الحدث الفلسطيني
رصد المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الاعلامية “مدى” خلال شهر تشرين أول 2023 رقماً قياسياً غير مسبوقاً من الجرائم والانتهاكات بالغة الخطورة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الاسرائيلي بحق الصحافة والصحافيين الفلسطينيين وحرية الاعلام في فلسطين تركزت معظمها وأشدها عنفا وخطورة في قطاع غزة.
وصعدت قوات الاحتلال تصعيداً بالغ الخطورة في اعتدائها واستهدافها للصحافيين/ات والحريات الإعلامية في فلسطين، بلغ ذروته باستهداف 31 صحافياً/ة بالقتل منذ بداية العدوان الذي شنته قوات الاحتلال على قطاع غزة في السابع من شهر تشرين أول، علما بأن هذا الرقم مرشح للارتفاع في كل يوم، فضلا عما تعرض له العديد من الصحفيين من الإصابة بشظايا الصواريخ والقنابل الناتجة على عمليات القصف المستمرة ضد المدنيين.
إن شهر تشرين أول 2023 سيُخلدُ في ذاكرة الصحافة والصحافيين الفلسطينيين كأشد الشهور قسوة ودموية حتى تاريخه، حيث فقدت الحركة الإعلامية 31 من كوادرها، تم استهداف معظمهم أثناء تأدية واجبهم المهني خلال التغطية الميدانية للعدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة الامر الذي يشكل أشد ضربة تتعرض لها الصحافة وحرية الاعلام في فلسطين.
لقد ترافق مقتل هؤلاء الصحافيين على أيدي قوات الاحتلال الاسرائيلي مع قصف وتدمير منازل 44 صحافيا آخرين، وقصف وتدمير واستهداف 21 مقراً لمؤسسات اعلامية ووقف بث ومنع عمل 3 مؤسسات إعلامية ومواقع الكترونية، والاعتداء على واصابة 22 صحافياً (منهم 7 أصيبوا في قطاع غزة) وسلسلة واسعة من الاعتداءات التي طالت عشرات آخرين من الصحافيين ووسائل الاعلام في قطاع غزة والضفة الغربية ارتكبها جيش الاحتلال الاسرائيلي خلال أيام الحرب الواسعة التي شنها على قطاع غزة بدءً من السابع من تشرين أول 2023.
ومنذ السابع من تشرين أول الماضي قُتل في قطاع غزة ما يزيد عن 9227 مواطن معظمهم من النساء والأطفال، وأكثر من 23561 جريح، بالإضافة إلى تدمير آلاف المساكن والمدارس والمستشفيات والمساجد واستهداف البنية التحتية الأساسية للقطاع، في حصيلة ليست نهائية، تبقى مستمرة في الارتفاع في ظل استمرار العدوان المتمثل بإلقاء القنابل والقصف بالصواريخ واستهداف المدنيين في استخدام مفرط للقوة، ما يؤكد وجود أدلة دامغة على وقوع جرائم حرب في حملة القصف الإسرائيلية، والتي يجب التحقيق فيها بشكل عاجل. كما أمعنت قوات الاحتلال في عدوانها تجاه المواطنين في الضفة الغربية، إذ ارتفعت حصيلة الشهداء في الضفة الغربية منذ بداية العام الجاري إلى أكثر من 340 شهيداً، بينهم 132 شهيداً منذ السابع من أكتوبر، إضافة لما يزيد عن 320 جريح.
وإضافة لما سبق، أدى العدوان الإسرائيلي لانهيار القطاعي الصحي في القطاع، نتيجة انهيار المستشفيات التي تم استهداف بالقنابل والصواريخ في انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني، ولم تعد قادرة على التعامل مع عدد الجرحى، فضلاً عن افتقارها إلى الأدوية والمعدات المنقذة للحياة. وقد عمدت إسرائيل منذ بداية العدوان على فرض حصاراً صارماً على المدنيين في القطاع وأغلقت المعابر والحدود بين إسرائيل وغزة، فمنعت دخول الغذاء، وقطعت إمدادات المياه، كما توقفت عن تزويد الوقود والكهرباء. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قامت بقطع كافة الاتصالات وخدمات الأنترنت الأمر الذي أدى لشل مناحي الحياة وعزل جميع من هم في القطاع عن خارجه بعد النفاذ السريع للمياه والأدوية والوقود والكهرباء، الأمر الذي أدى لانقطاع السبل لمعرفة ما يقترف من جرائم بحق المدنيين ومنهم الصحفيين. فقد توقف عدد كبير من المؤسسات الإعلامية في قطاع غزة عن العمل نتيجة انقطاع الكهرباء والانترنت، فيما فقدت العديد من المؤسسات الاتصال بمراسليها داخل غزة.
