الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ملاحظات وتساؤلات بشأن المصير/ عوض عبد الفتاح

2023-10-12 10:02:19 PM
ملاحظات وتساؤلات بشأن المصير/ عوض عبد الفتاح

 

ليس سهلا على الفلسطيني أن يكتب بعقل بارد، خاصةً في ظروف دموية كالتي نعيشها في هذه اللحظات . إنّ الحربَ بصورة عامة، ومتابعة تفاصيلها، ليست لعبة كرة قدم. فالحروب قذرة ودموية، بل هي أبشع ما إختلقه الإنسان ضد أخيه الانسان. ونتائجها لا تنته فور زوال غبارها. بل تبقى حاضرةً في المجتمع الانساني بدرجات متفاوتة، لسنوات طويلة، بل حتى لعقود أو قرورن، و يستحضرها المـؤرخون والمفكرون، والباحثون، للإفادة منها ولاستشراف المستقبل أو لاستحضار عبرها، أو لتجنّب كوارثها المهولة. أما جُرحها في الأفراد أو الذين انخرطوا بها مباشرة و خاصة العائلات التي ثكلت وتثكل أبناءها، فيبقى غائراً في النفس ولا يندمل بسهولة.

ولم يثبُت أن الانسان أو الحكام ، او الدول تعلموا دائما من التاريخ . فحتى أوروبا التي خاضت حروباً وحشية ضد نفسها وضد الآخرين، من خلال الحروب الدينية والاستعمارية الخارجية، وبعد أن أنتجت فكراً سياسياً حديثا يضبط السلطة، ويلجم نزوات الحاكم أو الاقلية الحاكمة، شهدت في النصف الاول من القرن العشرين أبشع حربين واكثرها دمويةً، على النفوذ والسيطرة والثورة . وهذا لا يعني أنّ أمماً غير أوروبية؛ إسلامية وأفريقية، وأسيوية وغيرها، لم تعرف الحروب والنزاعات الأهلية والمذهبية، التي بعضها ناجم عن أسباب تاريخية داخلية، واخرى عما خلفه الاستعمار التقليدي والكولونيالي . وها هو هذا الغرب بقيادة الامبريالية الامريكية، يغذي الحرب العدوانية التي شنتها روسيا على أوكرانيا، قبل عامين، دون حساب للاوراح والخسائر المادية المهولة ولمستقبل شعب هذا البلد الذي غُرّر بالرئيس، زلنسكي، وتحويله إلى لوكيل صغير لهذه الامبريالية. وليست الحرب العدوانية المندلعة على أرض فلسطين منذ مئة عام ، والتي نشهد حالياً إحدى أبشع فصولها، في قطاع غزة، إلاّ إحدى إفرازات العدوان الاوروبي القديم ، المستمرة، على المنطقة العربية وفلسطين.

إن النظام الرأسمالي الإستعماري الذي خلق إمتداداً استيطانياً اوروبيا عدوانياً له في فلسطين، يواصل تغذية الحرب والقتل، بالمعنى الحرفي للكلمة، في بلادنا وضد شعبنا الفلسطيني. وهو ليس مستعداً لممارسة أي شكل من اشكال الضغط على الكيان الذي خلقه هذا النظام العالمي، ليلتزم بالقوانين الدولية مع أن ولادة هذا الكيان حظيت بشرعية من منظمة الامم المتحدة وقوانينها، وبما فيه من قبل كلا المعسكرين الكبيرين الناشئين، المتخاصمين، بعد الحرب العالمية الثانية، الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفييتي، من خلال قرار التقسيم. وترفض الولايات المتحدة تطبيق القانون الدولي على إسرائيل، وتواصل توفير مظلة حماية من العقاب . بل حتى بعد أن اعترفت الضحية، او من مثل الضحية، اي القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية، بحق اسرائيل بالوجود وقبلت بدولة على ٢٢٪؜ من فلسطين، واصلت التوسع الاستيطاني وقتل الفلسطينيين، وقمعهم وسجنهم، و اللجوء الى تطوير فنون وآليات السيطرة والإيذاء . اما المعسكر الغربي الداعم، فإنه يعتبر كل مقاومة شرعية للممارسات الاستعمارية والحصار المفروض على جميع أبناء شعبنا ارهاباً.

