الخميس  28 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

المستقبل الفلسطيني بعد عودة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة| لـ خليل الشقاقي

2023-11-19 10:04:03 AM
المستقبل الفلسطيني بعد عودة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة| لـ خليل الشقاقي
خليل الشقاقي

يواجه الشعب الفلسطيني واحدا من أصعب التحديات التي واجهها منذ احتلال الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967. وبالنظر إلى الهدفين المعلنين لإسرائيل في غزوها الحالي لقطاع غزة، وهما تدمير قدرات حماس العسكرية ومنع عودتها إلى الحكم، فإن إعادة احتلال أجزاء من قطاع غزة أو قطاع غزة بأكمله أمر لا مفر منه. إن التخفيف الصريح أو الضمني لأهداف إسرائيل، وهو أمر مستبعد جدا في هذا الوقت، يمكن أن يغير هذه الحتمية بشكل كبير من خلال فتح الباب، على المدى القصير، للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، وعلى المدى الطويل، للتفاوض غير المباشر في المستقبل مع حماس حول ترتيبات محتملة طويلة الأجل لمستقبل قطاع غزة. إذا لم تتغير أهداف إسرائيل الحالية، فإن الحرب ستستمر لفترة طويلة وستصل الدبابات الإسرائيلية إلى جميع أنحاء قطاع غزة. ماذا سيحدث بعد ذلك؟ وماذا يجب أن يفعل الفلسطينيون وغيرهم؟

تناقش هذه الورقة التحليلية مجموعة من الأسئلة. يتعرض السؤال الأكثر إلحاحا لقدرة إسرائيل على البقاء في قطاع غزة وتوطيد احتلاله بالنظر إلى النتيجة الأكثر ترجيحا المتمثلة في مواجهته لمقاومة مسلحة على الفور. في مواجهة ذلك، هل سيبقى الجيش الإسرائيلي وإلى متى؟ وإذا بقي، فهل سيتحمل مسؤولية تقديم الخدمات المدنية للسكان أم ستقنع إسرائيل الآخرين، بما في ذلك الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية، أو حتى السلطة الفلسطينية، بالقيام بذلك بدلا منها؟ وبديلا من ذلك، هل ستنسحب من جانب واحد مما سيخلق فراغا يتيح لجميع اللاعبين، بما في ذلك حماس، ملؤه؟ أم أنها ستنسحب، جزئيا أو كليا، كجزء من ترتيبات سياسية وأمنية جديدة؟ ما نوع الترتيبات التي ستكون قابلة للتطبيق بما يكفي لتحقيق نتيجة مستدامة؟ وفي هذا السياق، ما هو الدور الذي ينبغي أن يلعبه المجتمع الدولي ومن قد يكون الشريك الفلسطيني لإسرائيل في تحقيق هذه النتيجة؟

في غضون ذلك، ما الذي قد يحدث للسلطة الفلسطينية وسيطرتها في الضفة الغربية؟ هل ستتطور الاشتباكات المسلحة المحدودة الحالية وعنف المستوطنين في الضفة الغربية إلى اندلاع أعمال عنف واسعة النطاق؟ وإذا حدث ذلك، هل ستقف قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية جانبا، أم تنضم إلى الاشتباكات المسلحة، أم تختار بدلا من ذلك الحفاظ على خيار التنسيق الأمني؟ إذا نجت السلطة الفلسطينية من الهجوم الحالي على قطاع غزة دون الكثير من الأضرار، وإذا وضع المجتمع الدولي ترتيبات سياسية مستدامة على الطاولة في مرحلة ما في المستقبل القريب، مهما كان ذلك غير مرجح، فما المطلوب من السلطة الفلسطينية أن تفعل لجعل نفسها مقبولة لدى شعبها ولاعبا شرعيا جديا لدى الآخرين، لاعب يمكنه أن يسهم في استعادة الحكم، بما في ذلك فرض النظام والقانون، والعوة إلى قطاع غزة؟

 

خلفية:

