السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أزمة إضرابات النقابات المهنية: دوافعها والخروج منها

2023-09-27 05:45:42 PM
أزمة إضرابات النقابات المهنية: دوافعها والخروج منها

الحدث- وليد لدادوة 

شهد العام 2022-2023 إضرابات متتالية للنقابات المهنية (المعلمون، المحامون، المهندسون، والأطباء) وهددت قطاعات أخرى بالدخول في إضرابات مثل نقابة التمريض ونقابة المهن الصحية. ادت هذه الإضرابات الى شلل في بعض القطاعات العامة وخاصة التعليم كما ادت الى خروج احتجاجات في الشوارع واعتصامات امام المؤسسات الحكومية. وما زالت محركات هذه الإضرابات قائمة بما ينذر بتفاقم الاحداث بوتيرة أكبر. فما هي دوافع هذه الإضرابات وكيف من الممكن إيقاف هذه الازمة او التقليل من حدوثها من قبل الحكومة.

تهدف هذه الورقة الى محاولة القاء الضوء على الدوافع الحقيقية خلف هذه الازمة وحدوث هذه الموجة من الإضرابات وكيف تكون سبل التقليل منها او تجنبها. 

نشوء الازمة:

على الرغم من ان الازمة المالية للسلطة وما ترتب عليه من إجراءات مالية تجاه الموظفين وفرض الضرائب وغلاء المعيشة كان سببا مهما في ظهور مثل هذه الإضرابات. الا ان ذلك لم يكن السبب الوحيد المحرك لهذه الإضرابات فالنقابات المهنية هي الجهة الأكثر تفهما وتعاونا على مدار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومنذ وجود السلطة لما تمر به السلطة من أزمات. الا ان ربط الأوضاع السائدة بسوء إدارة المال العام، والشعور بان السلطة غير جدية في النظر لما يعانيه الموظفين بسبسب الازمة وعدم ايفائها بالوعود الذي قدمتها او تم الاتفاق عليها، وفقدان الثقة بالسلطة في العديد من النواحي جعل الدافع لمثل هذه الإضرابات قويا، ومن المتوقع ان يتفاقم الامر إذا ما بقيت الأمور على حالها.

لكن للأزمة المالية محرك آخر يجب اخذه بعين الاعتبار وهو ان الحكومة الإسرائيلية تريد للسلطة الفلسطينية أن تبقى ضعيفة لكي تقوم بدور مرسوم لها في تحقيق مصالح للاحتلال، وهذا ما عبر عنه رئيس الحكومة الإسرائيلية في أكثر من لقاء حيث قال خلال اجتماع مغلق للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، وفق ما ذكرت الإذاعة العامة الإسرائيلية "كان": "لدينا مصلحة بأن تستمر السلطة الفلسطينية بالعمل. وفي النواحي التي تنجح بالعمل فيها فإنها تنفذ العمل لمصلحتنا. ولا توجد لدينا مصلحة بسقوطها"[1] يتطلب هذا الامر من الحكومة الإسرائيلية زيادة شعور السلطة بحاجتها لإسرائيل والشعور ان بقاء وجودها يعتمد بشكل رئيسي على الحماية الإسرائيلية. وبالتالي تتعمد الحكومة الإسرائيلية زرع فتيل الكراهية بين الشعب والسلطة بكل ما تستطيع حتى تفقد السلطة الثقة الجماهيرية، وبالتالي يصبح الشعب بمثابة عدو للسلطة او لبنيتها الحالية. في المقابل، توفر إسرائيل لها أسباب بقائها وحمايتها. هذا ما تماهت معه السلطة حيث أصبح هاجسها حماية وجودها كما هي عليه. فلا تريد اجراء الانتخابات، وتتفرد بسن القوانين بطريقة غير شرعية، وتتعامل بعنف في كثير من الأوقات مع الحراكات الجماهيرية.  في المقابل، بالرغم من إعلان السلطة عن وقف التنسيق الأمني  فإن اغلب الجمهور الفلسطيني يعتقد عكس ذلك. فمثلا، في الوقت الذي أعلنت فيه السلطة عن وقف التنسيق الأمني في 26-1-2023 بعد اقتحام مخيم جنين في ذلك الوقت[2]  فإن الغالبية الساحقة  (79%) من الجمهور قالت ان السلطة لم توقف التنسيق، كما أشار استطلاع للراي اجري بعد هذا الإعلان[3]، بل يرى في وسائل الإعلام إن السلطة تلاحق المقاتلين ضد الاحتلال في المناطق المختلفة[4].

