الخميس  07 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في غزة.. (10 دقائق) كفيلة بهدم البيت ومسح الذكريات

2014-07-22 11:52:41 AM
في غزة.. (10 دقائق) كفيلة بهدم البيت ومسح الذكريات
صورة ارشيفية
   
 
الحدث: غزة/علا عطاالله
 
(5 سنوات) كانت كافية كي تؤسس "الفتاة الغزيّة "رواية عليان"، لنفسها ذاكرة تحمل كل التفاصيل اليّومية، داخل غرفة وعدّها والدها عند تشييد المنزل الجديد بأنّ تتحول من حلمٍ إلى واقع.
 
فالغرفة المطلّة على حديقة صغيرة في المنزل المكون من أربعة طوابق، تحتضن كل ما كانت تتمناه من ألوانٍ لغرفتها، وأثاث "بناتي" هادئ كما تقول لوكالة الأناضول.
 
وفي كل ركن وزاوية في غرفتها ترتب عليان "19" عاما، الأشياء، في كل مرة بطريقة أخرى، تماما كما تفعل أمها داخل المنزل الجديد، الذي تم بناؤه بعد أكثر من عقد من الزمن وسنوات "تحويشة العمر".
 
 ويبدو كل شيء بالنسبة لعائلة "عليان" جميلا، رائعا حتى مساء يوم أمس، حين باغتهم اتصال سريع من قبل الجيش الإسرائيلي مكون من "أربع كلمات" (عليكم بإخلاء المكان، سنقصفه).
 
ولا يبدو الأمر مزاحا، فاتصالات أخرى من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تتوالي على البيت بضرورة إخلائه خلال 10 دقائق فقط.
 
وهل تكفي هذه الدقائق؛ كي تحمل عائلة عليان "ذكريات" الخمس سنوات؟ لا شيء يهم الآن، سوى الهرب والنجاة بسرعة، قبل أن تأتي صواريخ الموت، كما يصرخ الأب "محمود" 55 عاما.
 
دقيقة، ثانية، عشرة والكل في الخارج، ( الأب، والأم و8 من الأبناء (5 أولاد و3 بنات)  لا شيء معهم عدا "أهم الأشياء"، فما من وقتٍ يكفي للبقاء ولو قليلا داخل منزل سيتحول بعد دقائق إلى رقم جديد في حصيلة العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، منذ السابع من الشهر الجاري.
 
وتنطلق صواريخ الطائرات الحربيّة، التي تعرف طريقها جيدا نحو طوابق المنزل الأربعة، و تحيلها في ثوانٍ إلى أكوامٍ من الدمار والركام.
 
ينتهي كل شيء في أقل من أن يعد المرء إلى عشرة كما يقول عليان "الأب" لوكالة الأناضول، هذه الدقائق والثواني التي لا تُقاس بالزمن، بل بـ"الوجع" و"الدموع".
 
ويتابع:" مطلوب منا أن نخلي بيتا، بنيناه بعد سنوات طويلة من التعب والشقاء، وتأمين المستقبل للأبناء، لتأتي طائرات إسرائيل، وتهدمه في دقائق لا بل في ثوانٍ، تقصف الجدران، تدمر الغرف، تنسف كل "شيء".
 
ولا تتوقف الطائرات الحربيّة الإسرائيلية، عن استهداف وتدمير بيوت الفلسطينيين في مختلف أنحاء قطاع غزة.
 
ويقول الجيش الإسرائيلي إنّه يستهدف منازل عائلات تنتمي لفصائل المقاومة، وفي مقدمتها حركتي المقاومة الإسلامية "حماس" و"الجهاد الإسلامي".
 
وتقول "سمر"، الأم الباكية على الذكريات، وهي تحاول أن تنبش بين الركام، عن تفاصيل حيّة، لأشياء لم تسعفها دقائق الهروب من حملّها، إنّ إسرائيل تقصف "أحلام" غزة، لا جدرانها وبيوتها.
 
وتضيف لوكالة الأناضول، وهي تمسك ألبوما لصور عائلتها، احترق نصفه:" هذا البيت، الذي تحول إلى كومة من الخراب، في دقائق بناه زوجي بعد سنوات من العمل، والتعب، وادخار النقود قرشا على آخر".
 
وكلما مسحت الابنة "راوية" دمعة، انهمرت سيول من عيونها فغرفتها الناطقة بكل ذكرياتها تحولت إلى دمار، وركام.
 
هذا هو "دبدوبي (دمية على شكل دب) الصغير، لم أستطع أن أحمله معي، وها هي كتبي قد تمزقت وتناثرت، هذا فنجان القهوة، وهذا"، ولا تكمل الفتاة حديثها أمام ذاكرة تحولت إلى أنقاض.
 
ولا يمكن لعشرة دقائق أن تختصر زمنا عمره سنوات من الذكريات، ولا شيء يحمله الهاربون من الموت سوى "أرواحهم".
 
يقول الابن "سعد" "32 عاما"، والذي تزوج حديثا في إحدى شقق المنزل:" تركنا كل شيء، أردنا النجاة فقط، احتضنت أطفالي الثلاثة، وخرجنا أنا وزوجتي وأهلي، وبعد أن تم قصف المنزل في ثوانٍ تكشفت لنا حجم المأساة، فنحن لا نتحدث فقط عن أماكن جديدة للإيواء وأين سنذهب، بل عن تاريخ يُهدم أمام عيونك في أقل من ثوانٍ، عن كل تفاصيلك الصغيرة في البيت، المقعد الذي تشاكس فيه أطفالك، الشرفة التي تصلها شجرة وارفة الظل، إنهم لا يقصفون المنازل، بل "أرواحنا"".
 
ويترك المستهدفّة بيوتهم كل شيء، شهادات تفوق صغارهم، الألعاب والدمى، والكتب المتناثرة في أنحاء المنزل، وعكاز الجد الذي تركه كذكرى لهم، والمقاعد الخشبية، وأرجوحة ابن الأربعة أعوام، وحتى "فرشاة الأسنان"، وكل التفاصيل الصغيرة.
 
وفي كل مساء، ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، تعيش العائلات في قطاع غزة، ذات الحكاية من الحزن على بيوت تُهدم في دقائق، وتحيل المنازل الشاهقة، والعمارات السكنيّة إلى كومة مهمة أصحابها النبش من تحت الركام عن بقايا ما تبقى من ذكريات.
 
وتشن إسرائيل منذ السابع من الشهر الجاري عملية عسكرية ضد قطاع غزة أطلقت عليها اسم "الجرف الصامد" قبل أن تتوسع فيها وتبدأ توغلا بريا محدودا الخميس الماضي.
 
ومنذ بداية العملية وحتى الساعة 8 تغ من اليوم الثلاثاء، قتلت إسرائيل 583 فلسطينييا، وأصابت أكثر من 3 آلاف آخرين، معظمهم من النساء والأطفال والمسنين، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.
 
وفي المقابل، أسفرت العملية، وفق الرواية الإسرائيلية، عن مقتل 25 جندياً إسرائيلياً ومدنيان، وإصابة نحو 485 معظمهم بـ"الهلع"، فضلا عن إصابة 90 جندياً، فيما تقول كتائب القسام الجناح العسكرية لحركة حماس إنها قتلت 45 جنديا من الجيش الإسرائيلي.
 

(المصدر: الأناضول)