حيفا- ربيع عيد
تفاجأت الحكومة الإسرائيلية من ردة فعل الشارع في الداخل الفلسطيني بعد استشهاد محمد أبو خضير، بخروج عشرات المظاهرات وحالات إغلاق الشوارع ونشوب مواجهات مع الشرطة، فسعت وعملت على ضرب هذا الحراك المنفجر بشبابه الغاضب، من خلال تصعيد القمع والملاحقة للشباب المتظاهرين، من خلال حملة اعتقالات واسعة طالت المئات، وتقديم العشرات منهم للمحكمة مع لوائح اتهام، في خطة مخابراتية واضحة للجم هذا الغضب وردع الناس عن المشاركة والاستمرار بالتظاهر، من خلال ترهيب الشباب بأساليب تعيد إلى الأذهان أساليب الحكم العسكري.
حملة اعتقالات غير مسبوقة قامت بها الشرطة الإسرائيلية في الأسبوعين الأخيرين، طالت أكثر من 400 شاب من البلدات العربية في الداخل الفلسطيني، على خلفية مظاهرات الغضب، أطلق سراح قسم كبير منهم، مع بعض الشروط كالحبس المنزلي أو الإبعاد، بالإضافة إلى استدعاء مئات الشباب لتحقيق في المخابرات الإسرائيلية. ومن الواضح جداً أن حملة الاعتقالات تميزت بالعنف المفرط والترهيب من قبل رجال الشرطة للقاصرين والفتية الذين تم اعتقالهم، ضمن حملة شرسة يراد منها ردع وترهيب الجيل الجديد، وبالتالي قد تقدم ضد المعتقلين لوائح اتهام شديدة تطالب بإنزال عقوبة صارمة.
الجيل الناشئ الذي تقدم الحراك الشعبي ومظاهرات الغضب، هو جيل الانتفاضة الثانية، استطاع على مدى أسبوعين، تنظيم عشرات النشاطات من مظاهرات غضب ومسيرات ووقفات، على ما يبدو، أزعجت المؤسسة الإسرائيلية جداً، ودفعت بتأجيل العدوان على غزة حسب بعض المحللين الإسرائيليين، فما حدث لم يكن يتوقعه أحد، لكن انتظره الكثيرون.
وبحسب المركز الحقوقي “عدالة”، الذي يترافع طاقمه الحقوقي عن العديد من المعتقلين، فإنه تم في الأسبوع الماضي اعتقال وإطلاق سراح أكثر من 200 شاب، بينما لا يزال 128 شاباً وطفلاً رهن الاعتقال. وبحسب معطيات الشرطة، فقد تم اعتقال 63 شاباً في النقب ، بينهم 11 دون سن الثامنة عشرة، وقدمت لوائح اتهام ضد أربعة متظاهرين، بينما في منطقة القدس فقد اعتقل 122 شاباً، بينهم 28 معتقلاً قاصراً، وقدمت لوائح اتهام ضد 28 معتقلاً، وفي منطقة الشمال وصل عدد المعتقلين إلى 122 معتقلاً، بينهم 29 قاصراً، وقدمت لوائح اتهام ضد 27 معتقلاً، أما في منطقة الساحل، والتي تشمل منطقة وادي عارة، فقد وصل عدد المعتقلين إلى 81 معتقلاً، بينهم 9 قُصَّر، إضافة إلى 7 معتقلين ما زالوا يخضعون لإجراءات الاعتقال المختلفة.
التنكيل بالقاصرين
المحامية سهير أسعد، التي تابعت ملف المعتفلين في مدينة الناصرة قالت في حديث لصحيفة “الحدث”: “الاعتقالات الأخيرة في مدينة الناصرة، سجلت خرقاً غير مسبوق لجميع المعتقلين وحقوقهم، بالتحديد المعتقلين القُصَّر، حيث منع تقريباً كل المعتقلين من الالتقاء مع محاميهم قبل التحقيق، وادعت الشرطة أن جميع المعتقلين رفضوا لقاء محامٍ، هذا الادعاء غير منطقي، حيث لا يعقل أن يرفض أكثر من 50 معتقل، بعضهم أطفال، أن يرفضوا الالتقاء بمحاميهم بهذا الشكل الجارف، بالنسبة للقُصَّر، فقد سجل خرق للقانون الذي يؤمن حماية خاصة للمعتقلين القُصَّر الذين يتم التحقيق معهم، حيث يمنع التحقيق مع القاصر في ساعات الليل المتأخرة، وعدم إبلاغ الأهل، فالقانون يعطي الحق بتواجد أحد والديه في غرفة التحقيق، هذه التعاملات خُرقت بالكامل ولم تلتزم بالمرة (إلا بحالتين) من 30 حالة، وتجدر الإشارة إلى أن قسماً كبيراً من القُصَّر تم الاعتداء عليهم أثناء الاعتقال وبعد الاعتقال وهم مكبلو الأيدي، وسجلت حالة محاولة تحرش جنسي بأحد القُصَّر”.
وأضافت أسعد: “هذا الخرق الفظيع وغير المسبوق لحقوق القُصَّر الذين تم اعتقالهم يجعل الاعتقال غير القانوني أشبه باختطاف، وإدخاله عنوة الى مكان معسكر بالكامل مع رجال شرطة مسلحين مما يؤدي إلى أضرار نفسية فظيعة، وضغوطات قد تؤول به إلى إعطاء إفادة غير صحيحة تحت الضغط وبدافع الخوف، وبالتأكيد جميع الأدلة والإفادات التي جمعت من القُصَّر لا يمكن الاعتماد عليها بأي إجراء جنائي في حقهم بالمستقبل، كون جمعها قد تم بصورة منافية للقانون، ويشار إلى أن الشرطة تعتزم تقديم لوائح اتهام ضد 7 من القُصَّر أصغرهم 13 عاماً”.
