الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الأولوية لوقف الحرب ونجدة شعبنا في غزة| بقلم: جمال زقوت

2023-10-17 01:37:13 PM
 الأولوية لوقف الحرب ونجدة شعبنا في غزة| بقلم: جمال زقوت
جمال زقوت

لخصت تصريحات المقررة الخاصة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيزا البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والانتهاكات الخطيرة التي قامت وتقوم بها حكومات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، والتي أدت إلى انفجار الأوضاع على تخوم وفي ما يسمى بغلاف غزة، واعتبرت أن الأولوية العاجلة هي وقف القتل الجماعي الذي يتعرض له سكان القطاع من أبناء الشعب الفلسطيني وضرورة إغاثتهم الإنسانية الفورية.

فما يتعرض له القطاع لليوم الحادي عشر هو حرب إبادة وتطهير عرقي، حيث وكما ذكرت العديد من المصادر أن حجم القذائف والمتفجرات والصواريخ التي أُلقيت على بيوت ورؤوس المدنيين في الأيام الستة الأولى من الحرب بلغ حوالي ستة آلاف طن، وهي تعادل حجم ما ألقته الولايات المتحدة على أفغانستان طوال عام كامل من حربها، وقد أعلن المرصد الأورومتوسطي أن حجم القصف على القطاع حتى اليوم العاشر لحرب الإبادة الإسرائيلية يوازي ربع قنبلة نووية.

الفشل الإسرائيلي والهروب للأمام

مظاهر الفشل والارتباك الأمني والعسكري والسياسي لحكومة الاحتلال لم تمنعها من تحديد هدفها العنصري الدفين، الذي سرعان ما كشفته تطورات الحرب والمتمثل بسعي مجلس الحرب بزعامة «نتانياهو – غانتس» لتحقيق جريمة تطهير عرقي تحاكي نكبة عام 1948، فقد أعلن غانتس وفور انضمامه للحكومة أن إسرائيل بصدد إحداث تغيير استراتيجي على صعيد الشرق الأوسط، ورغم اعتراف مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي بالفشل الذريع، إلا أنه اعتبر أن الحرب تتجاوز تصفية حركة حماس.

حرب إبادة وجرائم حرب

حرب الإبادة التي تشنها الطائرات الحربية أحدثت كارثة انسانية، حيث دمرت حتى اليوم الثامن ما يزيد على 13000 وحدة سكنية، وقطاعات أساسية من البنية التحية، وخلفت حتى ظهر أمس ما يزيد على 2750 شهيدا جميعهم من المدنيين، منهم ما يزيد على 800 طفل ورضيع، و600 امرأة، و400 مسن، هذا بالإضافة لما يزيد على الألف شهيد لا يزالون تحت الأنقاض وفق تقديرات الدفاع المدني، والذين فارق عدد منهم حياته لعدم تمكن طواقم الإنقاذ من الوصول إليهم وإخراجهم حتى الآن بسبب نقص المعدات والآليات، هذا بالإضافة لحوالي 11 ألف مصاب لم تعد تتسع لهم مستشفيات القطاع ومراكزه الصحية، ناهيك عن أن أعمال القتل والتدمير هذه تزداد كل دقيقة. ذلك كله يستمر في سياق محاولات حكومة الاحتلال والحرب لحرف الأنظار عن الحاجة الملحة لممرات إنسانية لإخلاء الجرحى وإدخال المواد الطبية والإنسانية، ووقف العقوبات الجماعية التي شملت قطع الماء والكهرباء والوقود والغذاء، واستبدالها بما يسمى ممرات آمنة إلى مصر لتنفيذ مخطط التهجير والتطهير العرقي، ويبدو أن هذا هو الهدف الحقيقي لكل هذه الحرب، الذي يتجاوز «تصفية حماس» كما كشف عن ذلك رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي ذاته .

