الحدث: محمد مصطفى
من على سطح بناية مرتفعة جنوب مدينة رفح، يبدو المشهد صادماً، لمن كان يعرف شكل وتفاصيل وأحياء مدينة رفح المصرية سابقاً.
فالمدينة العريقة، التي مر منها القائد الإسلامي صلاح الدين، متجهاً إلى بيت المقدس لتحريرها من الصليبيين، تفكك وتزال تدريجياً، وتمسح كل معالمها عن الخارطة، وتتحول إلى صحراء قاحلة لا حجر فيها ولا شجر.
فما من يوم يمر إلا وتسمع دوي الانفجارات المزلزلة، كل واحد منها ينجم عنه إزالة منزل أو مدرسة أو مسجد، أو حتى جزء من سوق تاريخية، عمرها يزيد على سبعة أو ثمانية عقود.
مشاهد صادمة
المواطن محمود أبو عبيد، وتمتلك عائلته بناية مرتفعة جنوب مدينة رفح، أكد أنه يشعر بالحزن والحسرة على ما أضحت عليه الجارة رفح المصرية، فخلال عام فقط، أزيلت معظم منازلها، وجرفت شوارعها وبساتينها، وأضحت أشبه بالصحراء.
وأكد أبو عبيد، أنه كان يشعر بالراحة والسعادة حين كان يصعد على سطح المنزل، ويرى مظاهر الحياة تملأ شوارع وأسواق الجارة رفح المصرية، لكنه الآن يشعر بحسرة وخيبة أمل، فلا يرى سوى مساحات قاحلة، وآليات عسكرية تنتشر هنا وهناك.
وأشار إلى أنه من الصعب على سكان مدينة رفح، خاصة العائلات التي لها امتداد بين شطري الحدود تقبل الأمر بسهولة، خاصة وأنه مرت فترة كان التواصل فيها سهل بين الرفحين بفضل الأنفاق.
ووسعت مصر المنطقة العازلة في الجانب الآخر من الحدود، لتتجاوز 1500 متر في بعض المناطق، بينما تواصل قوات من الجيش وحرس الحدود العمل لخلق مزيداً من المساحات العازلة.
ذكريات جميلة
أما المواطن خليل عبد الله "65 عام"، فأكد أنه شعر بحزن شديد حين رأى من على سطح بناية مرتفعة المدينة العريقة تزال، فقد كان له فيها الكثير من الذكريات، لاسيما حين كان قطاع غزة تحت حكم الإدارة المصرية.
وأكد أنه لا ينسى مطلقاً مذاق ثمار الخوخ التي تشتهر بها هذه المدينة، ولا أشجار اللوز، متمنياً أن يلاقي سكانها ممن تم ترحيلهم أوضاعاً أفضل، تعوضهم عن منازلهم.
وأثر تدمير مدينة رفح على حجم التبادل التجاري "السري"، بين الرفحين، حيث كانت الأنفاق الحدودية تسهل عمليات تبادل معظمها في اتجاه واحد، تقدر بعشرات ملايين الدولارات شهرياً، وهذا أنعش شبه جزيرة سيناء اقتصادياً طوال الفترات الماضية.
أما المواطن طارق يوسف، وقضى طفولته في مدينة رفح المصرية، وتحديداً في حي "كندا"، الذي كان يقيم فيه آلاف اللاجئين الفلسطينيين، قبل نقلهم بناء على اتفاق ما بين إسرائيل ومصر للإقامة في قطاع غزة، فأكد أنه لم يستطع تخيل إزالة المدينة بالكامل، إلا بعد أن شاهد ذلك من على سطح منزل مرتفع.
وأشار إلى أنه شعر بالحسرة، فرفح المصرية أضحت أراضي بور قاحلة، مؤكداً أن كل شارع وزقاق وسوق وحي فيها كان له ذكريات جميلة معه ومع أصدقائه وجيرانه.