في إطار جهودها لإنهاء الوضع المعلق والمتقلب الذي وجد قطاع غزة نفسه فيه منذ عام 2007 ولجعل القطاع أكثر استقرارا وسيطرتها عليه أكثر استدامة على المدى الطويل، شنت حماس هجوما مسلحا واسع النطاق على إسرائيل على أمل جلبها إلى طاولة المفاوضات. في حين أن حماس ربما كانت تأمل، كنتيجة لهذا الهجوم، في التفاوض مع إسرائيل على ترتيبات طويلة المدى لقطاع غزة تخلصه من الحصار والإغلاق، فإن النجاح العسكري الهائل لهجوم 7 أكتوبر، والمشاهد الواسعة النطاق للقتلى المدنيين الإسرائيليين الذي صوره مقاتلو حماس أنفسهم وأطراف أخرى، واحتجاز العديد من الرهائن المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال، خلق واقعا مختلفا تماما ربما لم تتوقعه حماس. إن المفاجأة والصدمة والغضب في إسرائيل وفي العديد من البلدان الغربية قدم للحكومة الحالية الأكثر تطرفا في تاريخ ذلك البلد التعاطف الضروري والدعم، الذي لا يرقى إليه الشك، لأهدافها المتمثلة في القضاء على حماس حتى لو كان ذلك يعني تدمير أجزاء واسعة من قطاع غزة وإلحاق نكبة ثانية بسكانه المدنيين. لقد قدم العالم الغربي لإسرائيل الدعم العسكري والسياسي والمعنوي للتسبب المتعمد بقدر هائل من المعاناة الإنسانية لسكان غزة مما أدى إلى مستوى من إراقة دماء المدنيين لم يسبق له مثيل في جميع الصراعات الفلسطينية-الإسرائيلية.

غني عن القول إن مصلحة حماس في ضمان بقائها والمستوى غير المسبوق من الدمار ومشاهد وأعداد القتلى المدنيين الفلسطينيين من النساء والأطفال ستولد التصميم والغضب الشعبي الهائل وستخلق بحرا من مطالب الانتقام حتى لو جاء بأبشع الصور. سيضمن ذلك استمرار مقاومة مسلحة شديدة وستبدو الحرب بلا نهاية. وستجد إسرائيل نفسها تعزز احتلالها يوما بعد يوم بينما تسعى إلى التوصل إلى ترتيب سياسي يسمح بتقديم الخدمات الإنسانية والخدماتية وغيرها مع الحفاظ على سيطرتها العسكرية العليا على القطاع بأكمله. ومع ذلك، لن يكون هذا الوضع قابلا للحياة لأن الخسائر الإسرائيلية ستكون في ازدياد، ومن المحتمل أن تستمر الظروف الإنسانية في التدهور على الرغم من الجهود التي تبذلها المنظمات الدولية، مثل الأونروا وغيرها. وبالنظر إلى موقف إسرائيل المعلن بأنها ستواصل إلى أجل غير مسمى السيطرة الأمنية الشاملة على قطاع غزة، سيكون من المستحيل على أي هيئة إقليمية أو دولية الموافقة على الإحلال مكان الجيش الإسرائيلي في أي جزء من الأراضي المحتلة. وبالمثل، يستحيل على السلطة الفلسطينية في هذا السياق أن تستأنف تقديم أي خدمات جوهرية، ناهيك عن القيام بأي دور في إنفاذ القانون.

 

لمن ستكون السيطرة؟

في ظل هذه الظروف، سيتعين على إسرائيل أن تقرر ما إذا كانت ستبقى أو تنسحب من القطاع أو أجزاء منه. وإذا قررت البقاء، فإنها ستتعرض لضغوط من الجماعات اليمينية المشاركة في الائتلاف الحاكم الراهن لإعادة بناء المشروع الاستيطاني السابق في غزة، وفي الوقت نفسه ستجد نفسها مضطرة إلى تقديم المزيد والمزيد من الخدمات إلى 2.3 مليون فلسطيني في بيئة يكون فيها الاقتصاد والبنية التحتية الأساسية مهدمين تماما بالإضافة إلى تدمير عشرات الآلاف من المنازل ومئات المدارس والعديد من المستشفيات. سيتعين على الجيش الإسرائيلي أن يكرس أجزاءً من قواته لإدارة الحياة المدنية، ولكن دون أن يكون قادرا على فرض النظام والقانون. في حين أنه من الصعب اليوم رؤية إمكانية إعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية في غزة، فإن ديناميكيات السياسة الداخلية الإسرائيلية، في بيئة من الاحتلال طويل الأمد، قد تضع هذه القضية على طاولة المساومة الداخلية الحزبية.

