رام الله- رعاية خاصة من “الحدث”
ربما لا تكون هذه تغطية صحفية تقريرية بمعناها الحِرفي، وربما أيضا تكون أعمق من تغطية وأعلى من كشف لمستور المشهد الثقافي الفلسطيني تحديداً.
في البدء أُعلن عن انطلاق احتفالية فلسطين للترجمة، بقصد الانتباه لأسماء فلسطينية وازنة حققت حضوراً عالمياً انتصر لاسم فلسطين على صعيد الترجمة - تحديداً من اللغة اللاتينية إلى العربية وبالعكس– وبات من حقهم على المشتغلين في الشأن الثقافي الفلسطيني تكريمهم تقديراً لجهودهم ومساهمتهم في إثراء الثقافة العربية عامة والفلسطينية خاصة، ومن جهة أخرى تكريم من مدّ يد العون وانتبه لمأساة أحد كبار المترجمين العرب الذي شردته نيران الصراع السوري الداخلي، هو المستشرق الإسباني المترجم الدكتور لويس ميغيل كانيادا مدير مدرسة طُليطلة للمترجمين، والذي انتشل الكاتب والشاعر المترجم الفلسطيني الدكتور صالح علماني صاحب المئة كتاب وكتاب في عالم الترجمة، من براثن التيه بعد التشرد من سوريا التي ولد وكبر وتألق وهو بين أحضانها.
ولأن مشهدنا الثقافي الفلسطيني يعاني، كما العديد من الساحات العربية المجاورة، من أمراض لا تخلو من صراعات تقف خلفها خصائص وسمات سيكيولوجية شاذة غالباً ما تقودها شخصية متثاقفة تحرص كل الحرص على إتهام غيرها، يلحظ المرء تلك المحاولات المستميتة لإفشال أو تهميش هذا النشاط أو ذاك، من خلال عمليات العرقلة المتكررة سواء على الصعيد الأدبي أو على الصعيد الإعلامي، خاصةً إذا شعر هذا المتثاقف بأن قدرات هذا العمل أو ذاك المبدع قد تشكل خطراً على الغنيمة المعنوية والمادية التي يحصدها عبر اصطناعه لوهم الثقافة التي ينتمى إليها.
وكي لا نغرق في التحليل والتفسير نستعرض هنا خارطة الحدث «احتفالية فلسطين والترجمة» بكل تداعياته وكامل تفاصيلة دون تدخل أو تحليل لمجرياته، ومن النهاية كما هي أصول العرض التقريري.
الرئيس يمنح المترجمين المكرّمين وسام الثقافة والعلوم والفنون:
منح رئيس دولة فلسطين محمود عباس، وسام الثقافة والعلوم والفنون- مستوى الإبداع لكل من الشاعر الكبير والمترجم الفذ محمود صبح، تأكيدا لدوره المميز وعطائه الوازن في إعلاء راية فلسطين، إبداعا، ووعياً وثقافة. وذات الوسام منح للكاتب والمترجم الكبير صلاح علماني، تقديراً لجهوده الاستثنائية في الثقافة والترجمة الرصينة التي جعلت من شخصيته إحدى علامات الثراء الفكري والثقافي الفلسطيني، وتكريماً لمسيرته الحافلة بالجهد والوفاء لفلسطين وكلمتها العالية وثقافتها الخالدة.
وتسلم الوسام، نيابة عن الكاتب علماني، رئيس الاتحاد العام للكتاب والأباء الفلسطينيين مراد السوداني، وذلك بسبب منع الكاتب علماني من دخول الأرض الفلسطينية.
فيما منح الرئيس محمود عباس، البروفيسور الإسباني لويس ميغيل كانيادا أستاذ الترجمة في جامعة مالقا، وسام الثقافة والعلوم والفنون مستوى الابتكار، وفاء لدوره الفاعل والمتميز في احتضان الثقافة العربية، وذات الوسام للكاتب الفلسطيني الدكتور صلاح جمال أبو علي، اعترافاً بجهوده العالية في تعزيز الثقافة الوطنية، وتعميمها بما يليق بفلسطين، وحضورها في الوعي الكوني.
