شعر
لم أرَ مطراً
أطِلُّ من الشباك كي أرى مطرا
فرأيتني الثلاثة في الحديقة
طفلاً يراوغ فراشةً وعصفورة
ليكملَ حلمه بصيد أغنيةٍ
ويكبر
فتىً يقرأ رواية عاطفية
ويُقَلِّب الورد في حذرٍ
ليشتم عطر فتاته
وُيقَبِّلَها خلسة
عجوزاً يروي بطولاته عن امرأة
شاركته الدمعةَ والقصيدة
ويتلو على صاحبيه تعويذة الصبر
وحكمة الحرمان
ثم يُتابع سنة ذكرياته في البكاء
تقاسمنا الدموع
ولم أرَ مطراً
أعود إلى الباب
وأحدَّق في ما لا أراه
أصغي إلى جرسْ
أعرف أنه لن يرنُّ
ولكن لأدقَ حائط الذكرى
وأدخل جنتي من باب البكاء
أسقي العجوز
وما رأيتُ من الحدائق
وأُشَتِّلُ الدمع
لينمو كلامٌ عن الحب
وأحتمي بظلِّهِ من الجفاف
كأن المشهد
بدّلَ صورة الأشياء
وتاه في دلالات الحنين
حدّقتُ ثانيةً كي أرى مطراً
رأيتُ ما تمنيتُ وما عشقتُ وما اشتهيت
من النساء
رأيتُ من زرعت فضائي بالغناء
كانت تحاورنا الثلاثة في الحديقة
تشير إلى نهرٍ غامض المعنى
في أرض أنوثتها
وتُعيدُ عليَّ قراءة الوقتِ والمرآة
أعطتني درج الخيال
وللحنين أجنحة الحجل
وقالت اقفز إليَّ
ولا تثقب قصب الأنوثة في خيالك
حتى يتبعك الحلم
ويُنَقِّي الرياح من قسوة الليل والمعنى
وكن عازفاً ملهماً بتأويل الدموع
لتُرضي أنوثتي العالية
أُطِلُّ من الشباك كي أرى مطراً
رأيتُ (بيكاسو) يكسرُ لون (مأساته)
ليعيد رسم الموتِ في لونين
رأيتُ (قابيل) محصناً بشهوته للخلود
ليعيدَ قتل أخيه الوحيد
رأيتُ الغراب بين سرابين يُفتَتِّشُ عن غيمة
ليجبر جناحه المكسور
رأيتُ الأنبياء يُفَتِّشون عن تعاليم السماء
بين أتباعهم والركام
رأيتُ الحلم
يرجف من البرد في حلقِ الظلام
رأيتُ لغةَ حمراء
تسيل من أجنحة الحمام
رأيتُ الفراشة تحمل دمعةً
لِتُسَوِّرَ ظليَّ المُتعب
رأيتُ لؤلؤةً تبكي في عين ثعلب
رأيت القصيدة غيمةً تعصر نفسها
على عكازتين
لتخرج ماءً حداثياً
وتُطيِّرَ من المعنى يمام
رأيتُ الأرض
تثقب نفسها لتبلعَ الأحياء وتخرجَ الموتى
وتغيب
رأيتُ العجوز يقاسمني الدموع
يروي عليَّ حكمته
ويتركني تائهاً
في دلالات الحنين
ولم أرَ مطراً
*كاتب وشاعر أردني