الهجوم الذي بدأ في "السابع من أكتوبر" وإعلان معركة "طوفان الأقصى"، والنتائج التي ترتبت عليها من تداعيات كبيرة ومُزلزلة على دولة "إسرائيل" فرضت مَشهد جديد قلب كل ما كان يَعمل عليه "سِياسي" دولة "إسرائيل" وعلى رأسهم "نتنياهو" والذي أساسه المحافظة على الإنقسام الفلسطيني بإبقاء حركة "حماس" مُسيطرة على قطاع "غزة" و "السلطة الفلسطينية" مُسيطرة على كانتونات المدن في الضفة الغربية، وبما يؤدي ذلك لمنع توحد الشعب الفلسطيني ومنع قيام دولة فلسطينية وفقا لقرارات الشرعية الدولية عبر "حسم الصراع" بفرض أمر واقع إستيطاني يمنع أي إمكانية لقيامها، وكانت تلك السياسة تتلخص في مقايضة "الأمن" مقابل " معيشة السكان" في "غزة"، و "الأمن" مقابل "الإزدهار الإقتصادي" في الضفة، تلك السياسة التي أدت إلى تدهور "الأمن" وتدهور "الإقتصاد" ككل.
ما حدث من هزيمة وإذلال أمني إستخباراتي وعسكري وسياسي لكل المؤسسة الصهيونية الحاكمة في دولة "إسرائيل" لم تشهد له مثيلا منذ تأسيسها عام 1948 وأدى إلى ظهور أهداف جديدة علنية ظاهرة وأخرى غير ظاهرة خرجت من الأدراج المُغلقة، خُطط "إسرائيلية- أمريكية" يتم تفعيلها بما يُؤدي لسيطرة "أمريكية" كاملة على المنطقة ككل لعدة عقود أساسها الأول والأخير "إسرائيل" المُهيمنة على المنطقة بوظيفة أكبر مما كان قبل ذلك، بحيث تكون ليس فقط قاعدة مُتقدمة أمريكية أو "حاملة طائرات كبرى" وفق "بريجنسكي"، بل جزء من شراكة تامة في المصير وفي المصالح، تقود المنطقة وتُطوعها كاملة للإرادة الأمريكية وبدون أذرع "إيران" أولاً، وثانية ب "إيران" المُدجنة.
الأهداف المعلنة وغير المُعلنة:
حددت إسرائيل هدف الحرب القائمة على قطاع غزة بأنها تهدف إلى إنهاء ما أسموه "حكم حماس"، ولا حقا فصلوا الهدف بأن الحرب هي من أجل القضاء على "البنية السياسية والعسكرية" لقيادة حركة "حماس"، وبعد ذلك فصلوه أكثر بحديثهم عن تدمير "مترو الأنفاق" وإعتقال أو قتل كل "قيادة حركة حماس العسكرية والسياسية في قطاع غزة" وعلى رأسهم قائد "حماس" "يحيى السنوار"، بل إن "داني أيالون" نائب وزير الخارجية السابق صرّح "للجزيرة" قائلاً: "إذا إستسلموا ورفعوا أيديهم وسلموا أسلحتهم سنعيد بناء غزة"، في حين الأهداف غير المُعلنة تتلخص في تصفية القضية الفلسطينية نهائيا عبر تطهير وتهجير سكان قطاع غزة كمقدمة لتوطينهم وفق خطط قديمة جديدة في "سيناء" بحيث يتم إفراغ القطاع من سكانه وتحت حجة أن وجودهم يُهدد أمن دولة "إسرائيل"، وصرّح بذلك "داني أيالون" علنا بقوله " نحن لا نقول للمدنيين في غزة إذهبوا للبحر وإغرقوا..فليذهبوا إلى صحراء سيناء فهناك مكان كبير فارغ" وأضاف " هذا الكلام ربما لأول مرة سيقال..فكرتنا هي كالتالي، يخرج المدنيين من غزة إلى سيناء وسنقوم مع المجتمع الدولي بتأسيس بنية تحتية لهم وخيم ونوفر لهم الغذاء والماء، تماما كما حدث مع اللاجئين السوريين في تركيا" وبما يؤسس للمرحلة الثانية وهي "تهجير" سكان الضفة الغربية.
