صريح العبارة
بقلم: تيسير الزًبري
الأحداث تتسارع، وملاحقة الخبر والتعليق عليه هو أمر مستحيل الدقة في مقال نصف شهري، ولكن الربط بين ما يجري وما هو أساسي وثابت في العلاقات السياسية، هو الأكثر واقعية وقدرة كما هي الرافعة التي تحمل البضاعة السياسية المتحركة.
من ذلك نقول إن العلاقات الفلسطينية– المصرية، وبالرغم من كل المتغيرات في المشهد السياسي، تبقى الأساس، وهي الثابت النسبي مقارنة بكل ما غيرها من أحداث متحركة.
لم يخرج المصرييون عن المشهد الشرق أوسطي منذ عصر الفراعنة وحتى اليوم. ربما يعتبر البعض أن في هذا القول مبالغة، ولكن من يرجع إلى التاريخ القديم، ما قبل الميلاد، سوف يجد ذلك بوضوح بالغ...، وكذلك الأمر ما جرى قبل حوالي قرنين من صراعات محمد علي وإبراهيم باشا مع الدولة العثمانية، وما زال عشرات الآلاف من بقايا الجيش المصري، آنذاك، وقد أصبحوا فلسطينيين يحملون أسماء مصرية وينتسبون إلى قرى ومحافظات مصرية..!
أما في التاريخ الحديث ومنذ عبد الناصر وحتى اليوم، فلا أحد يستطيع أن يغفل الدور المصري وتضحيات الجيش المصري من أجل فلسطين والفلسطينيين: في حرب 1948 بين العرب والغزو الصهيوني، والدور القومي لعبد الناصر بعد ثورة يوليو 1952، والحروب التي خاضها الجيش المصري والتضحيات التي قدمها في حربي 1967 واكتوبر 1973، دون أن ننسى أولى المجموعات الفدائية التي كان قد نظمها جمال عبد الناصر في العام 1955، والتي انطلقت من غزة والضفة الغربية لكشف مواقع الاحتلال الإسرائيلي...
الرئيس الأسبق أنور السادات، وبرغم كل ما لدينا من ملاحظات على دوره السياسي اللاحق، إلا أنه وعندما وقع اتفاقية كامب ديفيد عام 1973، لم يستطع أن يغفل عن الجانب الفلسطيني، وكما نذكر، فإن تلك الاتفاقية قد احتوت على قسمين: الأول مصري– إسرائيلي، والثاني فلسطيني– إسرائيلي، وعندما رفض الفلسطينيون الشق المتعلق بهم آنذاك، الحكم الذاتي، فقد سحب السادات هذا القسم من اتفاقات كامب ديفيد، وبقيت الاتفاقية في شقها المصري فقط (ربما يقارن البعض اليوم بين ما كانت قد احتوت عليه تلك الاتفاقية بشقها الفلسطيني، وبين ما هو قائم حتى يصلوا إلى أن ما كان مطروحاً آنذاك أفضل.. وهذا أمر متروك للتاريخ..).
هل كنا بحاجة إلى تذكر أبرز تلك المحطات كي نصل إلى ما يدور اليوم؟
في رأيي نعم، كنا بحاجة إلى ذكر كل ما سبق، حتى نقول إن العلاقة بين مصر وفلسطين هي علاقة تاريخية وموضوعية، وليست ظرفية تتعلق بالأهواء والأمزجة الفردية أو بالزعامات المتغيرة. ما كان ألزم عبد الناصر والسادات، وما الزم من تبعوهما حتى اليوم، حسني مبارك، محمد مرسي والآن المشير عبد الفتاح السيسي هو هذه العلاقة، فعندما جرى الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة في نهاية العام 2008، فإن من تدخل من أجل وقف العدوان هو حسني مبارك ومبعوثه المرحوم عمر سليمان، وعندما جرى اعتداء 2012، فإن الرئيس السابق محمد مرسي قد تدخل بقوة وتوصل إلى اتفاق هدنة بين حماس والإسرائيليين، وهو الاتفاق الذي تمكنت إسرائيل من التنصل منه بسبب من عدم إحاطته بقضايا جوهرية مثل رفع الحصار عن القطاع... الأمر الذي يجري الآن تداركه في أي مشروع تهدئة محتمل بين الفلسطينيين والإسرائيليين...
لم يبق من حجم ما أريد قوله سوى أن لا خيار ولا بديل عن الدور المصري الآن بزعامة المشير عبد الفتاح السيسي، وذلك بحكم التاريخ والجغرافيا، وحكم المصالح الوطنية والقومية بين الشعبين المصري والفلسطيني، كما لا بديل عن هذا الدور مهما حاول البعض التطاول على مصر وتاريخ مصر ودور مصر، وكذلك مهما اندفع بعض الجهلة من الإعلاميين وبعض السياسيين أصحاب الأجندات الحزبية، سواء في مصر أو غيرها، من تشويه هذه العلاقة الفلسطينية المصرية، ووضع العراقيل أمام تطورها وتصحيحها كلما برزت عثرات في هذه الطريق.
المعركة شديدة، وقد يفقد البعض بوصلته، ولكن وكما يقال، لا يبقى في النهر سوى الحجارة، وأضيف على حسابي، "لا يبقى في النهر سوى الذهب والحجارة ".