شهدت مواقع التواصل الاجتماعي عام 2021، على سبيل المثال، موجهة سخرية من جيش الاحتلال الذي اقتحم الحي ليصادر بالونات تحمل ألوان العلم الفلسطيني وأعلاما وطائرة ورقية كذلك، بعد اعتدائها بالضرب الوحشي على السكان والمتظاهرين آنذاك بذريعة رفع الأعلام، كما اعتقلت في العام نفسه سيدة مقدسية رفعت العلم الفلسطيني في ساحة باب العامود خلال مسيرة "رقصة الأعلام" التي ينظمها المستوطنون في كل عام، ما يؤكد أهمية هذه الرموز كأدوات نضالية من جهة، ومن جهة أخرى استفزاز الاحتلال منها خشية على سيادته في العاصمة الفلسطينية.
وحول هذا قال رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي في لقاء خاص مع "صحيفة الحدث" إن القرار يأتي في إطار الحرب المعلنة من الاحتلال على الهوية الوطنية الفلسطينية بكافة أشكالها، فهو يريد أن يرسخ رؤيته لدى كل العالم أن أهالي مدينة القدس هم أقلية هامشية تعيش في هذه المدينة التي يعتبرها عاصمة له، ولا يريد فيها هوية غير هويته، كما لا يريد للمقدسيين أن تكون لهم أي هوية وطنية متجذرة، لذا يشن حربه على أشكال هذه الهوية.
ويرى الهدمي أنه ليس بعيدا على الاحتلال أن يمنع مستقبلا الكوفية الفلسطينية وكذلك اللغة العربية، لأنه يرى في هذه ا
لرموز تكذيبا لأسطورته التي يسعى لترسيخها بكل الوسائل الممكنة، عبر حظرها ومنعها، حتى لا تشعره بالتهديد، هذا لأنه يعرف نفسه سارقا ويحاول أن يعكس صورة مغايرة عن هذا الواقع.
ومن ناحية أخرى، يرى الهدمي أن الاحتلال يعي أن العلم الفلسطيني يجمع أبناء الشعب الفلسطيني، وهو لا يريد أن يراهم متحدين ومجتمعين حتى في وقفاتهم الاحتجاجية ضد ممارساته وجرائمه، كما حدث في حي الشيخ جراح قبل عامين، عندما كان العلم الفلسطيني شعارا جامعا للوقفات التي نظمت تصديا لعمليات تهجير وتشريد أبناء الشعب الفلسطيني من بيوتهم للاستيلاء عليها من قبل المستوطنين.
وبحسب الهدمي؛ فإنه كي يتصدى أبناء الشعب الفلسطيني في مدينة القدس لمثل هذه الإجراءات، عليهم أن يعوا تماما أن الصراع قائم ومستمر ولا يتوقف، وهذا الصراع يشكل تهديدا للاحتلال، الذي سينعكس على استهداف الرموز الفلسطينية لما لها من أثر على أبناء الشعب الفلسطيني ووحدته، وقدرتها على خلق نوع من أنواع التفاهم الوجداني فيما بينهم أثناء رفضهم للاحتلال.
لكن رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد يرى في هذه الأدوات النضالية على أهميتها، قشورا لا يجب أن تشغلنا عن الجوهر وهو الهوية الوطنية الفلسطينية ووحدة أبناء الشعب الفلسطيني.
واعتبر الهدمي أن قرار حظر رفع الأعلام الفلسطينية في حي الشيخ جراح الذي أقره ما يسمى بوزير الأمن القومي إيتمار بن غبير، ما هو إلا رد فعل على استفزازه من الرموز الوطنية الفلسطينية التي تحقق بشكل أو بآخر سيادة لأبناء الشعب الفلسطيني داخل مدينتهم، وتجلى هذا الاستفزاز في كثير من شعاراته وخطاباته التي ألقاها منذ ظهوره على الساحة السياسية.
من جانبه، قال المحلل السياسي أمير مخول في لقاء خاص مع صحيفة الحدث إن هذا القرار يأتي فقط في السياق الانتقامي الذي يدوس حتى على "القانون الإسرائيلي"، لعدم وجود قانون يمنع رفع العلم الفلسطيني في منطقة معينة.
ووصف مخول هذه الإجراءات بالزعرنة السياسية على مستوى دولة، التي تحاول أن ترهب الفلسطينيين عبر وزراء إرهابيين يحاولون فرض نوع من الترويع على الفلسطينيين، عبر الإكثار من الأدوات التي تخنق وتعيق حياة الناس، وهنا مكمن الخطر، سيما في ظل وجود مخطط لتهجير حي الشيخ جراح.