وحضر التكريم، بالإضافة إلى أمين عام اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينين رئيس بيت الشعر الشاعر مراد السوداني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود اسماعيل، ونائب رئيس الوزراء زياد أبو عمرو، ورئيس ديوان الرئاسة حسين الاعرج، ومستشار الرئيس الدبلوماسي مجدي الخالدي.
الوفد الزائر يقدم ندوة « فلسطين في خيال المترجمين» ويزور مدينتي القدس وبيت لحم
وعقد الوفد الزائر ندوة فكرية بالتعاون مع دائرة الفلسفة في جامعة بيرزيت بعنوان «فلسطين في خيال المترجمين» تحدث فيها الدكتور لويس كانيادا عن علاقته باللغة العربية ومخيلته التي اتاحت له أن يحلم بإزاحة كل المؤنث والمذكر من اللغة كي لا يخطئ في هذه أو تلك، وحلق عاليا حين تناول مفهومه لبعض حروف اللغة العربية التي أحبها حبه للغته الأم «الاسبانية» فكانت هدفه ومشروعه في حفر اسمه إلى جوار العديد من المترجمين المستشرقين، منوها إلى أن الترجمة مسؤولية لا تقل أهمية عن الكتابة نفسها.
فيما ذهب الشاعر والمترجم الفلسطيني د. محمود صبح يستعرض تجربته كأول عربي يتسلم مراكز أكاديمية مهمة في إسبانيا، مشيراً إلى كم الوجع الذي يحصده العربي حينما يُحتضن من الغرب ولا يقدر في بلاد العرب، مسترشداً بالعديد من المواقف التي صادفها خلال أكثر من خمسة عقود تنقل فيها بين فلسطين وسوريا والجزائر إلى أن استقر به الرحال في إسبانيا التي أكتشف أن لغتها زاخرة بالمفردات العربية، مقدراً بأن العربي منها تجاوز الـ 4000 كلمة، ما يعني أن للحضارة العربية حضوراً كبيراً في تشكل الوعي الإسباني.
من جهته عبر الكاتب الطبيب الدكتور صلاح جمال أبو علي عن مدى ارتباطه بوجعه الفلسطيني منذ اللحظات الأولى التي وطأت فيها قدماه أرض إسبانيا، حين صادف محالا لبيع الفلافل مكتوب عليه “الفلافل اليهودية” ومن هنا كانت البداية التي دفعته لاقتحام عالم الكتابة عبر أفكار خلاقة جمع فيها بين الحديث عن السياسة والعادات والتقاليد، معتمداً على نصرة الشعب الكتلوني للحق الفلسطيني، منوهاً إلى أهمية القراءة التي يتميز بها الغربي عن العربي.
والدكتور صلاح الذي لم ينس تفاصيل طفولته ولا حارة الياسمين النابلسية التي ولد وترعرع فيها، لم يتوان عن إشهار حبه لكتلونية وشعب كتلونية الذي فتح له ذراعيه واحتضنه فمارس معه كل طقوس الحب للمفاهيم الإنسانية.
أما أمين عام اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين رئيس بيت الشعر الشاعر مراد السوداني الذي أدار الندوة فقد بدء حديثه عن الحاضر الغائب في هذه الاحتفالية الشاعر والمترجم الدكتور صالح علماني، مشيراً إلى أهمية مساهماته في إثراء المشهد الثقافي العربي برمته، شاكراً للدكتور لويس ميغيل انتباهته العالية لهذا الاسم الكبير في عالم الترجمة.
صاح اقتلوني هنا
وقد تابع الكاتب والمترجم الفلسطيني العالمي د. صالح علماني لحظة تكريمه من الأردن الشقيق عبر شاشة التلفاز، فبكى فرحاً وألماً.