تحت ضغط الخسائر اليومية والرغبة في تجنب وضع تضطر فيه، كقوة احتلال، إلى تقديم الخدمات للسكان المدنيين، قد تقرر الحكومة الإسرائيلية الانسحاب من معظم قطاع غزة من جانب واحد وبشكل تدريجي. إن هذه النتيجة رغم أنها مستبعدة اليوم إلى حد كبير، فإنه في ظل غياب شركاء على استعداد لقبول شروط إسرائيل لترتيبات ما بعد الحرب، قد تقرر البدء بهذا الانسحاب التدريجي على أمل ظهور مقدمي خدمات محليين أو إقليميين أو دوليين، حتى لو كان ذلك تحت المسؤولية الفعلية لحماس.  بطبيعة الحال، سوف تملأ حماس الفراغ، وعاجلا أم آجلا، لن يكون أمام إسرائيل خيار سوى التفاوض غير المباشر معها من أجل ترتيبات قصيرة أو طويلة الأجل. وغني عن القول إن التوصل إلى اتفاق صريح مع حماس هو أمر لن تتمكن أي حكومة إسرائيلية من إبرامه قريبا. ومع ذلك، فإن الميزة التي تعود على إسرائيل في مثل هذه النتيجة هي أنها تعفيها من الاضطرار إلى إعطاء إجابات على أسئلة صعبة حول مستقبل احتلالها للأراضي الفلسطينية، كما نرى أدناه.

بدون ترتيبات ضمنية مع حماس، قد تجد إسرائيل شركاء غيرها على استعداد للمشاركة في عملية تؤدي إلى ترتيبات طويلة الأجل متفق عليها. هذه النتيجة ممكنة في ظل ظروف معينة، كما نناقش أدناه. لكن من الصعب للغاية أن نرى كيف سيتبلور هذا الأمر في ظل مقاومة مسلحة تقودها حماس، ما لم يتم تنسيق هذه النتيجة مع تلك المقاومة. كذلك، من الصعب أن نرى جدوى مثل هذا الترتيب طويل الأجل إذا لم يكن جزءا من حل أكبر للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حل ينهي أكثر من خمسة عقود من الاحتلال الإسرائيلي. على سبيل المثال، إن من سيحل محل الجيش الإسرائيلي سيرغب بالتأكيد في معرفة إجابات لثلاثة أسئلة: مصدر سلطته، والترتيبات النهائية، ومدة إقامته. لن يوافق أي من اللاعبين الدوليين أو الإقليميين على استمداد سلطتهم من قوة الاحتلال، وستجد إسرائيل صعوبة في القبول بالأمم المتحدة أو طرف ثالث كمصدر لهذه السلطة . علاوة على ذلك، من المؤكد أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ليست مهتمة بتحديد الترتيبات النهائية، وبالتالي، ستنظر إلى الترتيبات على أنها أمر واقع والمدة غير محددة.

 

سيطرة السلطة الفلسطينية؟

إن الجهة الوحيدة التي ستوافق على تولي السيطرة على قطاع غزة دون الكثير من الخلاف حول مصدر السلطة أو مدة مهمتها هي تلك التي تدعي بالفعل السيادة أو السيطرة الرسمية، حتى لو كانت تلك السيطرة اليوم إسمية ، أي السلطة الفلسطينية. في الواقع، بخلاف حماس، ليس لإسرائيل شريك آخر إلا السلطة الفلسطينية. هناك مزايا أخرى، لجميع الأطراف المعنية، لشراكة إسرائيلية مع السلطة الفلسطينية. فهي تقدم بالفعل العديد من الخدمات لسكان غزة، وهي طرف في اتفاقات أوسلو والترتيبات الضمنية التي تم التوصل إليها في عام 2005، في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة، وكل هذه الأمور لا تزال سارية المفعول بشكل مثير للدهشة، حتى وإن كان إلى درجة محدودة، في تنظيم العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية حتى يومنا هذا.

