الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مجزرة المعمداني.. هل من بعد سياسي؟/ بقلم: علاء أبوعامر

2023-10-18 01:11:58 PM
مجزرة المعمداني.. هل من بعد سياسي؟/ بقلم: علاء أبوعامر
علاء أبوعامر

يشير البعض إلى أن مجزرة الحرب الصهيونية الأكبر خلال الحرب القائمة على قطاع غزة في مستشفى المعمداني ليست كباقي المجازر الأخرى التي ما زالنا نسمع عنها ونشاهدها تتكرر كل ساعة كل يوم داخل قطاع غزة بفعل الهجمات الإسرائيلية من الطيران والمدفعية والبحرية ذات القدرات التدميرية الهائلة، حتى بتنا لا نستطيع إحصاء عددها، هي مجزرة  ارتكبها العدو  لتعطي بعداً سياسياً حيث جاءت لتفشل القمة الرباعية في عمان وأطرافها الرئيس الأمريكي بايدن والمصري السيسي والأردني عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني أبومازن، التي كانت تهدف بحسب هذا البعض لإيجاد حل للحرب المحتدمة بين قطاع غزة ودولة الصهاينة المحتلين بما تحتويه هذه الحرب من مأسٍ إنسانية فلسطينية لا طاقة لسكان القطاع المحاصر الصامد على تحملها، حيث ما تسعى إليه آلة الحرب الصهيونية الإجرامية من أهداف التهجير القسري الذي يحمل طابع التطهير العرقي لأكثر من اثنين مليون وثلاثمائة ألف فلسطيني من قطاع غزة إلى سيناء وكأن الاجتماع لو تم سيوقف هذه العملية.

فهل حقاً كان يمكن لهذا الاجتماع أو اللقاء أن بفعل أي شيء إيجابي لصالح سكان قطاع غزة المحاصرين والذين يتعرضون لحرب إبادة يومية يشاهدها العالم ويغمض عينيه عنها، البعض المتوازن أخلاقيا يساوي  بين الضحية والجلاد بين من هم تحت الاحتلال ومن يحتلون الأرض ويمارسون بحق الشعب الفلسطيني سياسات القمع والقتل والحصار الخانق  والتطهير العرقي والتهجير القسري، دعونا نناقش الأمر من خلال منطق السياسة لا التمنيات أو الأمل أو الرهان على موقف أمريكي متوازن ذو بعد إنساني كما يتوهم هذا البعض الذي ما زال يريد أن يخلط الأوراق ويمنح السياسة الأمريكية والرسمية العربية إمكانية لتحقيق ما يتخيلون أنه ممكن.

إن المأزق الذي نعيش بدأ عندما طرحت الرسمية العربية في ثمانينات القرن الماضي شعاراً يائساً تقول فيه  عليكم "أنقاذ ما يمكن إنقاذه" وتحت هذا الشعار تمت صياغة ما أطلق عليه المبادرات العربية المتتالية من مبادرة الملك فهد إلى مبادرة قمة فاس إلى مبادرة السلام العربية في بيروت وما بينها من مبادرات ومؤتمرات كمدريد وواي ريفر وكامب ديفيد… وعلى رأسها أوسلو التي حملت في طياتها تنازلا عن 78‎%‎  من أرض فلسطين دون الحصول على أي مقابل سوى تحويل مناضلي منظمة التحرير الفلسطينية إلى حراس للمستوطنين الغاصبين ومستوطناتهم في الضفة الغربية المحتلة ولمجتمعهم في الأراضي المحتلة عام 1948 وتسويق وهم أن هذا الفعل وهذا التنازل هو في مصلحة الشعب الفلسطيني وأن هذا الممكن الوحيد وغير ذلك هو إزهاق للأرواح حتى وصل الأمر لتحريم الكفاح المسلح لأنه انتحار.

ثلاثون سنة من بيع الوهم ولم يتعب أو يخجل أولئك النفر من العرب الذين مازالوا يرددون أن الحل هو دولتين ولا حل آخر، وهم يعلمون أنه وفقاً لقادة العدو ومجرم الحرب طوني بلير ممثل اللجنة الرباعية الدولية في الشرق الأوسط ومبعوث الأمين العام الحالي للأمم المتحدة هذا الحل لم يعد ممكنا بفعل الاستيطان الذي ابتلع أراضي الضفة الغربية ووطن فيها ما يقارب 800 ألف مستوطن.

