الحدث الفلسطيني
أصدر معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) ملخص سياساتي يحتوي على عدد من المقترحات الخاصة بنتائج الحوار المجتمعي حول موضوع الضمان الاجتماعي، حيث يولي المعهد أهمية خاصة لهذا الموضوع الهام كونه يطال غالبية أفراد المجتمع الفلسطيني. لذلك أهتم في إبراز هذه الاهمية من خلال البدء بعمل دراسات ولقاءات طاولة مستديرة، ومنتديات حول موضوع الضمان الاجتماعي، حيث عمل على اصدار دراسة عام 2016 حول "خيارات أنظمة الضمان الاجتماعي" وتبعها ورشات عمل وأوراق طاولة مستديرة، كما استضاف المعهد استجابة لآثار جائحة كوفيد "منتدى الحماية الاجتماعية الشاملة" في 2020-2021، بهدف تشجيع المضي قدماً نحو التوافق المجتمعي حول قانون الضمان الاجتماعي في ظل استمرار غياب المجلس التشريعي الفلسطيني. واصل المعهد في تقديم خدماته العلمية والتشاركية من خلال استضافة "الملتقى الحواري المجتمعي حول الضمان الاجتماعي" عام 2023 بالتعاون مع أطراف الإنتاج الثلاثة.
مع نهاية العام 2022 أعدت وزارة العمل بالتعاون مع منظمة العمل الدولية ومجموعة من الخبراء مسودة قانون ضمان اجتماعي، شملت هذه المسودة حوالي 40 تعديل مستندة الى ملاحظات سابقة من الحراكيين والى دراسة مالية اكتوارية محدثة، والى العديد من اللقاءات الفنية التشاورية مع الأطراف المعنية. انطلاقا من قناعة المعهد بأهمية توفير منصات ومساحات بديلة حرة وجدية، والاسترشاد بأراء الخبراء والأكاديميين، وممثلي أطراف الإنتاج الثلاثة (المشغلون، والعمال، والحكومة) ودوره كحلقة وصل بين البحث الأكاديمي والسياسات العامة وكمنبر للنقاش العام حول قضايا السياسات الاقتصادية، سعى المعهد دائماً بالتعاون مع كافة الأطراف الى المساهمة في الوصول الى قانون متوافق عليه.
تتوافق رؤية المعهد مع أطراف عديدة وخبراء حول ضرورة المضي قدماً في إقرار قانون الضمان الاجتماعي، واعطاء الفرصة لكافة الأطراف لإبداء ملاحظاتهم واخذها في عين الاعتبار عند وضع التعديلات الإضافية، من منطق الحرص والقناعة بان هذا القانون يعتبر الدعامة الرئيسية في منظومة الحماية الاجتماعية الفلسطينية وفي بناء نظام اجتماعي اقتصادي يخدم الفئات الاجتماعية المهمشة وينظم سوق العمل.
تابع ماس كافة جلسات الحوار المجتمعي التي امتدت على مدار ثلاثة شهور وفي مختلف المحافظات الفلسطينية. إلى جانب هذا الدور أخذ المعهد على عاتقه تدوين كافة الملاحظات والتعديلات التي طرحت من قبل المشاركين في الحوار وأيضاً في منصات التواصل الاجتماعي، ورفد هذه الملاحظات لأطراف الإنتاج الثلاثة. كان لهذه المبادرة الحوارية آثار إيجابية في دفع عدد من الأطراف المجتمعية المدنية في اصدار تقارير وإصدار البيانات التي تحدد مواقفها من المسودة المعدلة، في حوار مفتوح وحر تم التعبير عن طيف واسع من المواقف المؤيدة والمعارضة، بعضها ضد أو مع مبدأ النظام نفسه، بعضها ضد أو مع الصيغة الحالة للقانون، بعضها من منطلقات سياسية عقائدية، وبعضها من منطلقات فنية او قانونية محقة.