ومع ذلك، ستصر السلطة الفلسطينية أيضا على وضوح الترتيبات النهائية، كما فعلت بالفعل.  ويتطلب هذا الشرط إحياء حل الدولتين، ووضع خطة لما يعنيه ذلك من تفاصيل، وخارطة طريق لكيفية الوصول إليه، وتجديد لمسار دبلوماسي فاعل ومفاوضات فلسطينية إسرائيلية ثنائية مباشرة. غني عن القول أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ليست على استعداد للتفكير في مثل هذه الترتيبات النهائية. وقد يفسِر هذا الاستنتاج حقيقة عدم تقدم الولايات المتحدة، أو أي جهة دولية فاعلة أخرى، برؤية لهذه الترتيبات.

ومع ذلك، حتى لو وافقت حكومة إسرائيلية منتخبة حديثا على مناقشة مثل هذه الرؤية، فإن القيادة الحالية للسلطة الفلسطينية تفتقر إلى الشرعية في الضفة الغربية، ناهيك عن قطاع غزة. تواجه السلطة الفلسطينية بالفعل صعوبات في إدارة الضفة الغربية. لو جرت انتخابات رئاسية في اليوم الأخير قبل اندلاع حرب 7 أكتوبر بحيث تنافس فيها ثلاثة مرشحين، هم مروان البرغوثي من فتح واسماعيل هنية من حماس والرئيس محمود عباس من فتح أيضا، فإن 6٪ فقط من سكان الضفة الغربية يقولون إنهم سيصوتون للرئيس الحالي. في نفس الاستطلاع الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية للدورة الثامنة من الباروميتر العربي الفلسطيني خلال الأسبوع الأخير قبل بدء الحرب الحالية، طالب 85٪ من سكان الضفة الغربية باستقالة رئيس السلطة الفلسطينية.[1] وفي استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية حول تخوفات الجمهور الفلسطيني من إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية قبل وأثناء الحرب الحالية، فضل حوالي نصف سكان الضفة الغربية تشكيل مجموعات مسلحة باعتبارها الوسيلة الأكثر فعالية لحمايتهم من عنف المستوطنين. واختار حوالي الخمس فقط نشر شرطة السلطة الفلسطينية وفضل خمس آخر الحماية من الجيش الإسرائيلي.[2]  وفي الواقع، أظهر استطلاع الباروميتر المشار إليه أعلاه أن ثلثي سكان الضفة الغربية يعتقدون أن السلطة الفلسطينية تشكل عبئا على الشعب الفلسطيني. 

علاوة على ذلك، فإن الضفة الغربية تغلي ويمكن أن تندلع فيها أعمال عنف واسعة النطاق في ظل وضع تفقد فيه أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية المزيد من السيطرة على الأرض. ومع استمرار إسرائيل في إضعاف السلطة الفلسطينية سياسيا وماليا، قد يؤدي المزيد من الضغط إلى تمرد في صفوف القطاع الأمني. وقد وجد بعض الأفراد الذين تربطهم صلات عائلية بالمجموعات المسلحة في الأجزاء الشمالية من الضفة الغربية أنفسهم يقفون إلى جانب أفراد أسرهم ويتركون وظائفهم. ويمكن أن يؤدي توسع انتشار المجموعات المسلحة إلى مناطق أخرى إلى مزيد من الانقسامات داخل قوات الأمن. وبالمثل، يمكن أن يؤدي التململ الراهن داخل حركة فتح ومنظمتها الشبابية، التنظيم، إلى تطرف كبير يؤدي إلى اشتباكات مع الأجهزة الأمنية واحتمال حدوث انفجار داخلي. إن الانفجار في الضفة الغربية سيفتح جبهة عسكرية أخرى ضد إسرائيل وسيتطلب نقل القوات من جبهة غزة إلى جبهة الضفة الغربية. 

