بقلم: نبيل عمرو
الوضع في غزة... مؤلم للغاية.
والمشهد المأساوي، غطى وفاض عن كل مشاهد الموت الجماعي الذي يجتاح الشرق الأوسط.
والدم الغزي... الذي سال بغزارة فاضحة، لم يوقظ الضمائر النائمة، ولم يحرك ساكنا على صعيد صناع القرار في العالم، وكان يمكن أن يظل الأمر كذلك، لو لم يقتل ثلاثة عشر جنديا إسرائيليا، ما أثار حفيظة السيد كيري، الذي وجد الأمر كفيلا بشد الرحال إلى المنطقة، لعله يحقق نجاحا عنوانه وقف إطلاق النار ... وبعد ذلك لكل حادث حديث.
ووقف إطلاق النار، سيتم عاجلا أم آجلا، وإعلان إسرائيل عن انتهاء المعارك إما بتحقيق الأهداف مثلا، أو الادعاء بتحقيقها سيتم كما كانت تتم نهايات الجولات السابقة، ذلك أن الحرب على غزة لم تستمر إلى ما لا نهاية وبهذه الوتيرة المفجعة.
غير أن الجديد في هذا المتكرر منذ سنوات، هو ارتفاع وتيرة السؤال في إسرائيل والعالم... إلى متى؟
فيما مضى كان السؤال محدودا وعابرا، نظراً إلى أن معظم حروب إسرائيل كانت أشبه بنزهة مؤقتة، يخرج فيها "جيش الدفاع" إلى الحرب، ثم يعود بعد أيام للاحتفال بالنصر.
غير أن هذه المعادلة تغيرت حين دخلت إسرائيل في حروب متقطعة المعارك إلا أنها مستمرة مع الفلسطينيين، أي في زمن الثورة الفلسطينية، التي امتد فيها القتال على مدى خمسين سنة، ولم تنجو ساحة منه، في العمق والمحيط القريب والبعيد، وحاولت إسرائيل وعلى مدى نصف القرن الماضي، التخلص من هذه الحرب المؤلمة، وانتهجت في سبيل ذلك كل الوسائل الأمنية والاستخبارية والسياسية والعسكرية، وكان سعيها لإنهاء الأمر مع الفلسطينيين، أشبه بالركض نحو السراب، فما أن تظن أنها وصلت الهدف حتى يتأكد لها أنه يبتعد أكثر.
والآن... ونحن في خضم جولة غزيرة الدم، فإن على إسرائيل وحدها الإجابة عن السؤال...
هل ما زال حلم اخضاع الفلسطينيين يراود إسرائيل؟ والمعني هنا قيادتها صاحبة قرار تحريك الجيوش، أم أن هذا الحلم اختفى وراء حتمية ايجاد حل سياسي معهم؟
الذي يتعين عليه الإجابة عن هذا السؤال، هي القيادة الإسرائيلية وحدها، فلا الأمريكي يملك جوابا.. وإن ملكه فلا يستطيع فرضه، ولا عواصم الدول الكبرى تفكر فيه أساسا، لانشغالها فيما تراه أجدى وأسخن وأكثر الحاحا..
على إسرائيل التي بدأ بنك أهدافها بالنفاذ، بما في ذلك بنك مصطلحات تسمية الحروب، أن تفكر بصورة مختلفة وأن تدرك أن تكاليف السلام مع الجار الأقرب، أقل بكثير من تكاليف الحرب الدائمة معه، ومهما كانت نتيجة الحرب الراهنة على غزة، والتي سبقتها حرب مماثلة باستثناء الطيران وكثافة النار على الضفة، إلا أن خضوع الفلسطينيين للإرادة الإسرائيلية لن يتم، قد يفرض عليهم هدوءٌ قسريٌ بفعل غياب الحل السياسي، إلا أن الدوامة ستعود ثانية، وبعنف أشد وسينتقل الجميع حتما من الجرف العسكري، إلى جرف استراتيجي أعمق، هو الجرف السياسي، الذي لا ينهيه وينهي عذاباته إلا حل سياسي.
فهل تستجيب إسرائيل للحقيقة الفلسطينية المتعطشة لحل سياسي معقول؟ أم تظل تجر نفسها وتجرنا إلى حروب لا نتيجة لها إلا المزيد من الدماء؟
إسرائيل وحدها من يملك الجواب عن هذا السؤال المفصلي.