تفسير أحلام
د.عامر بدران
العنوان أعلاه مأخوذ من الحضارة الصينية. وهو يشير إلى طرفين متشاركين ومتناقضين في آن. الشراكة هنا صفة يؤكدها المعطي، والتناقض صفة يقررها المعطي أيضاً. نحن إذن نأتي لـ "أولئك" بالغداء، ما يعني أنهم سلبيون في هذه العلاقة. إذ لو قررنا التوقف عن هذا الفعل، لانتفى وجود "أولئك" تماماً. لكن من هم "أولئك" في العنوان المأخوذ من الحضارة الصينية؟ إنهم العسكر، المقاتلون، الجيش.
وهنا يبرز تساؤل منطقي: هل أراد الصينيون التمنن على جنودهم بهذا التعريف الذي ألصقوه بهم؟ بالتأكيد لا. فلم يوجد، حتى الآن وأظنه لن يوجد، شعبٌ يمكنه الحديث عن مقاتليه بلغة "تعايرهم باللقمة" كما يقال. إنه تعريف يشير إلى الطابع الاستهلاكي للحرب، أية حرب. فلقد أراد الصيني أن يقول لمقاتليه: فُرض عليكم القتال لحمايتنا، وفُرض علينا إطعامكم لحمايتكم. وكما أن المقاتل يكتسب هذه الصفة حتى لو لم يكن دائماً على الجبهة، فإن الشعب يكتسب صفة الداعم والمساند لمقاتليه حتى في وقت السلم. لقد اندثرت الحضارات التي كان الجندي فيها يأخذ حصتة من الغنيمة، وحل محلها حضارات تؤمّن لجنودها الحياة الكريمة والضمانات الكافية للقيام بمهمتهم كما يجب.
المشاركة إذن، هي المعيار الأول الذي يتم التأسيس عليه للقيام بالمهمة على أكمل وجه، والمشاركة لا تعني بالضرورة أن يحمل الجميع سلاحاً ويذهب إلى المعركة، وإلا لكان لزاماً علينا أن نطلب من كل شخص أن يعمل كمسعف في أوقات الزلازل، أو كعامل إطفاء في أوقات البراكين، وعدا ذلك فهو خائن، أو لا وطني في أفضل الأحوال. المشاركة هي قيام كل فئة بدورها في إطار وظيفتها، مما يسهل إنجاز أدوار الفئات الأخرى. ومما ينعكس بالتالي على تطور المجتمع، أو لنقُل: انتصاره.
والانتصار، وتحديداً الانتصار العسكري، مثله مثل باقي المهمات والوظائف، له مواصفات يمكن الاستدلال عليه من خلالها. أهم هذه المواصفات هي أن تُخضع عدوك. سواء أكان هذا العدو بركاناً أم دولة غازية أم جهلاً.
والانتصار، وتحديداً الانتصار العسكري، مثله مثل باقي المهمات والوظائف، له مقدمات يجب الأخذ بها، إن لم يكن قبل المعركة، فخلالها على أقل تقدير، ومن هذه المقدمات إطلاع بقية الفئات المجتمعية على هدفك كمقاتل. وإطلاعها على احتمالات تحقيقك لهذا الهدف. خطتك في حال كسبت، وخطتك في حال خسرت. توجيهاتك لها من أجل حمايتها، وطلباتك منها من أجل مساندتك. وأخيراً: ضبط خطابك وتوجيهه للبحث عن حلفاء يقفون إلى جانبك، وليس لإضافة أعداء جدد يقفون ضدك.
باختصار شديد، من حق أولئك الذين تخوض الحرب باسمهم أن يكون لديهم معلومات كافية عن مجريات الأمور. فليست مهمتهم التصفيق كلما سقط صاروخ على أرض العدو أو اللطم كلما سقط صاروخ على بيوتهم. فهذه المهمة قد تصلح للمتفرج البعيد، ولكنها لا تصلح لهم.
وليس من العدل أيضاً أن يظلوا في موقع المتلقي للخبر، يهتفون لهذا ويشتمون ذاك. فهذه مهمة المتضامن لا مهمتم.
وليس من المنطق أن يستمعوا لخطاب يمتلئ بالوعيد والتهديد، ويخلو من المعلومات. فخطاب التهديد عادة يخلق لديهم سؤالاً مشروعاً هو: هل هناك مستقبل؟ بينما خطاب المعلومات يغير سؤالهم إلى: أي مستقبل سيكون؟.
على المقاتل إذن، ومن مهماته الأساسية، أن يكون شريكاً في صياغة هذا السؤال المهم، والذي بدوره يحفز الفئات المجتمعية كافة على القيام بأدوارها. والتي تتعدى بكل تأكيد إشعال الشموع في وسط رام الله، أو إحراق علم العدو في مخيم الوحدات في عمان.
أولئك الذين نأتي لهم بالغداء، هم نحنُ. هم مقاتلونا في الحرب ومقاتلونا في السلم. نحبهم ونقف خلفهم. لأن مشروعهم هو ذاته مشروعنا، وهدفهم هو ذاته هدفنا. هو تحرير فلسطين، وتحرير إنسان فلسطين. لا سيطرة الماضي على الحاضر. بل البحث في المستقبل عما يسعنا ويسعدنا معاً.