الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المقاومة الغزية: صناعة الأمل| بقلم: ناجح شاهين

2023-10-08 11:24:35 AM
المقاومة الغزية: صناعة الأمل| بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

وصل ظهرنا إلى الحائط، تماماً التصقنا بالجدار.

التنسيق الأمني يشكل عنوان العمل الفلسطيني/الإسرائيلي؛ ولا يمكن فعل شيء مهما تنكرت إسرائيل للكلام المعسول الكثير الذي قيل أيام أوسلو الباكرة. السلطة لا تستطيع أن تتخلى عن الهيلمان والجاه والسلطة والنفوذ والمال الذي تحقق لديها.

عرب الخليج الذين أخذوا مقاليد الأمور بأيديهم منذ تصاغر دور مصر بعد السادات أو بسببه، وضعوا نصب أعينهم أن حماية البترودولار تتطلب مصادقة إسرائيل ومحاربة إيران وحلفائها العرب دون استثناء. التطبيع صار قانوناً لا يستطيع أحد أن يهرب منه، وحتى السلطة الفلسطينية التي كانت تعارض ذلك ولو بالكلمات اللطيفة لم تعد قادرة على ذلك بعد أن تزعمت السعودية الاتجاه كله من المحيط إلى الخليج.

غزة تعيش الحصار الخانق وتضطر إلى مقايضة الصمت منذ "سيف القدس" بشيء من المال الذي يأتي به العمادي من قطر. الحقيبة التافهة التي يعتاش منها بعض الموظفين، ويروج بعض أعداء المقاومة أنها مغارة علي بابا التي تأتي بالغنى والجاه والثراء لقادة حماس وأولادهم وأقاربهم ...الخ. تقف حركة الجهاد وسراياها بمفردها في غزة والضفة مدة أشهر كثيرة تكاد تمتد لسنيتن عجاف بالتمام والكمال. يقاوم جهاديو السرايا ببطولة نادرة عز نظيرها، لكنها تترك وحدها تتجرع كأس الخسائر غير المتكافئة مع عدو متغطرس متجبر يمتلك تفوقاً هائلاً لا تخطئه العين.

نبدأ جميعاً أسطوانة النقد والتشكيك: بعضنا من باب الحب والحرص، وبعضنا من أجل أن يثبت أن طريق "السلام" والمفاوضات و"التعاون" مع إسرائيل هو الخيار الوحيد سواء أحببناه أم كرهناه. هذا البعض يفضل دائماً أن يذكرنا بجرائم حماس التي تجر أهل غزة إلى البؤس كلما قامت بإطلاق صورايخها العبثية، لكنه لن ينسى تذكيرنا بجبن حماس وولائها للمال القطري كلما خاض الجهاد معركته منفرداً. لكن بعيداً عن هؤلاء الذين نعرف محدداتهم السياسية الواقعية دعونا نلتمس العذر لمن أخطأ التحليل وظن أن حماس وقسامها قد أقلعا عن المقاومة يأساً من القدرة على إلحاق الخسائر بإسرائيل مهما تضاءلت ففضلا الذهاب مع شيء من الطمع في اتجاه الحقائب القطرية.

لم يكن صعباً علينا أن نتخيل أن مقاومة غزة قد وصلت إلى اليأس الكامل: ألم تصل فتح والشعبية والديمقراطية ومنظمة التحرير كلها إلى ذلك اليأس من قبل على الرغم أنها كانت تعيش ظروفاً افضل بكثير من ظروف غزة؟ ثم أن مقاومة غزة تاهت في صحراء "الربيع العربي" بعض الوقت، وذلك شجع على افتراض أنها لم تعد تحلم بأكثر من إمارة صغيرة في حدود غزة.