أما عن المفهوم الانتقامي الذي يرى فيه مخول سببا لهذه الإجراءات، فاعتبر أنه جاء نتيجة لصمود أهالي حي الشيخ جراح في معركته التي أشعلت الدنيا قبل عامين، والتي شكلت علامة فارقة في تلك المرحلة، أدت إلى تحويل الحدث في المنطقة إلى حدث استراتيجي، حان وقت الرد عليه وإسكات أصوات الأهالي الذين صمدوا عبر إجراءات تعسفية احتلالية.
ورغم إقرار الكنيست لهذا القرار، إلا أن المحلل السياسي أمير مخول يرى أن مصيره سيكون كالقوانين الأخرى التي ستهذب مع الريح لاحقا، لأن شعبنا لن يتنازل عن علمه، لأنه ليس قضية قانونية إنما قضية شعب مُسّ بأحد أهم رموزه التي يتمسك بها كما يتمسك الإنسان في حياته، معتبرا أن هذه الإجراءات يقوم بها اليمين الفاشي لتهدئة جمهوره سيما وأنه فشل أمنيا، وفشل في المواجهات على مستوى الضفة الغربية وكذلك استراتيجيا على كل الجبهات، لذا يحاول إنقاذ نفسه بما يسمى "الساحة الخلفية" سواء في حي الشيخ جراح، أو عبر تقليص عدد زيارات الأسرى وغيرها.
ويرى مخول أن الرد الوحيد على مثل هذا الإجراء هو رفع الأعلام بصورة أكبر، لأن المسألة طردية فكلما زادت الأعلام صعب إنزالها، وسيتحول دور الشرطة إلى صيادي أعلام فلسطينية، يركضون وراء العلم هنا وهناك، ليس فقط في الشيخ جراح، إنما في أي منطقة أخرى.
وأكد مخول أن هذه معركة إرادة في نهاية المطاف، أكثر من كونها معركة قانونية، وفي معركة الإرادة نحن لسنا الطرف الضعيف. كما أن العلم الفلسطيني أصبح يشكل رمزا للحركات التحررية في العالم، وشعارا يرفعه كل من أراد أن يعترض على وجود الاحتلال حتى في مباريات كرة القدم، رغم أن القضية الفلسطينية ما زالت متعثرة، إلا أن العلم الفلسطيني بات يشكل رمزا للحرية وليس للتعثر.
وكان بن غبير قد أمر مطلع العام الجاري، شرطة الاحتلال بمنع الأعلام الفلسطينية في الأماكن العامة، حيث أصدر المفتش العام لشرطة الاحتلال، يعقوب شبتاي، أوامر إلى قادة الشرطة بمنع رفع العلم الفلسطيني في “الأماكن العامة”، وذلك استنادا إلى توجيهات بن غفير.
وكان المستشار القضائي لحكومة الاحتلال قد أصدر وجهة نظر قانونية بشأن رفع العلم الفلسطيني بمناسبتين مختلفتين في عامي 2006 و2014، وشدد على أن قرار منع رفع العلم الفلسطيني يجب أن يطبق فقط في حالة وجود "مستوى عال من احتمال حدوث انتهاك خطير للسلم العام".
وبحسب صحيفة "هآرتس" العبرية، التي نشرت تقريرا في أعقاب هذا القرار، فإنه في السابق كانت تترك مسألة منع رفع العلم الفلسطيني لتقدير قادة الشرطة المحلية؛ فعلى سبيل المثال، تحظر الشرطة عادة رفع الأعلام الفلسطينية أثناء الاحتجاجات في القدس، لكنها تسمح برفعها في "تل أبيب".
وفي العام 2018، اقترحت عضو الكنيست عن حزب الليكود عنات باركو مشروع قانون يقضي بفرض عقوبات على من يرفع علم فلسطين تصل في أقصاها إلى السجن لمدة عام.
جاء هذا المقترح، بعدما امتلأت شوارع "تل أبيب" بالأعلام الفلسطينية في مظاهرة نظمتها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية وهي "أعلى هيئة تمثيلية للفلسطينيين في الداخل" احتجاجا على قانون القومية، ورفعت فيها الأعلام الفلسطينية.
ونص مشروع القانون على أن المواطنين الذي يرفعون خلال مظاهرة علم دولة عدو أو أية هيئات ليست صديقة لـ "إسرائيل" ستتم محاكمتهم و"سيكونون معرضين للسجن لمدة عام".
ليس هذا فحسب، بل حرض رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو في فترة حكمه على أن من يرفع الفلسطيني في مظاهرة، وكتب على حسابه في حينها أن "رفع العلم الفلسطيني في المظاهرة هو أفضل دليل على ضرورة تشريع قانون القومية".