مصر والصمود الوطني يُفشلان التهجير

اصطدام هذه الخطة القذرة بالموقف المصري الذي سبق ونبهت له الجامعة العربية، وهو نفس موقف القادة العرب الذين التقى بهم بلنكين، دفع حكومة الاحتلال إلى محاولة تنفيذها كأمر واقع على مراحل، بالدعوة إلى إخلاء مليون إنسان من مدينة غزة وشمالها إلى وسط القطاع، الأمر الذي اعتبرته المقررة الخاصة لحقوق الإنسان تطهيرًا عرقيًّا و جريمة حرب. هذا يوضح أيضا أن حكومة الحرب تريد تطهير القطاع من السكان تدريجيا لتتمكن من تصفية المقاومين خلال اجتياحها البري المتدحرج نحو الجنوب، والذي تعد له على مدار الساعة، مدركة حجم الخسائر البشرية والمادية التي ستلحق بجيشها، في محاولة منها لتقليل الخسائر التي ستطيح بها، وليس حرصا على السكان المدنيين، الذين تعتبرهم إسرائيل عدوها الرئيسى، و تسعى للتخلص منهم بالتهجير والقتل، وهذا ما يفسر قصف قوافل نقل هؤلاء النازحين، وكذلك قصف البيوت التي انتقلوا إليها وسط القطاع. الهدف الرئيسي من ذلك هو إغراق المدنيين كلاجئين في صحراء سيناء وتوطينهم فيها أو نقلهم إلى المنافي البعيدة لاحقًا. فإسرائيل التي حاولت إسقاط المعادلة الديموغرافية بعزل القطاع عبر الانقسام وتعزيز الانفصال، فاقت في السابع من أكتوبر على كارثة حقيقة وحدت الشعب الفلسطيني، أكثر مما هي كارثة الفشل السياسي بإنكار حقوقه والتنكر لمجرد وجوده كشعب، أو كارثة فشلها الأمني والعسكري والاستخباراتي على تخوم غلاف غزة.

كي لا تضيع التضحيات بلا ثمن

ما ولدته هذه الحرب من كارثة إنسانية ومخاطر استراتيجية، يضعنا كفلسطينيين على مفترق طرق؛ إما أن نبدد الثمن الكبير الذي يدفعه شعبنا من دماء أبنائه على مدار أكثر من خمسة وسبعين عاما وصلت ذروتها في حرب الإبادة والتصفية الجارية اليوم، وما رافقها من صمود أسطوري منذ معركة الكرامة وصمود بيروت وانتفاضاته ومقاومته الشجاعة وصولاً للحروب المتصلة على قطاع غزة، والمجازر التي ترتكب في مدن وبلدات ومخيمات الضفة، أو أن نجعل من مأساة هذه الحرب فرصة لإعادة بناء الهوية الوطنية ومؤسساتنا الجامعة التي طالما شكلت غزة وأهلها رافعتها التاريخية منذ النكبة حتى اليوم وغدا. هذا الأمر منوط بقدرة شعبنا على أن يهيل التراب على مأساة الانقسام، الذي شكل على مدار السنوات الماضية الثغرة الأخطر التي شجعت إسرائيل على المضي بمخططات التصفية، وعدم السماح لحكومة الحرب بتمرير ألاعيبها القذرة بالحديث عن تسليم غزة للسلطة بعد إبادة شعبنا فيها. فإذا كان هدف هذه الحرب الدموية تهجير أبناء شعبنا في القطاع، فإن مخططات ضم الضفة وتصفية قضية شعبنا تتضمن أيضًا سيناريوهات تهجير أبناء شعبنا نحو الأردن، فمخططات الوطن البديل هي جوهر سياسة حكومة «نتانياهو ـ سموتريتش ـ بن غفير» ، وهذا ما نبه الملك عبد لله من مخاطره خلال اليومين الماضيين .

الوحدة والصمود صمام أمان النصر

دعوة مصر لمؤتمر إقليمي دولي لمواجهة مخاطر ما يجري، يستدعي أيضا دورا عربيا موحدا وجادا لإنهاء الانقسام واستعادة وحدة الوطن ومؤسسات شعبنا، فهي التي تقع عليها مسؤولية ليس فقط وضع حد لمحاولات تصفية قضية شعبنا وتهجيره، بل وفتح الطريق لمقاربات مختلفة لإنهاء الاحتلال والظفر بالاستقلال الوطني.

شعب فلسطين تعلم الدرس ولن يسمح بنكبة جديدة. فهل تدرك القيادات، التي ما زال بعضها يعيش في الأوهام حجم المخاطر التي تستهدف الجميع، والأهم هل يدركون واجباتهم لمواجهتها؟!.. فالأولوية الوطنية العليا تكمن في التصدي لهذه المخططات، وما يستدعيه من وحدة الموقف والخطاب لوقف الحرب ونجدة شعبنا في القطاع، وإلا فسنؤكل جميعًا كما أُكل الثور الأبيض .