الحدث- محمد غفري
يبدو أن وقف المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية منذ أكثر من عام، لم يبعدها إطلاقاً عن الجدل المستمر حول جدواها وفرص إحراز تقدم بالعملية السلمية من خلالها، وهو ما تصر عليه دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا من أجل العودة إليها.
وفي الوقت الذي يقوم به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو بتعيين نائبه ووزير الداخلية سيلفان شالوم مسؤول عن ملف المفاوضات الجديد مع الفلسطينيين، كما جرت العادة بتعيين مسؤول جديد لهذا الملف بشكل دوري، يبقى الوفد الفلسطيني المفاوض نفسه بأسمائه المعروفة للجميع منذ انطلاق العملية التفاوضية، وبالرغم من إعلان صائب عريقات لمرات مختلفة استقالته من المنصب، إلا أنه عاد وصرح بالأمس لإذاعة صوت فلسطين، "أنا كرئيس للوفد الفلسطيني المفاوض...".
وفي هذا السياق، اعتبر المحلل السياسي هاني المصري، أن الحفاظ على نفس الأسماء التي تقود المفاوضات،هي من الأخطاء والثغرات الكبيرة في النظام السياسي الفلسطيني، لأن الأصل في المفاوضات أن يتم تغيير الطاقم المفاوض بشكل دائم.
وبرر المصري في حوار خاص مع "الحدث"، أن الطرف الخصم تصبح لديه كل نقاط القوة والضعف والتفاصيل حول الوفد المفاوض، وبالتالي يستطيع أن يؤثر عليه ويعرف تصرفاته وردود فعله، وبالتالي حتى لو كان المفاوض يقوم بعمله على أكمل وجه، فإن تبديل وتغيير طاقم التفاوض بشكل دائم يعتبر أمراً هاماً في كل الأحوال.
وأكد أن الوفد المفاوض لا يتحمل مسؤولية فشل العملية التفاوضية وحده، لأنه ليس صاحب القرار الأول والأخير فيها، لكنه جزء من القيادة الفلسطينية، التي لا تتغير بشكل عام، مضيفاً أن ذلك "ما يبرهن لماذا نحن في وضع سيء وغير قادرين على الاستفادة من تجاربنا السابقة، لذلك يجب استنتاج الدروس والعبر، وضخ دماء جديدة وابداعات جديدة، ومراجعة الأسلوب التفاوضي والهدف التفاوضي، في هذه العملية المتوقفة أصلا، والتي فشلت فشلاً ذريعاً".
وبرهن المصري الذي يدير أيضا المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية - مسارات، أن فشل المفاوضات أدى إلى تقديم العديد من التنازلات، مستشهداً بمثالين من أمثلة كثيرة لديه، أولها هو الموافقة على مبدأ تبادل الأراضي في المفاوضات، وهو ما يعطي شرعية للاستيطان ولتحصين القدس الشرقية، لذلك تستمر إسرائيل في الاستيطان وتقول أن المفاوض الفلسطيني وافق على تبادل الأراضي، وهذه المستوطنات سنقوم بضمها.
أما التنازل الثاني، هو الموافقة على "حل عادل لقضية اللاجئين"، الأمر الذي يعني وضع قضية اللاجئين في يد إسرائيل، وحتى أن إسرائيل ترفض هذا النص، وتطالب باسقاطه من عملية المفاوضات.
من جهته، لا يعتقد المحلل السياسي عبد المجيد سويلم أن تغيير الوفد المفاوض أمر سلبي أو إيجابي لصالح أي طرف من أطراف التفاوض الفلسطيني- الإسرائيلي، ولو تم تغيير الوفد المفاوض، لن تتغير طبيعة المفاوضات ولا النهج الثابت لها على أي طرف، معتبراً خبرة الوفد الفلسطيني ليست سيئة.
وأوضح سويلم لـ"الحدث"، أنه لا يوجد ما يعيب أن يبقى رئيس طاقم المفاوضات الفلسطيني بشكل دائم بسبب تراكم الخبرة لديه، في ذات الوقت التغيير يجب أن يكون في العملية التفاوضية والطواقم التي تعمل في القاعدة ويحدث فيها تجديد.
وأضاف سويلم أن ما يتغير في إسرائيل ليس طواقم المفاوضات وإنما رئيس الوفد، ورئيس الوفد سبب تغييره في إسرائيل هو سبب سياسي بسبب طبيعة الانتخابات وتداول السلطة.
وبالحديث عن السياسة التفاوضية في إسرائيل، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية أنطوان شلحت، أن ما يتغير في إسرائيل هو الوجوه والأسماء فقط، لأن ما تريده إسرائيل من المفاوضات محدد بشكل مسبق، وهو عدم التوصل إلى تسوية وفق الشروط الفلسطينية.
وأكد شلحت خلال اتصال هاتفي مع "الحدث"، أن سيلفان شالوم سيكون مسؤولا في الظاهر أمام الحكومة الإسرائيلية، ولكن المسؤول الحقيقي عن المفاوضات هو المبعوث الخاص لرئيس الحكومة، وهو ما حدث في حكومة نتنياهو الثانية والثالثة وأيضا ما يحدث في حكومته الرابعة.
وعن رأيه من جدوى ثبات أو تغيير الطواقم التفاوضية الفلسطينية، بين شلحت أنه لا توجد أي مشكلة في بقاء طاقم المفاوضات ثابت، لأن وفد طاقم المفاوضات الفلسطيني أصر على الثوابت الفلسطينية وشروط التسوية الدائمة، ولم يقدم أي تنازلات ولو على الأقل بمستوى التوقيع على اتفاقيات، والجانب الإسرائيلي هو الرافض لتقديم كل المستحقات التي تأدي إلى حدوث تسوية سياسية، بحسب رأيه.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كلف يوم الاثنين الماضي، نائبه ووزير الداخلية سيلفان شالوم، بملف المفاوضات مع الفلسطينيين، خلفاً لوزيرة العدل في الحكومة السابقة تسيبي ليفني، القيادية في حزب "المعسكر الصهيوني" المعارض.
وقال الخبير السياسي نبيل عمرو، إن نتنياهو يسعى إلى تقديم رسالة تضليلية للعالم عبر تعيين شالوم مسؤولا عن ملف المفاوضات، حتى ينفي ما يقال عنه كرجل معادي للسلام، وحكومته تضر بالسلام، ويريد أن يقدم رسالة مظهرية بتعيين أحد أقطاب الحكومة للقيام بهذه المهمة.
وأشار عمرو لـ"الحدث"، إلى أن هذا الأمر لا يؤدي إلى الاقتناع أن نتنياهو يريد السلام، لأن السلام قرار سياسي قبل أن يكون قرار تفاوضي، وإسرائيل لم تتخذ هذا القرار بعد.
وأضاف عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير عمرو، أن نتنياهو لن يعيد لفني إلى ملف المفاوضات بعد الصراع الطويل الذي جرى خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، ويريد أن يمسك الملف بالمطلق من خلال حزب الليكود، وبتعيين شالوم لن يعطي من هو خارج الحكومة أي مسؤولية عن هذا الملف.
وتوقفت المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية في مارس/ آذار 2014، دون أن تلوح في الأفق أية إمكانية لاستئنافها، بسبب رهن القيادة الفلسطينية استئنافها بالوقف التام للاستيطان وإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى.
ويستبعد مراقبون أن توقف الحكومة الإسرائيلية الحالية الاستيطان في الضفة الغربية وتحديداً في القدس، في الوقت الذي ما زال نتنياهو يرفض فيه قبول حدود 1967 أساساً لحل الدولتين.