الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المفاوض السعودي بعد ثلاثين عاماً على أوسلو/ بقلم: زياد البرغوثي

2023-09-25 08:57:21 AM
المفاوض السعودي بعد ثلاثين عاماً على أوسلو/ بقلم: زياد البرغوثي
زياد البرغوثي

 ثلاثون عاماً كانت كفيلة بإعادة تأهيل معظم القيادات والفصائل الفلسطينية، تحول فيها الصراع إلى صراع على الامتيازات بعد أن ضَّل المشروع الوطني طريقه وضاع بين الخطابات والانقسامات التي استنزفت كل مفردات الإدانة والتخوين والمزايدات، مشروع ضاعت هويته بين وهم الدولة والمناصب، واجتماعات التنسيق الأمني ومؤتمرات مكافحة الإرهاب على الطريقة الأمريكية.

 ثلاثون عاماً كانت كفيلة بتحويل المشروع الوطني إلى مشروع استثماري تعتاش عليه حركات التحرير والفصائل والأحزاب الفلسطينية، كانت حصة الأسد فيه من نصيب حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) والتي ارتبط اسمها بمشروع السلطة الوطنية وتحملت بذلك كل الانتكاسات التي مُنيَ بها المشروع الوطني وكل المُبيقات التي اقترفها رموزها من رجالات السلطة الوطنية، وقد دفعت الثمن من شعبيتها والتفاف الجماهير حولها، ومن سيطرتها على المؤسسات والاتحادات الطلابية والمهنية.

 اليوم وبعد ثلاثين عاما من فشل مشروع السلام أو مشروع التحرير باستثناء بعض ظواهر وجيوب المقاومة (بتسميات مختلفة) المنتشرة في أماكن مُختَرقة أمنياً يجعل من استمراريتها أمرا شبه مستحيل، وهذا يقودنا إلى الاعتراف بأن المشروع الوطني قد أُطبِقَ عليه الحصار بأيادٍ فلسطينية وعربية وإسرائيلية وأمريكية، وأصبح يحتضر تحت جرعات من الهِبات المالية والمقاصات الشهرية، استعداداً لمرحلة ومشاريع جديدة في قادم الأيام بدأت ملامحها تتسرب من بين السطور.

كثُرَ الحديث والتسريبات في هذه الأيام عن مشروع أمريكي لتطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية خلال عام، واعتقادي أن السعودية ورجلها القوي الأمير محمد بن سلمان قادر على أن يلعب الدور الأهم في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الحديث لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد ما وصلنا إليه وأشرت إليه في المقدمة.

 الأمير الشاب ولي العهد ورجل السعودية القوي بدأ منذ فترة بإعادة تشكيل المملكة السعودية باتخاذ خطوات سريعة يسابق فيها الزمن من أجل تهيئة السعودية لأخذ موقع القيادة والصدارة في العالم العربي والإسلامي، ووضعها في مصاف الدول الكبرى الأكثر تأثيراً في العالم الجديد.

 أولى هذه الخطوات إخراجها من نفق الوهابية والحروب الهمجية، خطوة أكسبته شعبية متزايدة بين جيل الشباب السعودي، تبعتها خطوات جريئة في محاربة الفساد، ومشاريع تنمية ونهضة في كل القطاعات وعلى كل أراضي المملكة السعودية، بما في ذلك تأمين الجبهة الشرقية بعد عملية التطبيع المتسارعة مع إيران تمهيداً لإنهاء الصراع السني الشيعي وإخماد الفتن المذهبية، وتعاون اقتصادي وتنسيق الخطوات الاستراتيجية مع الصين وروسيا، وتحالف تاريخي استراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية.

 بعد كل ذلك ماذا تحتاج السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟، لأول مرة ستجد إسرائيل نفسها أمام زعيم شاب عربي طموح يملك الموارد والإمكانيات، لا يحتاج إلى مباركة إسرائيلية من أجل الحصول على أموال الدول المانحة، أو إرسال وفود الطواقم الفنية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أو فتح أبواب البيت الأبيض.

 كل ما يريده الأمير الشاب الدخول إلى نادي الكبار بالحصول على المفاعل النووي للأغراض السلمية، وإطلاق يده في ترتيبات جديدة في منطقة الخليج العربي تضمن موقع الصدارة للمملكة..