وكان علماني صاحب المئة وكتاب في عالم الترجمة والثقافة والأدب، قد دعاه اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينين وبيت الشعر للتكريم على رأس هذه النخبة من الشعراء والمترجمين الفلسطينيين والإسبان، إلا أن الإسرائيليين اعادوه من الجسر قائلين: عُد من حيث آتيت، فصاح اقتلوني ها هنا ولا أعود.
وانطلقت أولى فعاليات هذا الحدث الذي جاء بعنوان “مهرجان الشعر وفضائه الإبداعي”وبدعم من صندوق الاستثمار الفلسطيني، ورعاية إعلامية من صحيفة الحدث، بتكريم الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين وبيت الشعر الفلسطيني بالتعاون والتنسيق مع الكلية العصرية الجامعية، لهذه الكوكبة من كبار المترجمين والمبدعين الفلسطينيين والعالميين، ضمن احتفالية فلسطين للترجمة.
وأكد أمين عام اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين ورئيس بيت الشعر الشاعر مراد السوداني على أهمية هذا النشاط على مستويين، الأول لما قدمه هؤلاء من خدمة جليلة للثقافة الإنسانية عامة والفلسطينية خاصة في حقل الترجمة، والثاني على الصعيد الفلسطيني الذي لم ينتبه المشتغلون في الثقافة فيه لهذه الأسماء الوازنة في الأدب العربي والعالمي. في الوقت الذي تفتح الابواب لادعياء الفن والثقافة لاستدخال “الهزيمة عبر مقولات شوهاء وكسيرة وناقصة”.
وأضاف السوداني: المشهد الثقافي الاسباني لو خلا من د. محمود صبح وصالح علماني لكان ناقصا فكلاهما مؤسسة بمفرده الأول ألف وترجم ما يزيد على ستين كتابا عن الاسبانية وحصد العديد من الأوسمة والجوائز الاسبانية والثاني ترجم عن الاسبانية مائة وكتاب وقد قصرت المؤسسات الثقافية العربية بحق هذين القطبين الكونيين. فكان لزاما علينا ان نكركمهما باستدراك متأخر على ما قدماه للثقافة الفلسطينية والعربية والاسبانية من جهد وازن وعميم.
أما لويس كانيادا مدير مدرسة طليطلة للترجمة قال السوداني: كان قنطرة للأدب العربي، ليتم نقله للأدب الاسباني فترجم ما يزيد على 26 كتابا عن الأدب العربي قديمه وجديده من المعري وليس انتهاء بمريد البرغوثي. وكان له الفضل في احتضان صالح علماني وتكريمه في مدرسة المترجمين باعتباره سادنا للترجمة عن الأدب الاسباني وبدورنا نقول لكانيادا ها هي فلسطين على كافة المستويات والأصعدة تقول لك شكرا وأنت تكرم وتحتضن أجمل أبنائها . وبالنسبة لصلاح جمال أبو علي فما قدمه من تعريف بقضيتنا الوطنية وكتبه الاستثنائية عن الهوية والارث الفلسطيني وثابت البلاد جعل منه اسما عاليا يستحق التكريم .
من جهته شدد الدكتور حسن عبد الله الذي أدار الفعالية على ضرورة تكريم كل المبدعين الذين أسهموا في دعم المسيرة الثقافية الفلسطينية على اختلاف أشكال إسهاماتهم، خاصة الذين ترجمت أعمالهم إلى لغات أخرى، ومن ترجم هذا اللغات إلينا، لنثبت للعالم أن الشعب الفلسطيني جدير بالحياة والتحرر.