 

هل هناك طريق بديل؟

يمكن لإسرائيل والمجتمع الدولي تعزيز السلطة الفلسطينية واستباق هذه النتيجة.  وهذا يتطلب خطوات من إسرائيل. ويمكن أن يشمل ذلك إعادة الموارد المالية المصادرة والمحتجزة للسلطة الفلسطينية، ووقف إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية، ووقف التوغلات اليومية للجيش في المدن الفلسطينية، وتسهيل إعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة، وتأكيد الالتزام بحل الدولتين ووقف التوسع الاستيطاني، ونقل أجزاء من المنطقة (ج) إلى سيطرة السلطة الفلسطينية، والاتفاق على استئناف المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية للتوصل إلى اتفاق دائم. من الواضح أن إسرائيل غير راغبة في القيام بأي مما سبق لأن الحكومة الإسرائيلية الحالية تتكون من متطرفين يمينيين يسعون في الواقع إلى إضعاف السلطة الفلسطينية أكثر وأكثر من أجل فتح الباب على مصراعيه لضم أجزاء من الضفة الغربية أو كلها لإسرائيل.

وحده المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، يمكنه، من الناحية النظرية، تحديد الخطوط العريضة للخطة المشار إليها أعلاه. وإذا كان الأمر كذلك، فينبغي لها أن تدمجها في رؤية السلام الإقليمي في سياق مبادرة السلام العربية، التي تنص على التطبيع العربي-الإسرائيلي الذي يشكل فيه السلام الفلسطيني-الإسرائيلي على أساس حل الدولتين مكونا مركزيا. تحتاج هذه الرؤية لصياغة خارطة طريق للوصول إلى هناك تأخذ بعين الاعتبار الخطوات الفورية المطلوبة المذكورة أعلاه لتقوية السلطة الفلسطينية. غني عن القول أنه لا يوجد دليل في الوقت الراهن على أن الولايات المتحدة تفكر في إجراء مثل هذا التغيير المعلن في سياستها الحالية تجاه الصراع العربي-الإسرائيلي. 

ومع ذلك، وحتى في أفضل السيناريوهات التي يقدم فيها المجتمع الدولي الرؤية وخارطة الطريق هذه وتوافق حكومة إسرائيلية جديدة، تحت ضغط من الولايات المتحدة والقوى الإقليمية الكبرى، على تعزيز السلطة الفلسطينية وإحياء حل الدولتين، فإن السلطة الفلسطينية الحالية، بسبب افتقارها إلى الشرعية والمصداقية في نظر شعبها، ليست في وضع يمكنها من أن تكون لاعبا ذي مصداقية عند أحد.  ولكن يمكن في الواقع جعلها كذلك في ظل الظروف المنصوص عليها أعلاه.

إذا نجت السلطة الفلسطينية من الهجوم الحالي على قطاع غزة دون الكثير من الأضرار، وإذا تم وضع ترتيبات سياسية جديدة مستدامة على الطاولة في مرحلة ما في المستقبل القريب، على الرغم من أن ذلك قد يكون غير مرجح أبدا، فما هو المطلوب من السلطة الفلسطينية أن تفعل لتعطي نفسها الشرعية في نظر شعبها وتحولها للاعب فاعل في نظر المنطقة والمجتمع الدولي، لاعب يمكنه أن يساعد في استعادة السيطرة والاستقرار لقطاع غزة ، بما في ذلك حفظ الأمن وفرض النظام والقانون، وتكون في الوقت ذاته بمثابة القابلة لإقامة دولة فلسطينية؟

في ظل هذه الظروف، سيجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة أصعب تحديين حاليين: أولا، كيفية بلورة قيادة سياسية شرعية مقبولة من جميع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وثانيا، كيفية إعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة في نظام سياسي ديمقراطي واحد.  من نافلة القول إن القيادة الحالية للسلطة الفلسطينية خذلت الفلسطينيين في معالجة هاتين المسألتين. وبالمثل، يجب مواجهة الظروف التي أدت إلى الموجة الحالية من العنف غير المسبوق ومعالجتها. الفلسطينيون وحدهم هم القادرون على تغيير قيادتهم. وهم وحدهم القادرون على بناء نظام سياسي ديمقراطي. وهم وحدهم القادرون على بدء عملية حساب داخلية لمنع الدمار الحالي في غزة من الحدوث مرة أخرى أو من الحدوث في الضفة الغربية. الدرس المستفاد من العقود القليلة الماضية في التجربة الفلسطينية وفي المنطقة بأسرها هو أنه لا يمكن لأحد أن يفرض بنجاح تغيير النظام على الآخرين. 

