ترجمة الحدث
كتب هذه المقالة الصحفي الإسرائيلي بنحاس عنبري وهو باحث رئيسي في شؤون الشرق الأوسط في مركز القدس للشؤون العامة والدولة:
لكي نفهم موقف السعودية من القضية الفلسطينية، لا بد من العودة إلى لقاءين أجراهما الرئيس محمود عباس مع الملك الراحل عبد الله قبل سنوات قليلة، واطلعت على مضمون اللقاءين من مصادر في السلطة الفلسطينية.
وكان الاجتماع الأول في جدة في خضم الربيع العربي. وبعد أن اشتكى أبو مازن للأميركيين من أن السعودية لم تف بالتزامها بمساعدة الميزانية الفلسطينية بمئتي مليون دولار سنويا، دعا الملك عبد الله، الرئيس عباس، إلى جدة.
وبحسب مصادري، فإن الرئيس عباس أخذ يحدث لملك السعودية عن الاستيطان ومن الفصل العنصري والاحتلال، فأوقفه الملك سريع الغضب وقال له: ألا ترى ما يحدث حولنا؟ ولا يوجد حاكم عربي يجلس بأمان على عرشه. حالتك أفضل من حالنا.
وهنا قال الملك الجملة الرئيسية: عندما كنت بحاجة إلى مساعدتنا، لم نمنعها عنك، بالمال، والدعم الدبلوماسي لكل ما طلبته. الآن، عندما نحتاج إلى مساعدتك، لماذا أنت محايد؟ ولكن لأننا وعدنا الأميركيين، فإننا سوف نحول لكم الأموال.
وكانت المشكلة أن السعودية حولت المائتي مليون إلى سلام فياض رئيس الوزراء آنذاك وليس إلى الرئيس عباس، وهنا بدأت الأزمة بين الاثنين والتي انتهت بإقالة فياض من رئاسة الوزراء.
وعقد لقاء ثان في الرياض في الفترة ما بين نهاية ولاية باراك أوباما وبداية ولاية دونالد ترامب الذي كان قد انتخب رئيسا للولايات المتحدة. وكان على جدول الأعمال قرار مجلس الأمن بشأن المستوطنات، والذي كان من المتوقع أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض ضده.
القرار المقترح قدمته مصر، وطلب الرئيس عباس التحدث مع الملك عبد الله حول كيفية الاستفادة من إزالة فيتو الولايات المتحدة في مجلس الأمن، ثم جاء اتصال بالملك من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أبلغه فيه أنه قرر سحب مشروع القرار من مجلس الأمن. فقال له الملك عبد الله، بحضور الرئيس عباس: الله يسهل لك. يعني: افعل ما شئت. حينها طلب الرئيس عباس من السيسي أن يطالب على الأقل في المقابل بعدم نقل الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس، ورد عليه السيسي: نحن مع ترامب!. ومعنى هذه كله أن العرب سئموا من القضية الفلسطينية التي تورطهم ليس فقط أمام إسرائيل بل أيضا مع الولايات المتحدة.
والآن، عندما يُطلب من الفلسطينيين دعم التطبيع بين السعودية وإسرائيل، يحاول الرئيس عباس إقناع السعودية بوضع المبادرة السعودية على الأقل كشرط، وأن يكون ثمن التطبيع مع إسرائيل حل القضية الفلسطينية. وفي مقابلة مع محمد بن سلمان على قناة "فوكس نيوز" الأسبوع الماضي، تلقى الرئيس عباس إجابة سلبية. ولم يقتصر الأمر على أن بن سلمان لم يذكر المبادرة السعودية، بل لم يذكر حتى أياً من مكوناتها، وشدد على عنصر الحياة اليومية للفلسطينيين.
هل سيتمكن الرئيس عباس من الاندماج في التطبيع السعودي الإسرائيلي في ظل هذه الظروف؟ أنا لا أظن ذلك. هناك تقارير تقول نعم، ولكن يبدو لي أنها تستند إلى محادثات أجراها اثنان من كبار مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية المقربين من السعودية، ماجد فرج وحسين الشيخ في الرياض، وليس على الروح الموجودة في محيط الرئيس عباس بالمقاطعة.
يبدو أن النافذة الكبيرة قد فتحت لتحقيق الانفراج التاريخي بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية الرائدة، لكن خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة لا يترك مجالاً للتفاؤل. ولم يجلس في القاعة الفارغة سوى ممثل المملكة العربية السعودية، وهذا مؤشر جيد. لكن نتنياهو الذي كان عليه أن يقول شيئاً عن القضية الفلسطينية، تجاهلها تماما باستثناء مهاجمة الرئيس عباس، كما أنه أظهر خارطة فلسطين كاملة على أنها إسرائيل، أي أنه تجاوز فكرة حدود التقسيم، وهذا يعني: لا تنازلات للفلسطينيين.
وبينما أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن على ديفيد بن غوريون باعتباره أب الأمة الإسرائيلية، رد نتنياهو عليه بخطاب أنه موشيه ربنو، وأعاد السياق إلى العلاقة بجبل جرزيم وجبل عيبال. لقد كان خطابه موجها إلى مسامع بن جابر وسموترتش أن إسرائيل لن تتخلى عن نابلس (إشارة إلى التمسك بالروايات المزيفة حول إسرائيل القديمة).
وفي حين كان بوسع دول الخليج أن تتخطى الفلسطينيين، الذين وقفوا إلى يمين الرئيس العراقي صدام حسين، في الأزمة الكبرى مع العراق، الذي احتل الكويت، فإن المملكة العربية السعودية ليس لديها خيار من هذا القبيل. وهي قوة تمثل العروبة والإسلام، ولا يمكنها تطبيع العلاقات مع إسرائيل بن غبير وسموتريتش.
ورغم أن السعودية الآن لا تذكر ذلك، إلا أن المبادرة السعودية مسجلة باسمها، وعليها أن تعطي شيئا للفلسطينيين، من أجل تهدئة الوضع، لكن حكومة تحت سيطرة بن غبير وسموتريتش ليس فقط لن تعطي الفلسطينيين شيء، لكن لا تزال أمامنا خطة الحسم الخاصة بسموتريتش والتي تستند لشعار "أحرقوا قريتهم"، ولم نتحدث بعد عن يأجوج ومأجوج انطلاقا من المسجد الأقصى.