انعكس هذا الامر بشكل وواضح في نظرة الجمهور تجاه السلطة حيث تشير استطلاعات الراي الى ان النسبة الأكبر من الجمهور (43%) ترى ان إجراءات إسرائيل العقابية ضد السلطة تهدف لإضعافها، وفقط 25% من الجمهور يرى ان هذه الإجراءات هدفها دفع السلطة الى الانهيار. وتقول أغلبية من 63% ان مصلحة إسرائيل تكمن في بقاء السلطة، في حين تقول نسبة من 46% ان بقاء السلطة هو من مصلحة الشعب الفلسطيني. إذا استمرت هذه الانطباعات لدى الجمهور على هذا النحو فإنها توحي بحدوث موجات من الحراكات النقابية والجماهيرية أكثر من سابقاتها ومن المرجح أنها ستجد حاضنة شعبية كبيرة مؤيدة لها ومعارضة لأية إجراءات حكومية ترفضها النقابات حتى لو كانت صائبة.

 

أسباب الإضرابات

تلعب أسباب ثلاث في الدفع نحو الإضرابات في الوظيفة العمومية ويأتي على رأسها أزمة السلطة المالية التي يفاقمها وعود لا يتم الإيفاء بها وتراجع مستمر في مدى الثقة بالحكومة، بل وبالسلطة، من قبل الموظفين وعموم الجمهور.

 

  1. الازمة المالية وإدارة المال العام

تعاني السلطة من ازمة اقتصادية[5] متراكمة حيث اعتمدت السلطة الفلسطينية منذ نشأتها على الدعم المقدم من الجهات المختلفة، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول العربية، وهو الدعم الذي تقلص مع مرور السنوات إضافة إلى الاقتطاعات المالية من الضريبة والتي تقوم بها إسرائيل منذ أكثر من ثلاث سنوات. لم تعمل السلطة على إيجاد بنية اقتصادية ذاتية لسد هذا النقص في التمويل بشكل فعال. من جهة أخرى، أدى غياب المجلس التشريعي الى غياب الشفافية والتشاركية من السياسة المعتمدة من قبل الحكومة الفلسطينية في ادارة المال العام، كما يشير تقرير للفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة.[6]

انعكست آثار الأزمة المالية بشكل مباشر على أداء السلطة في التزاماتها تجاه الموظفين في القطاعات المختلفة. الموظفون هم بالطبع الفئة التي تعتمد بشكل مباشر ورئيسي على الدخل الذي يتوفر لها من هذه الوظيفة، والذي في اغلبيته لا يكفي لسد الحاجات الأساسية لدى الموظفين. وفي الوقت الذي يطالب فيه الموظفون بتحسين رواتبهم لتتماشى مع الارتفاع في الأسعار وغلاء المعيشة، لم يتم خلال السنتين الماضيتين دفع الرواتب بشكل كامل، وتم اقتطاع 20% من الرواتب على الأقل. كما عملت السلطة على رفع الضرائب وفرض ضرائب جديدة على المواطنين مما زاد من معاناتهم وأثار بالتالي سخطهم واستياءهم. ففي تقرير حول التذمر الشعبي[7]، والمنشور على "فلسطين" اون لاين في 11 فبراير 2023، أوضح المواطن "أبو فارس" أنّ حكومة اشتية مُقصرة في حماية المواطن تجاه غلاء الأسعار المتصاعد، حيث بات المواطن لا يعرف إن كان سبب الغلاء هو نقص الكميات المتوفرة وارتفاع أسعار الشحن الدولي، أو ربما بسبب احتكار التجار والرسوم والضرائب التي تفرضها الحكومة". وأضاف "أبو فارس" لصحيفة "فلسطين" أن حكومة اشتية لنحو عام وهي تصرف رواتب موظفيها منقوصة، بدلًا من أن تزيد عليها علاوة غلاء المعيشة، كما أنها تؤخر صرف مخصصات الشؤون الاجتماعية، وذلك يزيد من حجم التحديات التي تعصف بالمواطن بالضفة".

