قبل تسعة أيام فقط كانت عصابات المستوطنين الموجهين من حكومة دولة الصهاينة تمارس أعمال الترهيب والتدنيس والحرق على كامل مساحة الضفة الغربية المحتلة، ووصلت الأمور بعد أن تجاوزت التعديات والاستفزازات حد اللامعقول بالرئيس الفلسطيني محمود عباس أن طالب العالم بالحماية واستخدم عبارة مهينة، اعتبرت فلسطينيا مسيئة للشعب الفلسطيني بقوله "اعتبرونا حيوانات"، وهذه العبارات تعبر عن العجز التام، ولا تصدر إلا من يأس من أي حماية دولية أو حل ممكن حتى بالحد الأدنى بل ما دونه، وفي حين كانت صرخاته للعالم تطالب بحماية الشعب الفلسطيني كانت الإدارة الأمريكية تعمل وبشكل حثيث على إسقاط أهم دولة عربية وإسلامية في شبكة التطبيع ليتبع ذلك تطبيع كامل وشامل مع كل العالم العربي والإسلامي وتصبح دولة إسرائيل صديقة، وكان كل ما تبقى لإعلان التطبيع الرسمي مع السعودية بعض الخطوات البروتوكولية ليس إلا وما تسرب من كواليس الاجتماعات الفلسطينية السعودية يتبين أن لا مكان للفلسطينيين في الاتفاق الذي أصبح شبه جاهز، إلا مساعدات مشروطة بإيقاف كل الإجراءات القانونية الفلسطينية في المؤسسات الدولية ضد دولة الصهاينة، وهذا إذا صح (والمصادر سعودية) يعني إيقاف حركة النضال الدبلوماسي والقانوني الفلسطيني وهو كل ما تبقى من أساليب نضالية لحركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية التي نبذت الكفاح المسلح واعتبرته ضاراً وله تكلفة عالية، بمعنى تحويل المنظمة إذا اعتبرنا أنها ستبقى موجودة فعلا ولو بالاسم، دون الفعل، وتعبر عن صفتها وتمثيلها وصفتها النضالية بعد تجريدها من كل الوسائل التي تناضل بها إلى سلطة بلدية وهو وصف أحد القادة الصهاينة للرئيس الفلسطيني رئيس بلدية رام الله، وهذا الوصف ليس جديداً فقد استخدمه الصهاينة عدة مرات، بل إن قادة اليمين المتطرف الذي وصل للسلطة في دولة الصهاينة طالبوا وعلى لسان سموتريش وزير المالية بأنه لا يمكن للسلطة الفلسطينية ان تستمر إلا إذا جردت من أي صفة سياسية وأصبحت خدماتية .
في ظل كل هذا الهوان والضياع وفقدان الأمل بل اليأس التام، حيث أصبح الفلسطيني مجردا من أي حماية ولو معنوية من قبل أشقائه العرب، حدث الحدث الذي زلزل دولة الاحتلال وقادتها وحماتها في البيت الأبيض وأوروبا، فرنسا وبريطانيا، وألمانيا وإيطاليا، وغيرها، كان ذلك الحدث طوفاناً وهكذا سمي فلسطينياً، وبعد الصدمة وحالة الانهيار والشلل في دولة الاحتلال الذي استمر ساعات طويلة، دعاها الغرب الاستعماري للنهوض عارضاً المشاركة في المعركة وتأمين الحماية بإرسال البوارج وفتح أبواب التطوع للقتال في في فلسطين المحتلة ضد شعب شبه أعزل، حتى لو أدى ذلك لإبادة سكان قطاع غزة جميعاً.
في ظل هذه الأجواء ورغم الدمار الشامل الذي أحدثه العدو والقتل المتنقل من بيت إلى بيت في قطاع غزة أعلن عديد القادة والإعلاميين الصهاينة أن ما حدث يعتبر فشلاً تتحمله الحكومة الفاشية الحاكمة في دولة الاحتلال ومن صرح بذلك هو أحد أشد الصهاينة الدينيين تطرفاً وعنصرية وزير مالية الاحتلال الأوكراني الأصل "سموتريش"، وهذا إذا عنى شيئاً فإنه يعني أن مخططاتهم التي كانت تعمل ببطء لخلق حالة خوف ورعب لدى الشعب الفلسطيني في الضفة تؤدي إلى الرحيل من أرضه من خلال سياسة التطهير العرقي الممنهجة بتشكيل ما سمي حرس بن غفير القومي، وتحييد حركة حماس من الصراع وحصرها في حركة الجهاد تبين أنها وهم.
وإلى جانب الفشل العسكري حيث أبيدت فرقة غزة خيرة قوات نخبة قوات الاحتلال وقادتها وتحولت بين قتيل وجريح وأسير، تعرضت دولة الصهاينة وحلفاؤها إلى هزيمة سياسية إذ عادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الأحداث وأصبحت القضية رقم واحد عالميًا وأصبح الجميع بشكل مباشر أو ملتوٍ يتحدث عن حل جذر الصراع وهو القضية الفلسطينية وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
وعليه من يدعي أن طوفان الأقصى مضر وأفعال حركات المقاومة الفلسطينية المسلحة لا تعبر عن تطلعات الشعب الفلسطيني، نوجه له سؤالاً وماذا كان في جعبة دعاة النضال السلمي من فعل لحماية الشعب الفلسطيني ووقف التغول الصهيوني في الدم الفلسطيني والتهميش التام للقضية الفلسطينية حد التلاشي وتحويلها لقضية تسول كبرى لاستمرار المؤسسات وتأمين الغذاء والعمل .
في هكذا ظروف حيث تلتقي البطولة والأمل والألم الأفضل ترك التعليقات والتصريحات التي تسيء للنضال الفلسطيني المسلح، فالتاريخ يسجل ولا يرحم من يقف متفرجا، بل لا يرحم المحايد أو الصامت، والقول الفصل، إذا لم تستطع أن تنصر المظلوم بالسلاح انصره بالقبضة وإذا لم تستطع فبالإعلام، وإذا كنت من الخائفين اصمت ففي الصمت أحيانا فعل بأن لا تحبط المقاتلين وداعميهم من الأحرار المستعدين دائما للتضحية.