خاص الحدث
فرق كبير بين التقصير والتواطؤ والتورط. هذه الثلاث كلمات تختزل قصة علاقة الجهات الرسمية بالتهريب عبر جسر الملك حسين. في الأسابيع الأخيرة، شددت بعض الجهات التنفيذية من إجراءاتها لمنع عمليات التهريب، وعلى وجه التحديد تهريب السجائر، ولعلّ هذا له علاقة باستنتاجات قد تكون الحكومة توصلت لها أخيرا، بأن هذه الثغرة مضرة جدا لخزينتها في وقت تعاني فيه من أزمة مالية.
في مثل الحالة السابقة، يمكن توصيف الأمر على أنه تقصير تتصاعد وتيرته وطبيعته، وعلى هذا الأساس تجد الضابطة الجمركية قد نشطت من إجراءاتها بحق المهربين وضد عمليات التهريب في مرحلة ما، وفي مراحل أخرى تتجاهل هذه الظاهرة القاتلة.
في قلب هذه الظاهرة (التقصير)، يأتي التواطؤ من قبل شخص أو مجموعة داخل هذه الجهة أو ذلك، فيقومون تبعا لمصالحهم الذاتية بخلق بيئة عمل متساهلة مع عمليات التهريب داخل الجهة التنفيذية، وهؤلاء متواطئون بينما الجهة ككل مقصرة، لأنه ليست كل مكوناتها مستفيدة، وبالتالي لا يمكن رفع سقف اتهامها، ولكن فلان وفلان بداخلها، الذين يحاولون خلق حالة التقصير هؤلاء متواطئون.
والمتواطئ يحصل على استفادة مباشرة من استمرار الظاهرة وتناميها، ولكنها في الغالب استفادة غير منتظمة، وعلى هذا الأساس فإن المتواطئ معنيٌ بتوسع الظاهرة لأن ذلك يوسع مدى استفادته. لكنه بكل الأحوال ليس شريكا مباشرا في التهريب ولهذا فإن القدرة على تحجيمه وتقليص مدى تواطئه ممكنة من خلال جهات أعلى منه وظيفيا، وأيضا لأنه لا ينتمي للظاهرة بشكل مطلق.
لكن الحالة المستعصية في سياق عمليات التهريب، هي المسؤول المتورط، وهذا شريك في الجريمة ومردودها المادي، ويوظف علاقاته وخبراته لخلق طرق تهريب مبتكرة، ولخلق متواطئين من الجهات التنفيذية، وأيضا لخلق مؤسسات وجهات تنفيذية مقصرة، فهو الذي يتحكم باللعبة على الإطلاق. وهذا لخصوصية موقعه الوظيفي، واطلاعه على كل ما يجري على الجسر، فإنه مستعد لعمل كل شيء من أجل استمرار الظاهرة، حتى لو من خلال تجار مخدرات وسلاح.
مثلا في الأسابيع الأخيرة، ومع انخفاض وتيرة التقصير لدى بعض الجهات التنفيذية؛ لجأ هذا الشريك المتورط لخلق طريقة بديلة من خلال مركبات عمومي تحمل لوحات تسجيل إسرائيلية تصل للمدن الفلسطينية من خلال شوارع تخضع للسيطرة الإسرائيلية. والأمر ليس خفيا، فمن يتابع المجموعات الخاصة بالجسر (مجموعات غير رسمية) على مواقع التواصل الاجتماعي يجد أن الحديث عن هذه الطريقة في التهريب أمر مشاع وليس خفيا، وهنا بكل تأكيد يأتي دور الجهات التنفيذية لتحجيم الطريقة الجديدة للشريك المتورط، وهو بالطبع مسؤول.
إن دور الجهات التنفيذية لا ينتهي بالتضييق على طريقة دون أخرى، ودور الجهات العليا في الحكومة والسلطة الفلسطينية هو التأكد من تورط وشراكة مسؤول بحجم فلان في أكبر عملية تسرب مالي من خزينة الدولة. هذه ليست مسألة جريمة اقتصادية فقط، بل مساس بالأمن القومي الفلسطيني وبقدرة السلطة على مواجهة التحديات المالية وبالتالي السياسية. ولعلّ الأرقام عن حجم التهريب من خلال جسر الكرامة وانعكاساته على الخزينة العامة، تؤكد ما ورد.