اوجد ذلك بذور الرغبة في الاحتجاج ضد الحكومة  لتغيير الوضع. يقول عمار دويك، مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الانسان ان اغلب إضرابات النقابات كانت بدوافع نقابية بحتة لها علاقة بالأساس بالموضوع المالي ودفع الرواتب والعلاوات.[8] ويقول عمر عساف، وهو معلم سابق وناشط نقابي في أوساط المعلمين، ان الجوانب المعيشية والحياتية وظروف العمل كانت عاملا أساسيا في نشوء الإضرابات.[9]. أصبح الموظفون أكثر مراقبة لسلوك السلطة وتصرفاتها في إدارة المال العام ومظاهر الفساد والتجاوزات والمحسوبيات فيها مما اثار سخطهم بشكل أكبر.

 

  1. وعود لا يتم الالتزام بها 

لم يكن الوضع المالي للسلطة هو السبب الوحيد لدفع النقابات المختلفة لخوض الإضرابات، ولكن وعود السلطة، التي لا تفي بها في اغلب الأحيان، خلقت شعورا قويا من قبل الموظفين ان الحكومة تتلاعب بمشاعرهم ومستقبلهم وليس لديها نية حقيقية لتحسين أوضاعهم وأنها تراوغ للتنصل من اعطائهم حقوقهم التي يرون انها مشروعة. ففي تقرير[10] "حراك المعلمين في الضفة.. محاولات حكومية لزعزعة الإضراب الشامل" صادر في 15-اذار 2023، يقول المعلم مراد التلاحمة من محافظة الخليل أن "الحكومة هي المسؤولة عن تعطيل المسيرة التعليمية، ونحن مستمرون في الإضراب" وذلك احتجاجًا على عدم التزام حكومة محمد اشتية بوعدها باعتماد زيادة علاوة 15% على طبيعة العمل، وفق اتفاقها مع المعلمين في عام 2022، برعاية مؤسسات حقوقية وشخصيات أكاديمية.

كما أكد المتحدث باسم حراك المعلمين عصام دبابسة، لوكالة نبأ[11] في 22-فبراير 2023 أن إضراب المعلمين يأتي بعد عام من الاتفاق مع الحكومة وتعهدها بدفع 15% علاوة على طبيعة العمل، وإعلان رئيس الوزراء في مؤتمر صحفي عن سقف زمني بتاريخ 1/1/2023، لصرف هذه الزيادة.  وأشار إلى أن الحراك يعلم أن الحكومة تعيش وضعا ماليا صعبا بسبب الاحتلال وقرصنته للأموال، ولكن المشكلة تكمن في أنه ليس هناك ثقة بالحكومة وهناك ضعف في الشفافية لدى الحكومة في التعامل مع الشعب، فالبعض يقول أن الحكومة لديها سيولة ولكن لا تريد إعطاء المعلمين حقوقهم.

