مع دخول الأزمة الأوكرانية-الروسية شهرها العشرين؛ بدأت الإشارات من أطراف التحالف الغربي تتوالى، مشيرة إلى اقتراب تلك الأزمة من مرحلتها النهائية، خاصة بعد زيارات الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلنسكي" وتصريحاته الأخيرة في كل من الولايات المتحدة وكندا، وهو ما جعل أحد أقطاب الصحافة الأميركية، السيد "سايمون هيرش" القول بأن "أوكرانيا انهزمت... وأن روسيا ستربح الحرب".
فمع وصول "زيلنسكي" إلى واشنطن، طلب الرجل من السيد "كيفن مكارتي" رئيس مجلس النواب الأميركي، أن يجمع له أعضاء مجلسي النواب والكونغرس و"علية القوم" ليلقي أمامهم بخطاب كما حدث في العام الماضي عندما استضافته رئيسة المجلس السابقة السيدة "نانسي بيلوسي"، حيث قوبل خطابه آنذاك، بعشرات المرات من التصفيق الحار ووقوف الأعضاء مرارا وتكرارا إكراما وإجلالا للضيف الكبير. إلا أن السيد "مكارتي" فاجأ الجميع برده على سؤال صحافي، إن كان "زيلنسكي" سيلقي خطابا أمام مجلسكم؟. وجاء رد الرجل الفوري:-
- ليس لدينا وقت لسماعه!
والحقيقة أن زيارة "زيلنسكي" وتصريحاته الصحافية، التي هاجم فيها وباستهزاء شديد "دونالد ترمب"، حين ظهر متسائلا ومتهكما عن كيفية الطريقة التي سينهي فيها "ترمب" الحرب الأوكرانية-الروسية خلال 24 ساعة!... آملا بإرضاء الرئيس "بايدن" وحزبه الديمقراطي، مما دفع ب 40 عضوا من مجلس النواب الأميركي إلى إصدار بيان صارم، معلنين رفضهم الصارم لقاء الرجل وتقديم مبلغ 24 مليار دولار كمساعدات عاجلة للدولة الأوكرانية، حتى أن "زيلنسكي" كان قد صرح قبل اجتماعه مع "بايدن"، بأن أوكرانيا سوف تخسر الحرب إن لم تحصل على هذه المساعدة المالية!.
ولم يحصل الرجل في نهاية رحلته، سوى على "أقل" من نصف مليار دولار!.
ومما زاد الطين بلة، أن أصواتا في واشنطن بدأ ضجيجها يتعالى بضرورة إحلال الديمقراطية في أوكرانيا! والتحضير لإجراء الانتخابات الرئاسية الأوكرانية في موعدها (نيسان 2024)! وسط استغراب القيادة الأوكرانية التي كانت قد فرضت الأحكام العرفية في بلادها منذ أكثر من عام.
ووصفت زيارة "زيلنسكي" بأنها أسوأ زيارة قام بها رئيس أوكراني إلى الولايات المتحدة!
وكان على رئيس وزراء كندا السيد "جاستن ترودو" أن يقوم (بترقيع) ما حدث لصاحبه في أميركا، مصطحبا زوجته إلى المطار، لاستقبال الرئيس "زيلنسكي" الذي حضر ومعه زوجته الشابة "أولينا" (التي كانت قد أعلنت مرة بأنها لم تدعم حملة زوجها الانتخابية كما يجب!). وتم الإعلان بأن الرئيس الأوكراني سيلقي خطابا في مجلس النواب الكندي، الذي غصت قاعاته عن بكرة أبيها، بالوزراء وأعضاء مجلس النواب وكبار الشخصيات العسكرية والرسمية والاجتماعية الكندية. كما قامت أشهر محطات التلفزة والراديو وجميع وسائل الإعلام في البلاد بتغطية خطاب الرئيس "زيلنسكي".
وبعد انتهاء خطاب "زيلنسكي"، قام رئيس مجلس النواب الكندي بكل فخر واعتزاز، بالإعلان عن ترحيبه بضيف كندا الكبير وضيف البرلمان المبجل، معلنا وجود المواطن الكندي/ الأوكراني الأصل السيد "يورسلاف هونكا"، طالبا منه الوقوف أمام الحشد الهائل، قائلا بالحرف الواحد:-
- لقد حارب هذا الرجل ضد الروس في الحرب العالمية الثانية وها هو الآن في الـ 98 من عمره! يناضل من أجل تحرير أوكرانيا.