أما وكيل وزارة الثقافة السيد موسى أبو غربية، فأكد إن الثقافة المشتركة التي تجمع شعوب حوض البحر المتوسط - حاضن الثقافة الإنسانية القديمة عبر العصور الطويلة- تفاعلت عبر نسماتِ وأمواجِ المتوسطِ العريقةِ بجمالها وقيمَتِها وتاريخِها، فجَمَعَتْ بين الشعوب وحضاراتِها وذائقَتِها وعاداتها وتقاليدها، وكانت الترجمة عبر تلك العصورِ هي الأداة الحيّةُ الفاعلةُ في نقلِ هذه الثقافاتِ.
وأضاف أبو غربية، إن الاحتلال الإسرائيلي عمل على حرمان الشعب الفلسطيني من التواصل مع ثقافات وشعوب العالم، وما انفكَّ يقمعُ الأدباءَ والمفكرينَ من أبناءِ هذا الشعبِ في الداخل ما بين التهجير القسري وزج المئات منهم في السجون، كما حرق المكتباتِ والمخطوطاتِ الفلسطينيةِ وإخفاءِ ما تم الاستفادةُ منه، وقطع أوصال وطننا بالحواجز وجدران الكراهية والفصل العنصري ومصادرة الأرض وبناء المستوطنات منتهكة القانون و الشرعية الدولية.
بدوره، قال رئيس مجلس أمناء الكلية العصرية الجامعية سامر الشيوخي، إن الكلية دأبت على تكريم المبدعين والمثقفين وذوي الاسهامات البناءة على الساحة الفلسطينية، معتبرا أن تكريم هذه الكوكبة هو تكريم للإبداع والانجاز.
وفي نهاية الحفل، تم توزيع الدروع التكريمية على الأدباء المترجمين ضيوف فلسطين، الذين شكروا العصرية الجامعية واتحاد الكتاب على هذه اللفتة، مؤكدين أنهم سيواصلون أعمالهم بما يخدم القضية الفلسطينية العادلة.
وحضر الاحتفال، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير محمود إسماعيل، ورئيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين في أراضي الـ48 الشاعر سامي مهنا، وحشد من المثقفين والشعراء والإعلاميين.
من جهتها كرّمت محافظة رام الله والبيرة ممثلة في د.ليلى غنام، وفد المترجمين العرب القادم من إسبانيا، مشيدة ببصماتهم المتميزة على الصعيدين الأدبي والثقافي، وبدورهم المتميز في دعم رسالة شعبنا وحقوقه التي ينتهكها الاحتلال بكافة وسائل العربدة والغطرسة.
وشددت غنام خلال استقبالها الوفد الذي يرأسه الأديب والمترجم الفلسطيني محمود صبح، على أن فلسطين تفخر بأبنائها العمالقة الذين يقدمون للعالم بصمات متميزة على كافة الأصعدة، مبينة أن المثقف يحمل رسالة شعبنا بطريقة فاعلة ومؤثرة إلى العالم أجمع.
احتفالية تنتصر للثقافة وتسقط الكثير من أقنعة المتثاقفين:
بينما كانت تدور كل هذه الأحداث على الأرض، وكان العديد من وسائل الإعلام والصحافة العربية والفلسطينية الجادة، إلى جوار كوكبة من المثقفين العرب والفلسطينيين الفاعلين يتابعون الحدث لحظة بلحظة، اتخذ بعض المتثاقفين وبعض مؤسساتهم، قراراً بمقاطعة النشاط، فقط لكون هذه الجهة أو تلك، هذا الشخص أو ذاك مشاركة، ومشاركاً في تنسيق الاحتفالية، وكأن مقاطعتهم قد تحول بين الأرض وخير السماء، أو أن حضورهم قد يزيد الصورة انتفاخاً، بينما ذهب بعض الصحافيين المحليين إلى تعمد تغييب النشاط عن وسائلهم الإعلامية، ، وكأن الأمر صراع على تقسيم كعكة لا تعميق ثقافة ووعي جدير بمدعي الثقافة احترامهما، مما جعل منها احتفالية منتصرة بحق للثقافة ومسقطة بحق آخر للكثير من الأقنعة المتثاقفة