ويقول الأستاذ عمر عساف ان الوعود من السلطة شابها المماطلة والكذب. وقعت الحكومة اتفاقاً مع المعلمين وتنصلت منه، وبالتالي تبقى الوعود جوفاء. ويقول ان أداء السلطة والحكومة الحالية في حل ازمة الإضرابات هو أداء بائس، او كما يسميه البعض هو ترحيل أزمات وليس حل أزمات، ولم تستفيد وتستخلص أي عبر من الإضرابات السابقة. فنحن نواجه مثلا دورة اضرابية كل فترة على صعيد المعلمين وذلك لان الحكومة لا تعالج جذر المسألة وانما تعالج بعض الظواهر، وتعتمد على الامن من حين لآخر وعلى العقوبات الادارية او التلويح بها لكسر إرادة المعلمين.[12]  كما يرى د. عمار دويك ان السلطة تنصلت من تنفيذ اتفاقات تم التوصل اليها. ويرى ان هناك تبايناً في مواقف اقطاب السلطة من هذه الاتفاقيات، وهو ما يعطل تنفيذها، ففي حين مثلا تكون هناك رغبة لدى رئاسة الوزراء والوزراء المعنيين، مثل الصحة والتعليم، في تنفيذ الاتفاق يتنصل وزير المالية من التنفيذ، وهذا ما حصل فعلا، وبالتالي تتخلف الحكومة عن وعودها.[13]  ويقول الناشط عيسى عمرو في تعليقٍ له على الإضرابات التي شهدتها النقابات مؤخراً، في حديثٍ له لوكالة "نبأ" [14] إنّ هناك ترهلاً واضحاً في أداء القيادة السياسية والحكومة الفلسطينية: "منذ بداية هذا العام، والحكومة تؤجل وتكذب على النقابات والمواطنين، دون إعطائهم حقوقهم الأساسية التي تكفل لهم العيش بكرامة، وتقريباً معظم شرائح الشعب الفلسطيني تخوض اضراباً، وترفض السياسات الاقتصادية والسياسية والأمنية والاعتداء على القضاء". وعلى الرغم من ان الحكومة على لسان رئيسها محمد شتية وضحت الازمة المالية التي تمر بها وأنها ملتزمة بجميع الاتفاقيات التي وقعت مع النقابات كما تم الاتفاق عليه وعند توفر الأموال[15] الا ان هذه التصريحات لم تجد اذان صاغية لدى النقابات بسبب قناعتها بان السلطة لن تفي بوعودها كما تفعل دائما.

  1. فقدان الثقة في الحكومة:

يبدو ان إخفاقات السلطة في المجالات المختلفة سياسيا وقانونيا واقتصاديا قد أدى الى فقدان ثقة الجمهور بها. تشير استطلاعات الراي التي نشرها المركز الفلسطيني للبحوث منذ عام 2019، وهو الوقت الذي تولت فيه حكومة اشتية وحتى الان، الى انحدار كبير لدى الجمهور في تصوراته تجاه السلطة. فقد هبطت نسبة التفاؤل في إمكانية قدرة حكومة شتية على تحسين الوضع الاقتصادي من 34% عام 2020 الى 16% في عام 2023، وهبط التفاؤل في قدرتها على اجراء انتخابات او توحيد الضفة وغزة بنسب متماثلة[16]
كما بينت الاستطلاعات عدة أمور تشير الى تنامي فقدان الثقة في السلطة فقد أشار استطلاع للمركز الفلسطيني أن تقييم الجمهور للأوضاع الداخلية تشير للمزيد من التراجع في مكانة السلطة بين الجمهور الفلسطيني حيث ترتفع نسبة الاعتقاد بأن هذه السلطة قد أصبحت عبئاً على الشعب الفلسطيني. تقول الأغلبية أنها تريد حل السلطة، وترى في انهيارها مصلحة للشعب الفلسطيني كما ذكرنا سابقا.

كما يبرز التراجع في مكانة السلطة بوجود تأييد يبلغ حوالي 70% لإضراب المعلمين في الضفة الغربية وفي نسبة تبلغ حوالي 80% أو أكثر تعتقد أن الحكومة الراهنة ستفشل في إجراء الانتخابات وفي تحقيق المصالحة وفي تحسن الأوضاع الاقتصادية. كما ينعكس فقدان الثقة بالحكومة والسلطة في رفض الغالبية العظمى لفرض ضريبة شيكل واحد على فاتورة الاتصالات لمساندة سكان القدس، وتقول نسبة تبلغ حوالي 80% أن هذه الأموال لن تذهب فعلاً لسكان القدس".[17] كما ان 84% يعتقدون بوجود فساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية.