ووقف جميع رجال الدولة احتراما للرجل! بعد أن غصت القاعة بالتصفيق لدقائق طويلة والجميع ينظر بكل فخر واعتزاز نحو الرجل الثائر، الذي ظلت علامات الحيرة والاستغراب والعجب الشديد تشع من عينيه، وتحديدا بعد أن أطلق رئيس البرلمان عليه لقب "بطل كندا"! وانتهى الحفل الرسمي بتقديم آيات الشكر لإنجازاته الوطنية! وسرعان ما أصبح اسم الرجل هو الاسم الأشهر في عموم كندا، ولكن… حتى صباح اليوم التالي فقط!
فمع شروق نهار شمس اليوم التالي، عاد رئيس مجلس النواب الكندي ليظهر "وحده" أمام الصحافة الكندية وهو يتلو بيانا رسميا باسم البرلمان الكندي، معربا عن أسفه الشديد واعتذاره وندمه الشديد عن الخطأ الذي ارتكبه أمام الشعب الكندي مساء أمس!
فقد تبين أن السيد "يورسلاف هونكا"، لم يكن سوى "جندي أوكراني نازي"! حارب في صفوف الجيش الألماني ضد بلده "أوكرانيا الاشتراكية"، ضمن "الفيلق الأوكراني النازي". كما أنه شارك في تعذيب الوطنيين الأوكران والسوفييت ضمن كتائب ألمانيا النازية التي ظل رجالها المجرمون ملاحقين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وجاءت الطامة الكبرى لحفل التكريم عندما أعلنت إحدى المنظمات اليهودية أنها كانت تبحث عن الرجل منذ سنوات طوال، بعد أن أدين غيابيا قبل 78 عاما بتعذيبه وقتله لليهود في أوكرانيا وبولندا.
وهكذا صار الحفل الكندي الرسمي "فضيحة رسمية بجلاجل"!
ولكن الفضائح وسوء الطالع لم تنته بـ "زيلنسكي" في كندا وأميركا فقط!
فمع انتهاء زيارات الرجل للقارة الأميركية، كان عليه العودة إلى بلاده. ولما كان الطيران المدني فوق سماء أوكرانيا قد تم حظره منذ بداية الحرب، فقد اضطر "زيلنسكي" والوفد المرافق له العودة إلى بلاده عن طريق بولندا. وبعد أن حطت طائرة "زيلنسكي" على الأرض البولندية لم يجد الرجل في استقباله أي شخصية بولندية (رسمية أو غير رسمية) في انتظاره. وكان ذلك تعبيرا عن استياء البولندييين من موقف أوكرانيا وتصريحات "زيلنسكي" قبل أيام، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، حول مسألة تقديم وتسهيل بيع الحبوب الأوكرانية، على حساب المزارعين في دول الحلف المعادي لروسيا، الأمر الذي رفضته الحكومة البولندية، خصوصا أن الانتخابات البولندية ستأتي في أكتوبر، أي بعد أسابيع من الآن.
وانضمت هنجاريا وسلوفاكيا إلى بولندا بعد أن رفضتا تقديم مصلحة المزارعين الأوكران قبل مصلحة مزارعي بلادهم.
وازدادت الأمور تعقيدا بعد أن قدمت أوكرانيا "دعوى" أمام منظمة التجارة العالمية، ضد بولندا وهنجاريا وسلوفاكيا. ثم أعلن "زيلنسكي" في تصريح استفزازي له، بأن ما قام به حلفاء الأمس، "سوف يقوي الموقف الروسي"!. وعلى الفور قامت الحكومة البولندية باستدعاء السفير الأوكراني في وارسو إلى وزارة الخارجية، مذكرة إياه بأن بولندا تحتضن أكثر من مليون ونصف لاجئ أوكراني، وأنها البلد الأكثر دعما لأوكرانيا منذ اليوم الأول في حربها هذه.
ومع تصاعد الأزمة بين البلدين خرج رئيس وزراء بولندا يقول بأن بلاده ستوقف إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا، وأن بولندا ستركز على تسليح نفسها. (يذكر أن جميع مخازن الأسلحة السوفيتية في الجيش البولندي وجيوش الدول الاشتراكية السابقة قد تم إفراغها وإرسالها إلى أوكرانيا).