ملاحظات ضرورية وتساؤلات

لا تزال تداعيات الحدث في بداياتها، وأولها الكارثة الانسانية، المتشكلة عن إطباق الحصار الوحشي الكامل، على قطاع غزة، وحرب الإبادة التي يشنها الكيان الاستعماري، للمرة السادسة او السابعة، على شعبنا المسجون هناك منذ حوالي عقدين، في ظروف بالغة الشدة والقسوة. وإذا كانت الحكومات الغربية الحليفة للكيان تُجدد دعمها وتأييدها السياسي والإعلامي والعسكري، المطلق، وتعتبر أن شعب هذا القطاع يستحق حرب الابادة، عقاباً على قيام أبنائه بتحطيم جدران السجن بحثاً عن الحرية، ولا يقابل ذلك بموقف حازمٍ من بقية دول العالم ، ولا من الانظمة العربية، فإن الايام القادمة أو الأسابيع القادمة على الأكثر، ستشهد إنقلابا في المشهد، وتحديداً المشهد الاعلامي والجماهيري، بعد أن يتضح هول الحرب الإبادية، وانكشاف الاكاذيب بخصوص ارتكاب فظائع مزعومة خلال اقتحام لمعسكرات الجيش الاسرائيلي ومستوطناته، في محيط قطاع غزة . و لا يعني هذا أننا نؤيد انتهاكات لحقوق الانسان أو لقواعد الحرب، حتى لو جاءت من طرف الضحية. وفي هذا السياق، فإن جماهير شعبنا الفلسطيني، في الضفة الغربية بما فيها القدس، والتي يسقط فيها الشهداء تضامناً مع أهالي القطاع، و كذلك فلسطينيو ال ٤٨ ، سيجدون أنفسهم أمام الواجب الوطني والانساني، للتحرك الشعبي، احتجاجاً على التوحش الاسرائيلي المتصاعد، ودعماً لنضال شعبنا بالحرية والتحرر . وهذا الجزء من شعبنا، أي فلسطينيى٤٨، الذين تضيق دائرة القمع والحصار حولهم، وضد حقوقهم، وانتمائهم، بل ضد حقهم بالحياة، من خلال السلب والهدم وتفعيل منظمات الإجرام ضدهم، يحتاج كما غيره من تجمعات الشعب الفلسطيني، إلى التضامن الداخلي، والتنظيم الذاتي، وتوطيد الرابط مع قضية شعبنا التحررية. أما بخصوص الاسئلة لما بعد، فأحدها سياسي. وهو هام جدا. لأن لا حربَ بدون أهداف سياسية، وكل حرب يعقبها حل أو تسوية. وقد يبدو هذا السؤال سابقا لأوانه، خاصة وأنّ الحرب لا تزال في بدايتها، وأيضا ليس معروفاً ما إذا كان حزب الله سيدخل المعركة أم لا، وما يعنيه بالنسبة لوجهة الصراع ومآلاته. بل ليس معروفا ما اذا كانت حركة حماس والجهاد الاسلامي، معولة مسبقا على تدخل عربي وإقليمي، فيما يعرف بوحدة الساحات، او أن هناك خذلان من الحلفاء. لكن هذا السؤال بُدء بالتداول فيه، في أوساط مراقبين، ونخب، على شكل تساؤلات، أو من خلال إستحضار مقارنات مع ما تمخضت عنه حروب عربية أو مواجهات وإتفاقات، فلسطينية اسرائييلية، في الماضي. وهو ؛ هل سنكون أمام اتفاق تسووي كما حصل مع مصر بعد حرب عام ٧٣، وهي إتفاقية كامبد ديفد الكارثية التي أخرجت مصر من المواجهة العربية، وحصلت في مقابل ذلك على سيناء منقوصة السيادة! أو هل سنكون أمام اتفاقية شبيهة باتفاقية أوسلو الذي كرس اسرائيل كياناً استعمارياً ومنكراً للحق الفلسطيني! . وهل زيارة وزير خارجية الامبريالية الامريكية، أنتوني بلينكون، إلى السلطة الفلسطينية، بعد زيارة التضامن مع إسرائيل، هي إعداد هذه السلطة لما بعد هزيمة المقاومة في غزة، المأمولة صهيونيا وامريكيا، ومعهم ملوك الطوائف العرب، لتكون مسؤولة عن غزة. وهل ستقبل السلطة بهذا الدور الوكيل! أم أن الشعب الفلسطيني، وربما الشعوب العربية، سيكونون أمام منعطف كفاحي وسياسي مختلف كليا، بفضل ٧ اكتوبر ! . إن جميع هذه الاسئلة الخطيرة مفتوحة على كل الاحتمالات . وفي علاقة مع هذا السيناريو الاخير ، أي أن يدشن ٧ أكتوبر منعطفاً فلسطينياً كفاحياً تحررياً، نفهم من الحرب الهمجية الصهيونية الحالية، على الناس المدنيين، والحجر، أنه ليس دافعها الانتقام فحسب، أو استعادة صورة الجيش المذلول فحسب، بل الأخطر بالنسبة لكيان الابرتهايد هو تحول عملية ٧ اكتوبر الى نموذح محاكاة من قبل الشعب الفلسطيني كله، والشعوب العربية، التي تتابع بعواطفها الجياشة هذا الحدث الكبير وغير المسبوق. ولسان حال إسرائيل يقول، أننا سنقضي على كل أثر لهذا الإذلال، ونعيد كي الوعي ومنع نمو الاعتقاد بامكانية هزيمة الاحتلال والاستعمار وتحقيق العدالة والمساواة للشعب الفلسطيني ولليهود، الذين هم ايضا ضحية الحركة الصهيونية والمستعمرين الاوربيين، واطماعهم وحروبهم. ولكن كما يؤكد غالبية الخبراء الاستراتيجيين، الاسرائيليين، فإنه لو تمكنت اسرائيل من محو غزة، وهي عملية مستحيلة، فإن التعافي من أثار هذه الضربة للجيش غير ممكن، وسيتجلى في ضعف الثقة بالنخبة السياسية وبهذا الجيش. و بحسبهم فإن هذا سيبعث فيهم شهية الاعداء للاستقواء على منظومة الابرتهايد والقهر . أما بالنسبة لأصدقاء نظام الابرتهايد، فان صورة إسرائيل القوية، والجيش القوي، لن تعود كما كانت في السابق. أما الانظمة العربية الساقطة، والتي تهافتت للإحتماء باسرائىل، على حساب معاناة الشعب الفلسطيني، فإنها ستجد نفسها أكثر عرياً وانفضاحاً، ولذلك هي تتمنى هزيمة المقاومة، حتى لو تم تدمير غزة بالكامل. لذا فإن معركة التحرر الفلسطيني من نير القهر والاستعمار، و من أجل التحرر والعدالة، والسلام الحقيقي، معقدة و طويلة. لكن صمود هذا الشعب الاسطوري، وقدرته على التحمل والخلق، يؤكد بأنه ليس ممكناً إسكات صوت العدالة، و الحق في الحياة .