أما الهدف الثاني غير المُعلن يتلخص في جر "حزب الله" للمعركة بهدف توجيه ضربة قاسمة له بمشاركة قوات "حلف شمال الأطلسي" وعلى رأسها "الولايات المتحدة الأمريكية"، وبما يؤدي ذلك أيضا لحسم الصراع مع "إيران" عبر جرها أيضا للمعركة أو ضربها لاحقا بعد قَسْمِ ظهر أذرعها وبالذات "حزب الله"، ولذلك نرى تكديس حاملات الطائرات الأمريكية والقطع البحرية البريطانية في البحر "المتوسط" وزيادة عديد القوات والطائرات الهجومية في القواعد الأمريكية في المنطقة، إضافة للمواقف الأوروبية الداعمة بقوة لهذا المُخطط وتحت ذريعة يحق لِ "إسرائيل" الدفاع عن نفسها وحماية مواطنيها وحدودها.
طبيعة المعركة وإرتباطها بالأهداف
يتضح بما لا يقبل للشك أن طبيعة ما يجري الآن في قطاع "غزة" من قصف تدميري شامل لكل شيء ومن الحصار الذي يشمل حتى النواحي الإنسانية وغير المسبوق منذ حرب "سولفرينو" عام 1859 بين الجيشان "الإيطالي والنمساوي" في شمال "إيطاليا" والتي أدت لاحقا لنشوء وتأسيس "لجنة الصليب الأحمر الدولي" عام 1863، حيث لا مكان فيه ولا حُرمات للقوانين الإنسانية في الحروب، وهذا يؤكد أن التوجه لتحقيق الإهداف المُعلنة وغير المُعلنة أعلاه يتم عبر تطهير وتهجير للسكان الفلسطينيين لإحداث "نكبة" ثانية، وتسوية قطاع "غزة" بالأرض، لتمكين القوات البرية "الإسرائيلية" والمدعومة من "الأطلسي" من الدخول لتحقيق ما أسمته هدم ومسح شامل لِ "حكم حماس"، وبما يؤدي ذلك بالضرورة وحتماً لتوسيع المعركة في المنطقة لأجل تحقيق الأهداف الأخرى.
أمريكا ومعها بالطبع "إسرائيل" وجدت أن ما حدث في "السابع" من "أكتوبر" فرصة سانحة لأجل تنفيذ مُخططاتهم المُجرمة والقاضية بفرض السيطرة الكاملة على المنطقة في خضم الصراع القائم حاليا في العالم ككل، وهنا نشير لظهور عديد من الفرص:
** الفرصة سانحة إسرائيليا لتصفية القضية الفلسطينية عبر مفهومي "التطهير والتهجير" وبما يشمل القطاع والضفة الغربية.
** الفرصة سانحة أمريكيا لفرض إرادتها على المنطقة في مواجهة المارد "الصيني" وتنفيذ مشروع طريق "الهند-إسرائيل-أوروبا".
** الفرصة سانحة للتخلص من أذرع "إيران" أولا ولاحقا تدجين الحكم في "إيران" وبالتالي منع تمدد النفوذ "الصيني والروسي" للمنطقة الأكثر حيوية من حيث الطاقة والموارد الأخرى الغنية فيها والسيطرة على الممرات البرية والبحرية. أي القضاء على مفهوم "المقاومة" ككل وبما يشمل كافة الجغرافيا في "غرب آسيا".
** الفرصة سانحة لأجل العمل على "تأبيد إسرائيل" في المنطقة كمهيمن ومُسيطر عليها بدون مشكلة "فلسطينية" (تهجير الفلسطينيين إلى سيناء والأردن)، وبما يسمح لأمريكا لكي تغادر المنطقة لأجل محاصرة "الصين".