وجاء تعليق رئيس بيلاروسيا السيد "الكسندر لوكاشينكو"، حليف بوتين الأول قائلا:--
- لم تكن بولندا وغيرها من دول الناتو، تتجرأ على اتخاذ مثل هذه الخطوات إلا بعد الموافقة الأميركية.
أما من الناحية العسكرية، فيشير الكثير من المراقبين الغربيين بأن شلل (وليس فشل) الهجوم المضاد الأوكراني الذي بدأ يوم 4 حزيران من هذا العام لم يحقق أي نتيجة على أرض المعارك تذكر.
ومع أن بيانات الجيش الأوكراني ظلت تعلن مرارا وتكرارا عن تحقيق اختراقات ونجاحات عسكرية، وإعادة تحرير عشرات الكيلومترات وبعض من القرى المهجورة، إلا أن الحقائق، وحسب المصادر "الغربية" نفسها، تؤكد عكس ذلك، حتى أن القوات الروسية استطاعت ضم أكثر من 500 كيلومتر مربع إلى أراضيها، وإن نجحت بعض من هجمات المسيرات الأوكرانية بتدمير طائرات أو سفن بحرية روسية أو حتى الوصول إلى الكرملين نفسه. فتلك الهجمات التي لم تحقق على أرض المعارك أي نتيجة عسكرية تذكر، إلا أنها والحقيقة تقال، قد حققت نتائج إعلامية لدى الغرب وأوكرانيا. ولكن سرعان ما تم نسيانها بعد إجهاضها بوابلات من الصواريخ الفرط صوتية الروسية التي ظلت تغطي سماء أوكرانيا لعدة ليال متتالية.
ومع بلوغ خسائر أوكرانيا البشرية أكثر من 600000 قتيل حتى اليوم، إلا أن الروس أعلنوا قبل أيام قليلة، أن عدد قتلى الجيش الأوكراني في الشهر الماضي، انخفض إلى 17 ألف قتيل فقط. وهو الأمر الذي لا يعني بتاتا نجاح الهجمات الأوكرانية التي لم تحقق أي نتائج عسكرية تذكر منذ بداية الهجوم المضاد قبل 4 أشهر، بل إن ذلك يعني، أن الهجوم المضاد الأوكراني قد بدأ يتوقف بعد فشله أو لنقل... "شلله".
يذكر أن حاكم مقاطعة "بولتافا" الأوكرانية كان قد صرح قائلا بأن 80% من جنوده لم يعودوا إلى بيوتهم بعد فشل هجماتهم المضادة ضد الجيش الروسي!. الأمر الذي جعل الصحافة الأميركية تقول، بأن حالة التمرد العسكري في الجيش الأوكراني قد تحصل إذا أعطيت الأوامر لبعض قطاعاته بشن هجمات "عبثية" ضد الجيش الروسي المتحصن خلف 3 خطوط دفاعية لم يشهد العلم العسكري مثلها منذ الحرب العالمية الثانية.
وهكذا أصبح الخوف الآن من شن الروس هجوما مضادا في الشتاء القادم.
وذهب البعض من المحللين القول، بأن الروس لا ينوون بتاتا وقف المعارك العسكرية حتى تحطيم البنية العسكرية للجيش الأوكراني، آخذين في الاعتبار بأنهم "ملوك حرب الشتاء".
وجاء قرار حظر تصدير الديزل الروسي قبل يومين (في ذكرى انفجار خط الغاز نورد ستريم 2) إلى أوروبا ضربة شديدة لاقتصاد الدول الأوروبية.
وهكذا ومع فشل استنزاف الاقتصاد الروسي، الذي سجل هذا العام تحسنا اقتصاديا 2%، الا أن برميل النفط الروسي ورغم الحظر الغربي المفروض على شرائه بسعر لا يتجاوز 60$، إلا انه يباع الآن بـ 85$ علما أن روسيا أعلنت منذ أشهر تخفيض إنتاج النفط بـ "نصف مليون" برميل يوميا. وهو ما يعني أن روسيا تنوي استنزاف الطرف الآخر بشريا وعتادا في هذه الحرب العالمية التي تجري على الساحة الأوكرانية، والتي تشارك فيها أكثر من 50 دولة بما فيها دول حلف الناتو، لعل وعسى أن ينتهي عالم "أٌحادي القطبية" منذ اليوم الأول الذي أصبح فيه "فلاديمير بوتين" رئيسا لروسيا الجديدة قبل 23 عاما.