عليه يرى المعهد ومن خلال قرائته لما خرجت به الحوارات المجتمعية المختلفة أن هناك عدد من المقترحات التي يجب أخذها بعين الاعتبار لتساهم في خلق قانون ضمان اجتماعي متوازن، عادل، وشامل يلبي احتياجات الفئات الاجتماعية المختلفة، وقابل للتطبيق. وهنا نورد مقترحات ماس لجسر الفجوات بين المواقف حول اخراج قانون ضمان اجتماعي يلبي احتياجات كافة الأطراف.
أولاً: الثقة بالنظام السياسي واستقلالية المؤسسة
هناك ضرورة لايجاد مواد وآليات خاصة تضمن عدم تغيير قانون الضمان بموجب قرار بقانون لاحق، لأي سبب كان ويجري فيه تعديلات أساسية على ما سيتم الاتفاق عليه، إلى أن يتناول المجلس التشريعي المنتخب اعتماد القانون أو تعديله يقترح المعهد في ظل غياب المجلس التشريعي المنتخب أن يكون هناك أحقية للمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في النظر الى مسودة القانون الى جانب الدور في ذلك المنوط لمجلس الوزراء، لتحقيق أوسع دائرة من الاجماع السياسي المطلوب لاعتماده من قبل الرئيس بصفته اعلى هيئة تشريعية فلسطينية في الظرف الراهن. أخيراً فيما يتعلق بالضامن للضمان وكون تجميع أموال العمال في مؤسسة واحدة أمر خطر يسهل الوصول إلى هذه الأموال أو السيطرة عليها من قبل الاحتلال، لذلك لا بد من البحث عن آليات دولية مالية متعددة الأطراف لتحصين المؤسسة وحماية أموالها من مثل هذه المخاطر.
ثانياً: حوكمة المؤسسة والحفاظ على أموال المشتركين من مختلف المخاطر المحتملة
تشير نتائج اللقاءات بعدم ضرورة تمثيل الحكومة بـ 5 مقاعد في مجلس الإدارة لتضمن مصالحها، وذلك أن وزير العمل يمثل الحكومة، بل يمثل الدولة (الضامن للصندوق بحسب نص القانون) وترأسه للادارة يعتبر تمثيلا كافيا للحكومة، خاصة وان حصتها في المساهمة في الصندوق قليلة جدا مقارنة بمساهمات أصحاب العمل والعاملين.
اما فيما يتعلق بتضارب المصالح والمواقع الرسمية، من المفضل الا يتبوأ ممثلوا العمال والقطاع الخاص أي منصب رسمي او قيادي في الاتحادات النقابية أو المؤسسات التمثيلية للقطاع الخاص، بل ان يكونوا من الشخصيات الاعتبارية الموثوقة بهم وذات خبرة بوضع المجتمع الفلسطيني وقضايا الضمان الاجتماعي، ومن أصحاب المعرفة بأنظمة الضمان الاجتماعي وحقوق العمال، ويمثلوا مصالح كل من العمال وأصحاب العمل. يتم ذلك من خلال انتخاب ممثلين من قبل مجموع الاتحادات العمالية 5 أعضاء وتمثيل 5 أعضاء من مختلف مؤسسات المجلس التنسيقي للقطاع الخاص، وأن يقوم رئيس المجلس بتعيين 3 أعضاء من الخبراء الاقتصاديين والماليين، في حين يتم تمثيل نقابة المحامين بعضو في المجلس وبهذا يكون عدد أعضاء المجلس 15 عضو بما فيهم رئيس المجلس.
ثالثاً: ضمان اجتماعي عادل وشامل لا ضمان نخبوي يخلق تمييز بين العاملين
يجب أن يتضمن نص القانون إشارة صريحة للمرجعيات الدستورية التي يعتمد عليها والتي تنص على المساواة والعدالة الاجتماعية مثل وثيقة الاستقلال والقانون الأساسي، وكذلك لا بد من إعادة الاعتبار لعمال المياومة والعاملون/ات في القطاعات المهمشة لمن ليس لديهم عقود عمل أو يتقاضون أقل من الحد الأدنى للأجور، وإعداد "خارطة طريق خمسية" لدمج الفئات المستضعفة تدريجاً في النظام، وإدخال المنشئات الأصغر ومتناهية الصغر في النظام خلال أول 5 سنوات من تطبيق النظام على القسم الرسمي للاقتصاد، ووضع بنود مشجعة للجمعيات نظرا لأن أوضاعها المالية قد لا تسمح لها بالانضمام.