يقول عمار دويك ان فقدان الثقة في الحكومة يشكل عائقا امام أي اتفاق للحل او الحد من حدوث الإضرابات، فالسلطة تدفع ثمن ادارتها السيئة وغياب الشفافية في إدارة المال العام، ففي اوج ازمة اضراب المعلمين مثلا يقول اغلبهم ان هذه الازمة المالية مختلقة، ففي الوقت التي تدعي فيه السلطة عدم وجود أموال، تقوم السلطة بدفع الأموال للسفيرة الفلانية لتغطية كافة مصاريف أولادها في المدارس الخاصة، ويقوم الرئيس بتعيين مدراء عامين وسفراء وغيره. وعليه فلو ان السلطة كانت صادقة تماما في أزمتها المالية فان النقابات لن تصدقها في ذلك وهذا ما يفاقم الازمة.[18]

ادت هذه العوامل مجتمعة الى موجة من الإضرابات التي كادت ان تشل الحياة في مختلف النواحي التعليمية والصحية والقانونية وغيرها، فقد دخلت في الإضرابات كل من نقابة المحامين ونقابة المهندسين ونقابة الإسعاف والطوارئ ونقابة النقل ونقابة الأطباء وحراك المعلمين الموحد ونقابة التمريض.[19]

سبل الخروج من الازمة

يمكن للسلطة الفلسطينية التخفيف من حدة أزمة الإضرابات وتأثيراتها السلبية على المجتمع والاقتصاد الفلسطينيين من خلال معالجة المسببات الثلاث التي استعرضناها:

  1. الازمة المالية:

لا شك ان الازمة المالية للسلطة، والعجز المالي عن دفع مستحقات الموظفين، وتحقيق المطالب لدى النقابات بتحسين ظروف عملهم والايفاء بمستحقاتهم، هو أحد الأسباب الرئيسية للأزمة. وعلى الرغم من ان السلطة، ممثله بوزارة المالية ورئيس الوزراء وغيرهما، قد صرحوا بوجود هذه الازمة الا ان ذلك لم يجد اذانا صاغية لدى الموظفين والنقابات لأسباب مختلفة تحدثنا عنها سابقا كمسببات للازمة. وعليه لابد للسلطة ان تقوم بعدة إجراءات حتى تخلق لدى الموظفين قبولا بخطابها عن العجز المالي وهي:

الشفافية في ادرة المال العام: يبدو واضحاً ان هناك اجماعاً من كل من المواطنين والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني على أن هناك ضعفاً في الشفافية لدى السلطة من حيث اطلاع الجهات المختلفة على طريقة ادارتها للمال العام، مما يثير الشكوك والريبة لدى المواطنين والنقابات وغيرهم حول ذلك، وهو ما يجعل أي طرح للسلطة حول العجز المالي ليس محل تصديق. وعليه يجب على السلطة العمل بشكل جدي على اظهار هذه الشفافية في إدارة المال العام واطلاع الجمهور عليها بكافة الوسائل الممكنة من حيث التقارير والنشرات المتعلقة بالموازنة بحيث تضمن وصولها لكافة الجهات المعنية. يقول عمار دويك " يجب ان تظهر السلطة للناس شفافية أكثر في إدارة المال العام، فالسلطة غير شفافة في ارقامها المالية، وهي تدفع ثمن ادارتها السيئة وغياب الشفافية. لذلك يجب إدارة المال بأكثر عدالة وبشكل مهني وشفاف".[20]