إن الخطوات التي ينبغي للفلسطينيين اتخاذها في السياق الموصوف أعلاه تبدأ بدمج جميع القوى السياسية الفلسطينية في عملية سياسية رسمية، عملية تتمثل رؤيتها في بناء مؤسسات سياسية قوية وخاضعة للمساءلة، مع التمتع بالاحتكار الكامل للقوة المسلحة، أي بناء نظام سياسي ديمقراطي. وينبغي أن تسمح هذه العملية بإعادة حماس إلى العملية السياسية الرسمية للسلطة الفلسطينية مع القبول باحتكار السلطة الفلسطينية للقوة القسرية. وينبغي أن يتبع ذلك تشكيل قيادة وحكومة انتقاليتين غير سياسيتين متفق عليهما، لا يستمدان أي شرعية من رئيس السلطة الفلسطينية ولا تقدمان تقاريرهما له. في هذه الحكومة التكنوقراطية التي تمثل وجوها مقبولة من المجتمع الفلسطيني وقواه السياسية كافة، بما في ذلك حماس، يجب منح رئيس الوزراء الصلاحيات الكاملة للمنصب كما هو منصوص عليه في القانون الأساسي المعدل الحالي، في حين يجب أن تكون صلاحيات الرئيس متسقة مع القانون الأساسي المعدل نفسه ولكن بدون التدخل بعمله كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك بانتظار إصلاح هذه المؤسسة المشلولة وشبه الميتة.

يجب أن تكون المهام الأكثر إلحاحا للقيادة الانتقالية هي إعادة بناء نظام سياسي فلسطيني ديمقراطي حقا. يجب إحياء القضاء كسلطة مستقلة، ويجب استعادة حرية التعبير، ويجب مساءلة الشرطة والأجهزة الأمنية المماثلة أمام رئيس الوزراء، ويجب توسيع المساحة المتاحة للمجتمع المدني بشكل كبير، ويجب تعليق جميع المراسيم بقوانين المثيرة للجدل الصادرة عن الرئيس الفلسطيني التي همشت القضاء على مدى العقد الماضي، وحلت المجلس التشريعي، وأقامت محكمة دستورية صورية، ودمرت الحريات وتعددية المجتمع المدني. وفي غضون عام، يجب أن توافق جميع المجموعات المسلحة، بما فيها تلك التابعة لحماس، على نزع سلاحها وقبول الاندماج في قطاع الأمن الفلسطيني. بعدها يجب على الفلسطينيين إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في غضون عام أو عامين بعد تشكيل القيادة الانتقالية بحيث تشارك فيها جميع الفصائل. يجب أن يكون قبول العملية الديمقراطية، والانتقال السلمي للسلطة، واحتكار السلطة الفلسطينية للقوة المسلحة هي الشروط السياسية المسبقة الوحيدة للمشاركة.

 

الخلاصة:

ليكن واضحا لنا جميعا، لن يكون ممكنا حصول أي مما سبق بدون وجود رؤية شمولية لحل الدولتين وبدون خارطة طريق تفصيلية للوصول إليها وبدون وجود مسار تفاوضي واعد بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في إطار عربي إقليمي مبني على مبادرة السلام العربية. إننا بعيدون تماما عن حصول تطور كهذا. فلا توجد قيادة إقليمية أو دولية مستعدة لتبنيه ولا يوجد شريك إسرائيلي مستعد للقبول به. قد تجد إسرائيل نفسها إذا تعود بعد قليل لتلك الترتيبات الضمنية التي كانت قائمة مع حماس في قطاع غزة قبل السابع من أكتوبر لأنها تعفيها من مواجهة الأسئلة الصعبة التي يطرحها البديل عن ذلك. وحتى اللحظة يبدو المجتمع الدولي والقيادة العربية الفاعلة متواطئة مع إسرائيل في ذلك.