لقد رصد مركز “مدى” ما مجموعه 180 جريمة وانتهاكا للحريات الاعلامية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها مدينة القدس الشرقية خلال شهر تشرين أول 2023، ارتكبت قوات وسلطات الاحتلال الاسرائيلي ومستوطنيه 179 منها، وفقط انتهاك وحيد قامت به أجهزة أمنية فلسطينية في الضفة الغربية.
يُشار إلى أن القسم الأكبر من الاعتداءات والانتهاكات الاسرائيلية الـ 179 التي تم رصدها (سواء التي ارتكبها الاحتلال الاسرائيلي في قطاع غزة او تلك التي ارتكبها في الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس الشرقية) كانت عبارة عن انتهاكات مركبة يتخلل الحادثة الواحدة منها أكثر من اعتداء أو انتهاك، كما كانت تطال في الكثير منها مجموعة من الصحافيين أو وسائل الإعلام ما يجعل الاضرار المترتبة عليها مضاعفة وأكثر اتساعا بكثير مما قد توحي به الارقام.
الاعتداءات الجسدية/ الشهداء:
قتلت قوات الاحتلال الاسرائيلي خلال 27 يوماً من حربها على قطاع غزة (ما بين 7/ تشرين أول وحتى 31/ تشرين ثاني) 31 صحافياً/ة وعاملاً في الإعلام، بالإضافة لفقدان صحفيين اثنين منذ اليوم الأول للعدوان (هيثم عبد الواحد ونضال الوحيدي) وقد رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية استئنافا للكشف عن مصيرهما، ويضاف لهذه الحصيلة قتل مصور وكالة “رويترز” اللبناني عصام عبد الله بتاريخ 13/10 في قصف إسرائيلي بالقرب من الحدود اللبنانية، خلال تغطية القصف في جنوب لبنان بالقرب من قرية علما الشعب.
واستشهد جميع هؤلاء الصحافيين بينما كانوا في أماكن يفترض ان تكون آمنة للمدنيين (والإعلاميون جزء منهم) حيث استشهد بعضهم داخل منازلهم أو أثناء تغطيتهم لنتائج عمليات الجنود في أماكن وأحياء سكنية، بينما قتل آخرون في عمليات استهداف مباشرة لمنازلهم.
استهداف وتدمير مؤسسات إعلامية:
تؤكد العديد من الشواهد والحوادث التي تم رصدها فيما يتصل بالجرائم والاعتداءات والانتهاكات التي طالت صحافيين ووسائل إعلام خلال الحرب التي شنتها قوات الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة أن ما جرى لم يكن وليد الصدفة، وإنما كان أمراً متعمداً في بعض الاعتداءات بهدف إسكات وسائل الاعلام والإعلاميين التي تعاملت سلطات الاحتلال معها وكأنها “مؤسسات عسكرية” إذ تعمدت استهداف أبراج من المعلوم أنها تضم إلى جانب المباني السكنية مقرات لمؤسسات إعلامية سواء كانت محلية او أجنبية.
وقصفت قوات الاحتلال ودمرت واستهدفت ما مجموعه 21 مؤسسة إعلامية في قطاع غزة، 7 منها تدمرت بشكل كلي أثناء قصف برج “فلسطين” السكني في وسط مدينة غزة والمكون من 14 طابقاً وهي (وكالة شهاب، مكتب “صحيفة الأيام”، “إنفينيت” للخدمات الإعلامية، مؤسسة “فضل شناعة”، إذاعة “غزة “FM، إذاعة “القرآن الكريم”، مكتب “صحيفة القدس”).
كما دمرت بالقصف بالصواريخ 4 مؤسسات اتخذت من برج “وطن” في وسط القطاع مقاراً لها وهي: (وكالة “معا الإخبارية”، وكالة “شمس نيوز” مكتب قناة “رؤيا”، مكتب الوكالة الأمريكية APA).
إضافة لتضرر مجموعة من المؤسسات الإعلامية بشكل جزئي جراء استهداف مناطق مجاورة لها بالقصف بصواريخ الاحتلال خلال العدوان على القطاع ومنها: مقر تلفزيون “فلسطين”، مكتب الوكالة “الفرنسية”، مكتب موقع “مصدر”، شبكة “ميثاق”، مكتب شبكة “الأقصى”، وكالة “سوا”، إذاعة “بلدنا”، إذاعة “زمن”، وكالة “خبر”، وكالة “الوطنية للإعلام”.