تشكيل لجنة محامين في مجد الكروم
في قرية مجد الكروم في الشاغور، وبعد حملة الاعتقالات الواسعة على خلفية مظاهرة الغضب وإصرار الشرطة على تقديم لوائح اتهام ضد كل المعتقلين، اجتمعت الأحزاب السياسية في مجد الكروم بحضور رئيس المجلس المحلي، سليم صليبي، وقررت تشكيل لجنة محامين لمتابعة القضية. وأصدرت اللجنة بياناً جاء فيه: “نظراً لموجة الاعتقالات التي يتعرض لها شباب بلدنا مجد الكروم إثر احتجاجهم وتعبيرهم عن غضبهم لما يتعرض له أهلنا في قطاع غزة من عدوان غاشم، ونظراً لضرورة تمثيلهم ومتابعتهم قانونياً، اجتمعت لجنة مبادرة مؤلفة من ممثلين عن الأحزاب السياسية ومحامين، وتم الاتفاق على تعيين لجنة محامين تتابع المعتقلين”. يذكر أنه تم الاتفاق على توزيع نفقات حملة الدفاع والمرافعة عن المعتقلين على الأحزاب، حيث يتكفل كل ممثل بدفع مبلغ مالي لتغطية التكاليف والكفالات، أما المحامون فيقدمون خدماتهم تطوعاً ودون مقابل.
يشار ألى أنه تم التحقيق مع 27 شاباً من مجد الكروم، وتقديم 12 شخصاً ضدهم لوائح اتهام حتى الآن، في خطوة مدروسة من قبل الشرطة لردع الشباب عن التظاهر مستقبلاً، فواضح جداً أن جميع التهم الموجهة هي نسخ ولصق دون أي تغيير بالتفاصيل بين المتهمين.
في شفاعمرو: المطالبة بإزالة الكاميرات
وفي مدينة شفاعمرو، التي شهدت مواجهات مع الشرطة على أكثر من يوم، أعقبها موجة اعتقالات للناشطين السياسيين، حتى لأشخاص لم يشاركوا في المظاهرات، طالب عضو بلدية شفاعمرو عن التحالف الوطني الديمقراطي، التجمع وأبناء البلد، مراد حداد، بعد حملة الاعتقالات، في رسالة بعثها إلى مجلس بلدية شفاعمرو ، طالب بتعطيل كاميرات التصوير المنتشرة في المدينة.
وعلل حداد مطلبه بأن: “الكاميرات تستخدم لمآرب سياسية من جانب الشرطة، وهدفها تعزيز أدلتها في المحاكمات ضد شباننا كحجة لملاحقتهم سياسياً وتمديد اعتقالهم وإبعادهم عن المدينة”. واعتبر حداد أن: “إبطال مفعول الكاميرات هو واجب وطني، كونه يهدف إلى حماية حاضر الشباب ومستقبلهم، كما أن ذلك سينقذنا كمدينة من الوقوع في فخ التعامل البريء مع مشاريع وزارة الأمن الداخلي وأذرعها الأمنية”.
وأضاف حداد في بيانه أن: “العنف لا يجتث بكاميرات مراقبة متناثرة هنا وهناك، بل عبر توعية اجتماعية تُخططها وتديرها دار البلدية والجمعيات، عبر تقوية النشاطات غير المنهجية”، مشيراً إلى أنه: “هنا تكمن المشكلة والحل في الآن نفسه، غياب نظرة تربوية شاملة يعني العودة إلى العنف بكل مشتقاته، وتطوير العمل الاجتماعي ودعم النشاطات غير المنهجية يعني الحد من العنف كظاهرة وسلوك فردي”.
ويشار إلى أن الاعتقالات طالت أيضاً الصحفيين، فالمصور جوزيف نويصري الذي يعمل في موقع “عرب48”، ما زال معتقلاً حتى اليوم، وستقدم ضده لائحة اتهام بتهمة الاعتداء على شرطي، مع العلم أن نويصري كان يقوم بعمله كمصور.
عائدون إلى الحكم العسكري في إسرائيل؟
وفي تعليق على ممارسات الشرطة الإسرائيلية، كتب المحامي فادي خوري من مركز عدالة، رسالة قصيرة قال فيها: “خلال الأسبوع المنصرم مددت المحكمة اعتقال 9 شبّان من تل السبع بتهمة قذف الحجارة، أكثر ما لفت الانتباه في ذلك، أن التمديد اعتمد بالأساس على الأوامر المنيّة التي أصدرها القائد العسكري في الضفة، وعلى وجه السرعة قدّمت استئنافاً للمحكمة المركزيّة في بئر السبع، وكنت متأكداً من أن القاضي سيطلق سراح المعتقلين ويوبّخ الشرطة على استخادمها أوامر عسكريّة بالتعامل مع المواطنين”.
وأضاف خوري: “أخطأت. القاضي في المحكمة لم يحرّك ساكناً أمام هذه المعلومات الخطيرة، لم يعط أي ملاحظة للشرطة بوجود خلل جوهري في عملهم. لم يفكر القاضي للحظة بأن من يقفون أمامه مواطنين يجب أن يحاكموا بموجب القانون المدني لا العسكري”.
وخلص إلى القول: “في هذه الأيّام، لدى الشرطة الإسرائيلية ضوء أخضر من الجهاز القضائيّ، تستخدم ضد المواطنين الفلسطينيين في الداخل أوامر وممارسات عسكريّة لقمع الاحتجاج. الحبس الاستباقي، أوامر عسكريّة، مستعربين، خرق قانون القُصَّر خلال اعتقال الأطفال، منع لقاء المحامي، وغيرها من الأمور... هل تذكركم بشيء ما؟”