في ذلك الوقت الطويل منذ "سيف القدس" كانت المقاومة بسرية تامة لا ينقصها الدهاء ولا الصدق ولا الصبر بإدارة محمد الضيف الذي يبرهن على نحو حاسم أن هذا الشعب عظيم وشجاع وخلاق، كانت تعد لنا نقلة نوعية في الأداء النضالي لم يسبق للفلسطينيين أن مارسوه من قبل. كانت مواجهات منظمة التحرير المباشرة مع الجيش الإسرائيلي لا ترقى إلى فكرة تبادل إطلاق النار. حتى جمهور المنظمة وأنصارها لم يكن أصلاً ينتظر منها ذلك: كنا جميعاً راضين بضعفنا ومؤمنين بأننا لا يمكن أن نواجه ذلك الجيش الهائل المدجج بالسلاح الأمريكي الفاخر. لذلك ظن معظمنا أن حرب لبنان 1982 كانت إنجازاً عظيماً أعد له فيما بعد القصائد والأغاني والحفلات على الرغم من الأداء الضعيف نسبياً.

بعد عشرين سنة تقريباً ستطور المقاومة اللبنانية شكلاً جديداً لم يكن معروفاً فلسطينياً ولا لبنانياً ولا عربياً على وجه العموم. وهكذا ستقع مواجهات "غريبة" يبدو فيها الجيش الإسرائيلي متعثراً قياساً إلى تاريخه المذهل في الهجوم الخاطف. تتوج حرب تموز 2006 ذلك التعثر لتقدم المقاومة اللبنانية نصراً ساطعاً مذهلاً يحير العالم ويثلج صدور الأصدقاء.

بعد ذلك بسنتين ستشن إسرائيل "الرصاص المصبوب" فوق رأس غزة لسبب واحد هو ترميم صورة الجيش الإسرائيلي الذي خسر على نحو مهين في لبنان، فكان لا بد من اختيار هدف "معقول" واستعراض قدرات الجيش الذي لا يقهر في مواجهته. كأننا في مواجهة أغلوطة رجل القش الشهيرة. ستتكرر هذه العملية بعد ذلك بسنوات ثلاث 2012 ثم 2014 ثم 2018...الخ الواقع أن إسرائيل ستحدد غزة هدفاً لإنجازاتها في الأحوال السياسية المختلفة بما في ذلك الدعاية الآنتخابية لهذا المرشح أو ذاك. في هذا الوقت كان أنصار معسكر التسوية سعداء بتعرض غزة للفشل في إلحاق أية خسائر جدية بإسرائيل ليطلقوا كلمات من قبيل الصواريخ العبثية بحق المقاومة وصواريخها.

لكن المقاومة بصبر لا ينفد، وبرعاية شقيقتها المقاومة اللبنانية كانت تطور أدائها وأدواتها. وكانت "سيف القدس" ارتقاء نوعياً هاماً. صمتت بعده القسام دهراً لتشعرنا وكأننا في مواجهة السادات: حرب أكتوبر آخر الحروب! لكن المقاومة كانت تعد أوراقها بحكمة وهدوء بعيداً عن الصخب والاستعراض، وتحملت بشجاعة وتواضع الانتقادات الظالمة حتى تكمل استعدادها ولا تنجر إلى حرب غير ناضجة لم يئن أوانها بعد.

يوم أمس دشنت المقاومة/القسام تحديداً زمناً فلسطينياً جديداً.

طبعاً بعضنا سيقول الآن: أين هو حزب الله؟ لماذا يجبن...الخ وهو الكلام نفسه الذي قيل عن القسام عندما كانت السرايا تواجه وحدها.

بعض الظرفاء يقول: لا تستعجلوا الأمور، فإن المواجهة الحالية هي مجرد تمرين "بروفا" للمواجهة الكبرى التي يمكن أن يشارك فيها الجميع في المستقبل القريب وبعد إتقان الطرائق والفنون. عموماً ليس سراً أن أصابع حزب الله شاركت في رسم الخطط والخرائط ل "طوفان القدس" أما إسرائيل فلا تتردد في تحميل إيران المسؤولية الكاملة عما يجري في لبنان وفلسطين على السواء. المشكلة أن محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وغيرهم يستمعون لنتانياهو حامي الحمى فلا يستطيعون تجنب الإحباط والكآبة.