 حل واقعي للقضية الفلسطينية بدأت بشائره مع تعيين سفير للملكة السعودية لدى السلطة الوطنية الفلسطينية للبدء بزيارات مكوكية إلى مناطق السلطة لفحص التوجهات والاحتياجات، وهذا ما أكده وزير الخارجية الأمريكي بأن القضية الفلسطينية لها أهمية خاصة في مبادرة التطبيع بين السعودية وإسرائيل..

 أعتقد أن السعودية ستعمل للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية وحصولها على عضوية في الأمم المتحدة يسبقها التوصل إلى اتفاق مع الأردن والسلطة الفلسطينية على صيغة معينة أمنية وسياسية ومدنية تمهيداً للبدء بتطبيق مرحلة جديدة من السلام مبني على التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة لضمان أمنها واستقرارها.. 

ستقوم السعودية بالتنسيق مع المملكة الأردنية (والتي تضم أكثر من نصف السكان من أصول فلسطينية) بصفتها الطرف والشريك الأهم في نجاح الحل بصيغته الجديدة..

 فلسطينيا.. يعيش اليوم ما يقارب المليون فلسطيني على رواتب السلطة الوطنية التي بنت استراتيجيتها على العلاقة الاقتصادية مع الاحتلال وعلى الخطابات في الجامعة العربية والمحافل الدولية، وما يقارب من مليوني فلسطيني يعيشون على سوق العمل في دولة الاحتلال وعلى العلاقة التجارية التي تربط القطاع الخاص مع الجانب الإسرائيلي، وقد اكتسبت رجالات ورموز عديدة المال والجاه واستمدت قوتها نتيجة لهذه العلاقات الاقتصادية وارتباط مصالحها مع الجانب الإسرائيلي، بالإضافة إلى عشرات الآلاف التي تعتاش على منحة ومشاريع السلام القَطرية..

 أعتقد أن الرئيس أبو مازن بعد ثلاثين عاما من المفاوضات يُدرك تماماً ضمن موازين القوى وحالة الانهيار العربية استحالة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة التي تُجسد الحلم التاريخي للشعب الفلسطيني، وهو اليوم الأقدر على التعاون في إيجاد حل واقعي يضمن لأبناء الشعب الفلسطيني العيش بكرامة ويخفف عنهم المعاناة وجبروت الاحتلال وغطرسة المستوطنين.. وعليه سيقوم الرئيس أبو مازن بكامل إرادته بالترتيب مع ولي العهد السعودي والمعروف بجديته وقدرته على اتخاذ وتنفيذ القرارات للوصول إلى حلول واقعية، يقوم بعدها الرئيس أبو مازن بعملية بيروسترويكا في الساحة السياسية الفلسطينية والفصائلية تنطلق مع انعقاد مؤتمر حركة فتح القادم، حيث سيقوم باستبعاد أصحاب الشعارات والمزايدات، وتطعيم الحركة بشخصيات اقتصادية وأمنية، وشخصيات اعتبارية وقيادات مجتمعية قد تكون نواة لمكتب سياسي لحزب حركة التحرير الوطني الفلسطيني.. تشكيل حكومة جديدة قادرة على إدارة المشروع الجديد بكل واقعية وبإمكانيات بشرية ورعاية مالية خليجية.. المزيد من عسكرة الحالة الفلسطينية بتعيين مجموعة من شباب الأجهزة الأمنية المميزين في مواقع تنفيذية التي تتفهم خصوصية المرحلة ومعادلاتها الدولية والتزاماتها الأمنية..

 كل ما سبق سيكون جهدا سعوديا أمريكيا مشتركا، يبدأ بعد إعادة ترتيب الوضع الداخلي الإسرائيلي وخروج بن غفير من المشهد، وإعطاء طوق نجاة لنتنياهو وهو الوحيد القادر على تسويق هكذا حلول، ينتهي بتطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية..

 إن للقيادة الفلسطينية الحق بالرفض وهذا لن يثني المملكة السعودية عن السير قدماً في مفاوضات التطبيع مع الجانب الإسرائيلي، كما أن للشعب الفلسطيني أيضاً الحق في الحرية والديمقراطية والعيش الكريم..

 هذا المقال قياس للمشهد بمقياس الواقع، لواقع أصبحت خياراته محدودة إقليمياً ودولياً..