** الفرصة سانحة لجماعات الدولة العميقة الأمريكية لتعويض هزيمتهم في "أوكرانيا" أمام "الروسي" لصالح تحقيق نصر في منطقة "غرب آسيا" بإسم الدفاع والحماية عن دولة "إسرائيل" وبما يؤدي لكسب الإنتخابات الرئاسية القادمة.
المسافات بين الفرصة والواقع
لا أحد يستطيع التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه المعركة الجارية والحاسمة والتي تجري رحاها عبر تدمير مُمنهج لكل الحضارة "الغزاويّة" ومجازر ضد سكان قطاع "غزة" المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، وبشكل لا يمكن مقارنته بطبيعة أي معركة أخرى "معركة لينينغراد، وقصف دوسنبرغ" كونها تدور في أصغر بقعة جغرافية في العالم مزدحمة بالسكان الذين لا مكان لهم يذهبون إليه في تلك المساحة وفي محاولة واضحة لتنفيذ الهدف غير المُعلن "التطهير والتهجير"، وكل ذلك يجري بدعم غربي منقطع النظير وبلا أي أخلاق أو قوانين إنسانية مُقرة دوليا في زمن الحرب، ويُشير أيضاً إلى أن توسيع "المعركة" وجر "حزب الله" ولاحقا بقية "محور المقاومة" للمعركة أصبح لا مَفرَّ منه وبهدف تطبيق الخُطة غير المُعلنة أيضاً تجاه المنطقة ككل بإعتبار أن ما حصل وما يحصل هو فُرصة.
لكن بين إستغلال "الفُرص" لتحقيقها وبين "المآلآت" مسافات، لأن طبيعة القوة التي يُخططون لإستخدامها والمستخدمة الآن ضد "قطاع غزة" قد ترتد عليهم بقوة أخرى معاكسة في الإتجاه لكن في مقدارها ستكون عظيمة وستُفشل كل مخططاتهم وبما يؤسس لمعادلة جديدة في كل منطقة "غرب آسيا" يكون فيها الحضور الفلسطيني أولا وقبل كل شيء واقع مفروض، لذلك نستطيع القول أن المعركة الحالية مصيرية ونهائية بالنسبة للكل الفلسطيني ولكل "محور المقاومة" وعلى رأسه "إيران"، وأيضا للحضور "الصيني" و "الروسي" وبما يؤسس للتعددية القطبية العالمية.
إن تلك المسافات ستقلب فرصهم إلى جحيم، وطعن وقتل الطفل الأمريكي ذو الأصول الفلسطينية بداية جحيمهم، وستعمل على خلق واقع لن يكون فيه الأمريكي مُهيمن ومُسيطر، بل ستكون هناك محاولات لعقد صفقات لن تكون إلا في صالح "محور المقاومة" وكل ما يقومون فيه من ذبح وإستباحة دماء ضد فلسطينيي "قطاع غزة" مردوده هو "دولة فلسطينية" لا "نكبة" ثانية، خاصة أن تحقيق تلك الفرص التي يحاولون فرضها غير ممكنة لدى رجال عقدوا العزم على الإنتصار أو الشهادة، وعلى شعب لا خيار أمامه سوى الصمود والتحدي، ولا مكان لها أيضا لأن هناك "محور مقاومة" أخذ القرار الذي لا رجعة عنه، قرار المواجهة مع الكل "الأمريكي" وما أدراك ماذا يعني ذلك؟..قرار مصيري لأن المعركة مصيرية ولن تستثني أحد وبالذات أذرع "المقاومة" في "لبنان" و "سوريا" و "العراق" و "اليمن"، فالكل الآن في قارب واحد، والنجاة هو قرار جمعي ولا مكان فيه للغرق، و "غزة" لن تذهب من الوجود وأهلها باقون "لأن للحلم دائما بقية"، وبقية هذا الحلم هو الحرية والإستقلال والعيش الكريم، لذلك لن تُترك "غزة" وحيدة إلا إذا قرر محور المقاومة الإنتحار ووضع رأسه في "الرمل" وأجزم أن ذلك غير وارد في قاموسهم.