هل زيارة الرئيس بايدن هدفها إطفاء الحريق؟ هل هدفه إيقاف المجازر؟ هل هدفه الدفع بعجلة التهدئة وإحلال السلام؟ 

كان الرئيس بايدن وأركان إدارته قد أعلنوا أن لدولة الصهاينة الحق في الدفاع عن نفسها بل أن وزير الخارجية الأمريكي بلينكن جاب المنطقة العربية للموافقة على جريمة التطهير العرقي التي تنوي فعلها دولة الصهاينة لطرد الفلسطينيين من وطنهم إلى سيناء، وشارك في مجلس الحرب الصهيوني الذي ضاعف التدمير والقتل منذ ذلك الاجتماع وكانت إحدى نتائجه مجزرة المعمداني، بمعنى أن من يريدون الجلوس إليه هو من يتبنى السياسة الصهيونية وينفذها بإرسال حاملات طائراته وقنابله الذكية ذات القدرات التدمير الهائلة لأحياء قطاع غزة، بل وجاءت الولايات المتحدة لتهدد وتتوعد كل من يحاول مساعدة الشعب الفلسطيني المظلوم، وأرسلت قائد القيادة الوسطى ليتفقد أرض المعركة وأرسلت ألفين من جنودها للمشاركة الفعلية في الحرب بالإضافة لثلاثين ألف آخرين سيكونوا جاهزين للتدخل في المعركة مع غزة  في أي وقت تطلبه قيادتهم.

إذًا ما الذي كان منتظراً أن يحققه زعماء العرب الثلاثة  من لقائهم بايدن، هل كانوا سيرجونه أو يتوسلون إليه أن يخفف الصهاينة القصف ويجعلونه أقل تدميرا أو أقل قتلا؟ أو ربما تحميل المدمرات الجوية أغصان زيتون وورود لإلقائها على الأحياء المدنية الفلسطينية كعلامة للسلام؟ أو ربما يتوسلون إليه لإدخال الماء والدواء والطعام بينما تواصل القوات الأمريكية -الصهيونية عملياتها العسكرية؟  أو ربما سيإخذ الزعماء العرب وعداً أمريكيا بصناعة السلام بعد القضاء على حماس وحكمها ومقاتليها في قطاع غزة؟  

أي سياسي  ليس مخضرماً بل حتى مراهقاً يعلم علم اليقين أن الحل ليس في هذا اللقاء الذي كان من المزمع عقده بل في خطوات عملية تستطيع القيادات الثلاثة تنفيذها بقرارات سيادية تتمثل بطرد سفراء دولة الاحتلال والتلويح بإلغاء الاعتراف بدولة بإسرائيل، خطوات بسيطة كهذه كانت قادرة على وقف العدوان لأنها تنذر بتهديد المصالح الأمريكية وتنسف مخططات أمريكا في المنطقة  التي عملت عليها منذ سبعينيات القرن الماضي لإذلال المنطقة وتطويعها لصالح مستعمرتها في فلسطين.

لا يفهم الأمريكي والصهيوني أساليب التوسل والبكاء والرجاء هناك طريق واحد يفهمه هؤلاء وهو المقاومة والتهديد بتدفيعهم ثمنا باهضاً اقتصاديا وسياسيا، أما غير ذلك فهو وهم وسراب ككل الوهم والسراب الذي عشناه عقودا.  

وعليه لا رجاء ولا دواء  ولا علاج كان سيتأتى من هذه القمة بل كانت ستتحول القمة بالضغط الأمريكي إلى بيان يدين المقاومة ويمنح دولة الصهاينة غطاء عربيا للقتل والاجرام والهروب من العقاب.

تصريح الرئيس السيسي كاشف إذا أردتم حماية الفلسطينيين المدنيين من القتل لماذا لا تهجروهم إلى صحراء النقب أي داخل فلسطين التاريخية، هذا التصريح يقول بصراحة إن الهدف الأمريكي كان وسيبقى إقناع مصر والأردن القبول بتهجير الفلسطينيين إليهما أي القضاء على القضية الفلسطينية ومنح كل أرض فلسطين للصهاينة أي تحقيق ما لم يستطيعوا تحقيقه خلال 75 عاما في أيام قليلة.

لا أسف على إلغاء اللقاء بل إن المجزرة البشعة في مستشفى المعمداني جاءت من خلال خطأ تكتيكي عسكري صهيوني ربما دون حساب ردات الفعل العربية التي لطالما لم تلقِ الدولة الصهيونية لها بالاً بعد أن ضمنت رضا الحكام وتبعيتهم لها، خاصة بعد أن ضمنت المساندة والدعم الغربي، جاءت أخبار المحررة لتحفظ ماء وجه من أرادوا المشاركة فيه من زعماء العرب وتبقيهم في الحد الأدنى قريبين من قلوب وضمائر ومشاعر شعوبهم التي تحررت من الهوان والذل الذي كانوا يشعروا به بعد عملية طوفان الأقصى التي أعادت للإنسان العربي والمسلم كرامته وكبرياءه ومنحته أملا، بأن الانتصار على العدو ممكن فقط بالكفاح المسلح والاستعداد للتضحية والإيمان بحتمية الانتصار.