تدمير منازل صحفيين وإصابات:
دمرت قنابل وصواريخ الاحتلال منازل 44 صحفي/ة أو الحقت بها أضرار متباينة جراء عمليات القصف الواسعة التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانها على غزة، علماً أن العديد من عمليات التدمير هذه تنطوي على سلسلة من الانتهاكات المركبة لا سيما ما لحق بهؤلاء الصحافيين أو بأفراد أسرهم الذين استشهد واصيب بعضهم نتيجة ذلك، فضلا عن تشرد أسرهم وفقدهم المأوى وتبعات ذلك عليهم، كما حدث مع الصحفية الحرة سلام ميمة التي تعرض منزلها للقصف يوم الثلاثاء 10/10 وانتشر خبر استشهادها هي وزوجها وأطفالها، إلا أن خبر وفاتها تأكد عقب انتشالها حية من تحت الأنقاض بعد مرور ثلاث أيام على تدمير المنزل.
وطال القصف منازل كلا من التالية أسماءهم: مدير إذاعة “زمن” الصحفي رامي الشرافي/ مذيع قناة “القدس اليوم” باسل خير الدين/ مذيعة إذاعة القدس الصحفية سلام ميمة واستشهادها/ الصحفي عبد الله كرسوع ويعمل لدى مكتب الإعلامي الحكومي/ الصحفي أحمد شهاب/ الصحفي معتز العزايزة/ مصور وكالة الأناضول التركية علي جاد الله/ الصحفي أسيد النجار/ الصحفي صالح المصري/ الصحفي لدى وكالة الرأي الفلسطينية محمود سلمي/ مدير مكتب صحيفة العربي الجديد ضياء الكحلوت/ الصحفية لدى وكالة الرأي ميسرة شعبان/ الصحفي علاء الحلو ويعمل لدى صحيفة العربي الجديد/ الصحفي لدى صحيفة الرسالة داوود موسى/ الصحفي زيد أبو زايد/ الصحفي مثنى النجار ويعمل لدى إذاعة القدس/ الصحفي أحمد قديح من قناة الأقصى الفضائية/ الصحفي الشهيد محمد بعلوشة/ الصحفي الشهيد عبد الهادي حبيب/ الفنان علي نسمان/ الصحفي الشهيد محمد أبو مطر/ الصحفي الشهيد عصام بهار/ الصحفي الشهيد حسام مبارك/ الصحفية مها أبو الكاس/ مدير صحيفة فلسطين رامي خريش/ الصحفي زياد المقيد من فضائية الأقصى/ الصحفي في راديو الشباب محمد أبو علي/ الصحفي هاني المغاري/ كما تعرض منزل رسامة الكاريكاتور أمية جحا للقصف/ الصحفي محمد أبو القمصان/ الصحفي محمد أبو عرب/ الصحفي الشهيد ياسر أبو ناموس/ الصحفي نظمي النديم/ الصحفي سائد الحلبي/ مراسل قناة الجزيرة وائل الدحدوح/ الصحفي الشهيد جمال فقعاوي/ الصحفي محمد الحسني/ الصحفي محمد مقاط/ الصحفي الشهيد رشدي السراج/ الصحفي الشهيد حازم بن سعيد/ الصحفي سائد السويركي/ الصحفية سماح المبحوح.
وأصيب خلال العدوان على القطاع ما مجموعة 7 صحفيين/ات بجروح مختلفة في أنحاء مختلفة من أجسامهم نتجت عن قصف منازلهم أو المناطق التي تواجدوا بها أو نزحوا إليها وكان وهم: الصحفي إبراهيم قنن، مسؤول لجنة دعم الصحفيين صالح المصري، الصحفي علي حمد، مصور الوكالة “الفرنسية” محمود الهمص، مراسلة “فرانس 24” الصحفية مها أبو الكاس، الصحفي لدى وكالة أونروا إياد البابا، والصحفي معالي أبو سمرة.
الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة:
لم تكن وسائل الاعلام والصحافيين العاملين في الضفة الغربية بمنآي عن الانتهاكات الاسرائيلية التي تواصلت بوتيرة شديدة ومتصاعدة حيث تم رصد وتوثيق ما مجموعه 75 انتهاكاً شملت العديد منها العديد من الطواقم الإعلامية التي تضم أكثر من صحفي واحد، كما شملت في العديد منها اعتداءات مركبة ضد ذات الصحفي.
