الحدث العربي والدولي
بعد مرور حوالي أربعة أيام على العاصفة دانيال التي ضربت شرق ليبيا مساء الأحد، مازال الارتباك يسيطر على الحكومتين في ليبيا؛ حيث يبدو مراسلو وكالات الأنباء العالمية، مثل الفرنسية ورويترز، أكثر قربا إلى الكارثة التي حلت بمدينة درنة من المسؤولين في الحكومتين.
وباتت تقارير وكالات الأنباء منفذ العالم للاطلاع على ما يجري في المدينة المنكوبة. وفي حين اختارت حكومة أسامة حماد الموازية الصمت، باستثناء بعض التصريحات المتفرقة التي أدلى بها مسؤولون في حكومته وتنقلها وكالات الأنباء أيضا، اقتصرت منصة حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة على نقل أخبار المساعدات والتحركات التي تقوم بها المنطقة الغربية للمساهمة في جهود الإنقاذ.
ورغم ربط البعض غياب المعلومات الدقيقة عن المدينة لدى الحكومتين بانقطاع الطرقات، سلّط وصول مراسلي ومصوري وكالات الأنباء إلى المدينة الضوء على ارتباك الحكومتين.
ونجحت وكالات الأنباء في نقل صورة أوضح خاصة إلى غير الليبيين، وإبراز حجم الكارثة والدمار اللذين تعرضت لهما المدينة التي بقيت يومين أو أكثر معزولة عن العالم، باستثناء تصريحات عامة أدلى بها رئيس الحكومة الموازية عن الخسائر البشرية الفادحة مساء الإثنين.
وما يسلط الضوء أكثر على حجم الارتباك هو تضارب تصريحات الناطق باسم وزارة الداخلية التابعة للحكومة الموازية طارق الخراز؛ فقد تحدث الثلاثاء عن 5200 قتيل، بينما قال الأربعاء إن عدد القتلى الذين تم إحصاؤهم هو 3800 قتيل.
وقال الخراز إن سلطات الشرق الليبي أحصت إلى حد الآن مقتل 3840 شخصا تمّ دفن 3190 منهم، مشيرا إلى أن من بين الضحايا 400 أجنبي على الأقل غالبيتهم من السودانيين والمصريين.
ويبدو أن المسؤولين في الشرق فضلوا التواري حاليا بعد أن اتضح أن السبب الرئيسي للكارثة هو انهيار سدّيْ درنة، خوفًا من الانتقادات والمحاسبة، وخاصة الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر الذي تزايد تدخله في الشؤون المدنية لاسيما في ما يتعلق بإنجاز المشاريع التنموية بعد هزيمة طرابلس والحكومة الموازية التابعة له، في حين يخشى الدبيبة أن تنعكس ارتدادات الكارثة على مستقبل حكومته المهددة أصلا منذ أشهر بالاستبدال، لذلك حرص على التحرك بإعلان صرف ملياري دينار (حوالي 450 مليون دولار) وإرسال فرق إنقاذ ومساعدات.
ومنذ وصوله إلى السلطة في 2021 منع الدبيبة من زيارة الشرق، في رسالة مفادها أن المنطقة الواقعة تحت سيطرة الجيش خارج نطاق حكمه.
ومع اتضاح الصورة وحجم الدمار الكبير الذي لحق بالمدينة تزايدت التكهنات بشأن أسباب الكارثة وتراوحت الآراء بين من ربطها بسوء التصرف وعدم اتخاذ إجراءات استباقية ومن أرجعها إلى الفساد وتجاهل دعوات الخبراء الملحة لصيانة السدود.
وتزايد الغضب الشعبي وتعالت الأصوات الداعية إلى تحديد المسؤولين عن التلكؤ في صيانة السدين المنهارين، خاصة إثر تداول ناشطين تقريرا نشر في جامعة سبها للعلوم البحتة والتطبيقية يحذر من خطورة عدم صيانة سد وادي درنة الكبير، وهو ما يبرز تجاهل المسؤولين لمشاكل البلاد وانشغالهم بالصراعات السياسية وخدمة مصالحهم الخاصة.
وكتب عبدالونيس عاشور الخبير في علوم المياه من جامعة عمر المختار الليبية “إذا حدث فيضان ضخم فستكون النتيجة كارثية على سكان الوادي والمدينة”.
وزادت حدة الغضب عقب انتشار تقرير لديوان المحاسبة لسنة 2021 بشأن تقاعس الحكومة عن اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال بعض المشاريع المتوقفة وكان من بينها صيانة وإعادة تأهيل سديْ درنة ورصدت لهما ميزانية بأكثر من مليوني دولار.
كما أشار تقرير ديوان المحاسبة إلى تقاعس وزارة الموارد المائية عن قفل اعتمادات منتهية الصلاحية عن عامي 2012 – 2013 ولم تجر عليها أي حركة بمصرف الواحة، حيث يتم ترحيل رصيد الاهتمام من سنة إلى أخرى، من بينها اعتمادات لصيانة سديْ درنة.
وقال أحد الليبيين على مواقع التواصل الاجتماعي “ابحثوا عن هذه الأموال أين صرفت والشركات التي وقعت العقود واستلمت الدفعات المالية ولم تنفذ المشاريع، ستعرفون المسؤولين عن هذه الكارثة ويجب أن تتم محاسبتهم إداريا وجنائيا”.
وشدد المحلل السياسي الليبي محمد بويصير على ضرورة التحقيق. وأضاف “لا بد من التحقيق، ملايين الدولارات أنفقت على صيانة وهمية لسديْ درنة”.
ولا تتوقف الخلافات على عائدات النفط في البلاد بين السلطات في المنطقتين الشرقية والغربية. ويتهم الشرق باستمرار الحكومات في طرابلس بتهميش إقليم برقة (اسم المنطقة الشرقية) لصالح طرابلس، وهو ما تنفيه الحكومات في الغرب وتلمّح إلى الفساد في المنطقة الشرقية.