إعادة توزيع الموازنة: تظهر المقابلات التي تم اجراؤها، والتي تم الإشارة إليها عند الحديث عن أسباب الازمة، ان هناك قناعة بان هناك خللا في موازنة السلطة من حيث التوزيع. فالموازنة المخصصة للأجهزة الأمنية مثلا تستنزف الحصة الأكبر من الموازنة العامة في وقت لا حاجة فيه لقوة أمنية بهذا الحجم، خاصة وان الظروف على الأرض تشير الى ضعف القوى الأمنية في حماية المواطن وتحقيق الامن له في المجالات المختلفة، خاصة فيما يتعلق بالحماية من اعتداءات المستوطنين. وعليه لا بد للسلطة من إعادة النظر في توزيع الموازنة، بحيث يصرف أكثر على القطاعات الحيوية التي تمس المواطن بشكل مباشر مثل التعليم والصحة. يقول عمر عساف: "لا بد من إعادة ترتيب أولويات الموازنة، حيث يصرف الآن اكثرها على الامن، ومعروف الإشكالية التي نواجها مع الامن، قوى الامن ليست حامية الشعب، بل تقوم بالتدخل للحد وقمع الحريات. لو اعيد ترتيب أولويات الموازنة بحيث يعطى التعليم والصحة الحصة الأكبر من الميزانية اعتقد يمكن تجاوز وحل هذه الإشكاليات."[21]

محاربة الفساد ومظاهره: لم تتغير انطباعات المواطنين بوجود فساد في السلطة منذ عدة سنين، حيث ترى الغالبية العظمى منهم وجود ذلك الفساد في المؤسسات العامة، كما اشرنا سابقا. يعزز ذلك بعض السلوكيات والإجراءات من السلطة، او من اشخاص محسوبين عليها، مما يقوي الاعتقاد لدى الناس بأن هذه الازمة المالية مفتعلة وليست حقيقية. ففي أوج أزمة إضراب المعلمين مثلا رأت غالبيتهم ان هذه الازمة المالية مختلقة. يقول عمار دويك معبرا عن ذلك "في الوقت الذي تدعي فيه السلطة عدم وجود أموال، تقوم بدفع الأموال للسفيرة الفلانية لتغطية كافة مصاريف أولادها في المدارس الخاصة، ويقوم الرئيس بتعيين مدراء عامين وسفراء وغيره. وعليه فلو ان السلطة كانت صادقة تماما في أزمتها المالية فإن النقابات لن تصدقها في ذلك، وهذا ما يفاقم الازمة."[22]  ويقول عمر عساف "إن محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدون وترشيد الصرف سيوفر من الأموال ما يكفي لمطالب المعلمين والقطاعات الأخرى".[23] لذلك، لابد للسلطة من تعزيز سبل الرقابة، وتفعيل المحاسبة التي تظهر فيها الشفافية، وتوضيح الإجراءات او الأمور التي من الممكن ان يلتبس فيها على الجمهور.

 

  1. المصداقية مع النقابات والايفاء بالوعود والاتفاقيات:

إن واحدة من اهم القضايا التي تعيق حل الازمة هي تجربة النقابات مع الوعود التي تقدمها السلطة لهم، والتي لا تقوم بالإيفاء بها، او الإيفاء بها جزئيا، مما يجعل الوصول الى حلول حقيقية دائمة للأزمة أمرا صعب المنال، حيث تعود للواجهة عندما يحين وقت الإيفاء بالالتزامات. تشعر النقابات نتيجة لذلك بان السلطة لا تريد فعلا حل الازمة بشكل جدي، وانما تريد فقط ترحيلها. لذلك لا بد للسلطة ان تظهر الجدية تجاه النقابات في الإيفاء بالوعود وان لا تقدم للنقابات الا الوعود التي تستطيع تنفيذها. يقول عمر عساف" الوعود من السلطة شابها المماطلة والكذب. الحكومة وقعت اتفاقا مع المعلمين وتنصلت من هذا الاتفاق، وبالتالي تبقى الوعود جوفاء، وهذا ما يجعل الازمة تستمر".[24]

 

  1. تعزيز الثقة مع النقابات والجمهور بشكل عام

حتى تستطيع السلطة المضي قدما في الأمرين السابقين لا بد لها من إعادة الثقة بينها وبين المواطنين والنقابات والمؤسسات المختلفة. تشير كافة البيانات، سواء الاستطلاعات او المقابلات، ان هناك فقدانا للثقة بين الجمهور والسلطة، كما بينا في شرحنا عن أسباب الازمة. لذلك لا بد للسلطة ان تضع نصب عينها العمل بشكل جدي على تعزيز هذه الثقة من خلال عدة أمور لعل أكثرها نفعا ما يلي:

  • وقف الاعتقال السياسي، وتعزيز القضاء، ومحاربة الفساد.
  • اظهار الجدية في توجه حقيقي للمصالحة واجراء الانتخابات.
  • النظر بجدية لنتائج استطلاعات الرأي والتي تشير الى مواطن الاستياء من أداء السلطة ومحاولة علاجها وإظهار للجمهور اليات هذا العلاج. 