وارتفعت الانتهاكات الإسرائيلية الموثقة في الضفة الغربية خلال شهر تشرين أول بنسبة 55% عن الانتهاكات الموثقة خلال شهر أيلول، والبالغ عددها 34 انتهاك، إلا أن أكثر هذه الانتهاكات خطورة كان ملاحقة سلطات الاحتلال للصحفيين بالاعتقال، إذ رصد مدى ما مجموعه 17 اعتقال ضد الصحفيين من مختلف مدن الضفة بما فيها مدينة القدس معظمهم لم يتم إطلاق سراحهم حتى الآن وهم: أحمد الصفدي، صبري جبريل، عبد الناصر محمد اللحام، معاذ عمارنة، مصطفى الخواجا، عماد أبو عواد، علاء الريماوي، محمد صباح، رضوان القطناني، لمى خاطر، بلال عرمان، سجود عاصي، محمد صالح بدر، نواف العامر وزكريا أبو فنار.
وأصيب خلال شهر تموز في الضفة الغربية على أيدي جنود الاحتلال الاسرائيلي ومستوطنيه أيضا التالية أسماؤهم: داليا النمري مراسلة قناة روسيا اليوم، مصعب شاور مراسل صحيفة الحدث، الصحفي الحر عبد المجيد عدوان، اختناق مجموعة من الصحفيين برائحة الغاز (الصحفية لطيفة عبدا للطيف، الصحفية ميساء أبو غزالة، الصحفية لواء أبو ارميلة، المصور غسان أبو عيد، الصحفية براء أبو رموز، الصحفية هبة نجدي والصحفية ريناد شرباتي).
كما وثق مركز مدى 5 حالات احتجاز لصحفيين، استدعاء واستجواب لثلاث صحفيين، 4 حالات مصادرة معدات، دهم مكتبة، 21 حالة منع تغطية واستهداف لمنع التغطية، تحريض من قبل المستوطنين ضد ثلاثة صحفيين عبر قناة على “التلجرام”، وحجب وإغلاق ومنع بث لثلاث مؤسسات إعلامية.
انتهاكات وسائل الاجتماعي:
بالرغم من الارتفاع الهائل والمريب لأعداد الانتهاكات التي اقترفتها منصات وشركات التواصل الاجتماعي خلال شهر تشرين أول ضد المواطنين ومنهم الصحفيين، إلا أنه قد تعذر رصدها بالأرقام والتفاصيل كالمعتاد. فقد وقعت معظم هذه الانتهاكات بين الصحفيين/ات وضد المؤسسات الإعلامية في قطاع غزة، إلا أن صعوبة الظروف التي سادت من انقطاع الكهرباء والإنترنت عن جميع من هم في القطاع عدا عما تعرض له أغلب الصحفيون/ات -ومنهم الباحثين الميدانيين لمركز مدى- من تشريد نتج عن قصف منازلهم الأمر الذي جعل من المستحيل متابعة هذه الانتهاكات.
الانتهاكات الفلسطينية:
خلال شهر تشرين أول رصد مركز “مدى” ووثق انتهاك فلسطيني وحيد تمثل في استهداف الأجهزة الأمنية لسيارة الصحفي لدى “ميديا بورت” جهاد بركات بأعيرة نارية أثناء تغطية مهرجان حركة الجهاد الإسلامي في مخيم “نور شمس” في ذكرى انطلاقتها.
التوصيات:
يعبر المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الاعلامية “مدى” عن بالغ حزنه لفقدان هذا العدد الكبير من الزملاء الإعلاميين ويرى أن إمعان الاحتلال الاسرائيلي في ارتكاب هذه الجرائم، والتي تعتبر جرائم حرب حسب اتفاقيات جنيف، ما كان له أن يبلغ هذه الحدود لولا رهانه على إفلات مرتكبي هذه الاعتداءات والانتهاكات من العقاب كما حدث خلال عدوانه على القطاع في السنوات السابقة، حيث قتل العديد من الصحفيين ودمر العديد من مقار وسائل الاعلام.
وعليه فإننا في مركز “مدى” وإذ نستنكر بشدة اعتداءات الاحتلال وانتهاكاته الدموية التي تستهدف الصحافيين في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها مدينة القدس الشرقية، فإننا نطالب المجتمع الدولي بالعمل بشكل حازم وجاد من أجل حماية الصحفيين الفلسطينيين، كما نطالب بمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم والانتهاكات.
إننا إذ نتقدم بأحر التعازي من ذوي الصحفيين الشهداء والأسرة الصحفية، ونتمنى الشفاء العاجل للصحفيين الجرحى، فإننا نحيي الصحافيين الفلسطينيين والعرب والأجانب الذين لم تروعهم آلة حرب الاحتلال الإسرائيلي، وخاطروا بحياتهم أثناء قيامهم بأداء واجبهم المهني طيلة فترة العدوان الوحشي على قطاع غزة.