رابعاً: المنافع التي يقدمها نظام الضمان الاجتماعي
يرى المعهد ضرورة احتساب راتب التقاعد على معدل الأجر في آخر ثلاث سنوات وليس طيلة فترة عمل المشترك. حيث ينخفض راتب التقاعد بنسبة 28% إذا تم اعتماد راتب التقاعد بناء على طوال سنوات فترة عمل المشترك. كذلك يجب ألا يقل راتب التقاعد (أو تأمين البطالة اذا احفظ به) أو غيرها من المنافع عن الحد الأدنى للأجور بأي شكل، حيث أن الحد الأدنى أقل من خط الفقر وبالتالي أن يقل راتب التقاعد عنه يعني أن هذا الراتب لا يضمن الحد الأدنى للحياة الكريمة للمشترك في الضمان. كذلك يقترح ماس اعادة النظر في الملاحظات المرتبطة بالبطالة ونهاية الخدمة ونسب مساهمة القطاع الخاص ونسبة مساهمة الحكومة في البطالة لتكون 3% بدلا من 1%، وكذلك الية احتساب الراتب.
من جهة ثانية، يرى المعهد ان النظام يتميز بمنحه تأمين للبطالة وهذا حق أساسي في الدول المتقدمة اقتصاديا ومنظمة جيداً، فأنه من ناحية اقتصادية هناك تساؤلات حول أمكانية تطبيق مثل هذا التأمين في السياق الفلسطيني، خاصة حيث تسود مستويات بطالة فعلية لا يمكن لأي نظام التأمين ضده، أي ان البطالة الفلسطينية بنيوية وغير خاضعة للسياسات العادية لإدارة سوق العمل، التي نعرف كيف باتت مشوهة ومجزئة بفضل الاحتلال. يمكن بالتالي التفكير بتأجيل دمج هذه المنفعة الى مرحلة لاحقة في بناء النظام، الذي يوصي المعهد بالتدرج فيما يمكن من عملية تطبيقه وحصانته وتوسيع منافعه تدريجيا كسباً للخبرة والثقة في النظام.
خامساً: التسويات
فيما يتعلق بمصير أتعاب العمال الفلسطينيين في إسرائيل يجب أن يكون هناك توضيح لموقف المؤسسة وكيف سيتم تحصيلها لهم وضمن أي أجال وما هو دورهم في ذلك، حتى لا يكون هنالك إشاعات أو تلاعب في هؤلاء العمال، بحيث يتم تخصيص لجنة خاصة لادارة هذا الموضوع يمثل أغلبيتها العمال، ويمكن الاستعانة بأشخاص فنيين من خارج مجلس الادارة في هذه اللجنة.
سادساً: الاستثمار والتأثير على الاقتصاد
يقترح المعهد أن يكون هناك خطة استثمارية واضحة قبل اطلاق المؤسسة لضمان عدم تحفظ الشركات الكبرى على نظام الضمان لأن استثماراته قد يكون فيها مزاحمة للقطاع الخاص. وتحديد نسبة للاستثمار من أصول المؤسسة في الخارج من خلال مؤسسات مالية مصرفية عالمية موثوقة، ما يضمن بشكل غير مباشر ذلك الجزء من أصول المؤسسة (ويقلل من مخاطر الاستيلاء الإسرائيلي عليها). يضيف المعهد بضرورة التأكد من أن تكون المجالات المحددة للاستثمار (بين قطاعات، بين الداخل والخارج، بين الأدوات المالية النمتاحة ذات المخاطر المنخفضة، الخ). كذلك من المهم توضيح وتفصيل الجهة المخولة باستثمار أموال المؤسسة ومؤهلات الخبراء أعضاء لجنة الاستثمار، وفقا لمعايير الممارسات الدولية الفضلى والتجارب العملية.
للاطلاع على ورقة ماس بالتفصيل: https://mas.ps/news/9294.html