التوصيات

غني عن القول أن على السلطة الفلسطينية تحسين أدائها المالي والإداري، واعادة تقييم علاقتها بالجانب الإسرائيلي، وخلق الظروف التي تسمح باستعادة الثقة بالسلطة من قبل الجماهير والنقابات. يمكن للسلطة العمل على ذلك من خلال الخطوات التالية:

  1.  محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدون وترشيد الصرف وإظهار الشفافية في إدارة المال العام.
  2. العمل على اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وهو مطلب شعبي حيث يقول حوالي 70% من الفلسطينيين انهم يريدون اجراء هذه الانتخابات
  3. إبعاد الأجهزة الأمنية عن التدخل في الاحتجاجات الجماهيرية، والتعاطي مع هذه الاحتجاجات بشكل مهني ومطلبي وحقوقي
  4. ترتيب أولويات الموازنة بحيث يقلص الصرف على الامن ويزداد الصرف على التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية 
  5. المساعدة في إعادة هيكلة النقابات بشكل ديمقراطي بحيث ينتخب من يمثل هذه النقابات تمثيلا حقيقيا وخاصة النقابات التابعة لمنظمة التحرير التي تعين بالمحاصصة او الانتخابات الصورية
  6. الالتزام بالاتفاقيات التي وقعت مع النقابات او إعادة التفاوض حولها في حالة عدم المقدرة على الالتزام
  7. بعد اتخاذ الخطوات السابقة، يقترح اجراء حوار وطني فعال مع النقابات المختلفة يتسم بالشفافية وصدق النوايا للوصول الى صيغ مقبولة لحل الازمات، وحق الإضرابات والاحتجاجات، وحق التنظيم واجراء الانتخابات الداخلية، وغيره.

أما على الصعيد النقابي: فإن العاملين في هذا المجال مطالبون بدورهم بتعزيز قدرتهم التمثيلية وقدرتهم على كسب الجماهير لصفهم، ومن ذلك:

  1. العمل على إعادة تنظيم النقابات داخليا، من حيث اجراء انتخابات في تلك التي لم تجرى فيها انتخابات، بحيث يكون من يمثلونها الأقدر والأصدق فعلا في طرح مطالبها.
  2. توحيد جهود النقابات في احتجاجاتها ما أمكن بحيث يكون هناك تنسيق في الاعمال الاحتجاجية.
  3. توضيح شرعية مطالب النقابات للجمهور بحيث يكون الجمهور حاضنا لهذه المطالب وواقفا الى جانبهم.
  4. توضيح مواقفهم الاحتجاجية واضراباتهم للجمهور والعمل على تقليل تضرر الجماهير من هذه الإضرابات بقدر المستطاع بالتنسيق مع الفعاليات الجماهيرية الأخرى.
  5. مراجعة جدية للمطالب بحيث تكون منسجمه مع القدرات الفعلية للسلطة، من حيث إمكانية تحقيقها، حيث ان خوض إضرابات لتحقيق مطالب لا تستطيع السلطة تحقيقها لن يؤدي الا إلى الاضرار بالوضع العام الداخلي من تعليم وصحة وغيره، وقد يفشل هذه الإضرابات لعدم معقولية مطالبها.
  6. ان تجعل النقابات المطالبة بانتخابات عامة جزءا أصيلا من مطالبها على اعتبار ذلك هو الحل الذي من شائنه ان يعالج الكثير من المشاكل التي تواجهها .