عند كل أزمة سياسية أو أقتصادية يُتحفنا مجلس الوزراء بمجموعة من القرارات أهمها دوماً ترشيد النفقات الحكومية واتباع سياسة التقشف، ولكن بدون توضيح آلية وفلسفة هذه السياسات وغالباً ما تكون هامشية وسطحية وليس لها أي تأثير أو مفعول جذري مُخالف لفلسفة وسلوك البذخ والتبذير وإهدار المال العام وسوء استخدامهِ.
للأسف الشديد فإن المنهج العام للسلطة مُنذ نشأتها هو نقل ونسخ نماذج الدول العربية المحيطة في طريقة إدارة الدولة بدءاً من الهرم الإداري والألقاب والمُسميات الوهمية مروراً بالتعيينات التي تعتمد الولاءات أو العلاقات الاجتماعية ووصولاً إلى التصنع في السلوك وتوسيع عدد المُمثليات الدبلوماسية والسفارات وطبعاً هذا له علاقة نفسية كبيرة بتقليد سلوك دول النفط الغنية بدلاً من اتباع نظم التواضع والتقشف الذي تُمارسهُ العديد من دول العالم الفقيرة والتي نالت استقلالها بعد نضال عنيد وتضحيات جِسام مثل بعض دول أمريكا اللاتينية أو أفريقيا.
على كلٍ أيها السادة في مجلس الوزراء، من يرفع شعار التقشف وترشيد الاستهلاك والصرف؛ عليهِ أولاً احترام تاريخنا وعقولنا والبدء فوراً بتطبيق سياسة عامة سبق وتحدث بها العديد من الحريصين على مستقبل شعبنا ومن المهم إعادة طرح بعض هذهِ الأفكار لعلها تناسب الواقع الذي نعيشهُ هذه الأيام.
أولاً: من المهم التخلي نهائياً عن المسميات والألقاب الوهمية وشطبها من المراسلات والأنظمة للكادر الحكومي أو الوزاري أو الأمني.
ثانياً: تأسيس كلية تدريب مهني حكومي لاستيعاب الآلاف من أبناء شعبنا الذين يعملون في مجال الحراسات مثل المرافقين والسائقين والحرس وغيرهم والذين تُهدر طاقاتهم في وظائف وهمية لا تُقدم أي فائدة أو خدمة لشعبنا أو اقتصادنا.
ثالثاً: تقليص عدد المُمثليات الفلسطينية من الخارج إلى النصف على أقل تقدير، وذلك بدمج مجموعات لدول قريبة جغرافياً ببعثة تمثيلية مشتركة عملاً بما تمارسه العديد من دول العالم الثالث الفقيرة.
رابعاً: اعتبار العمل النقابي أو السياسي أو التنظيمي عملاً طوعياً بدون مقابل مادي وهذا ينطبق على العديد من المؤسسات الفاعلة أو غير الفاعلة أو الوهمية و التي لا تقدم أو تؤخر في مسار العمل الوطني، وهذا ينطبق على رواتب لكوادر بشرية عديدة وإيجارات مكاتب وسيارات وسفريات ونثريات ليس لها أي فائدة سوى تعزيز الولاء وتغطية البطالة المُقنعة ومحاولة تعويض النقص الثقافي والأخلاقي.
إن العدوان الهمجي المتواصل على شعبنا وخاصة في القطاع الحبيب والدعم الشعبي الإسرائيلي لهذه السياسة يؤكد للأسف أن آفاق الحل السياسي وإيجاد تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي غير وارد في المدى المنظور وإن التركيبة الفكرية والسياسية للمجتمع الإسرائيلي إجمالاً أصبحت مُنقسمة بين تيارين، صهيوني متدين ومُعادٍ للفلسطينين وصهيوني علماني مُعادٍ أيضاً للفلسطينين ورغم الخلاف العميق بين هذين التيارين حول هوية الدولة ودستورها إلا أن التوافق بات كبيراً في العداء لشعبنا والتوافق على سياسة القتل والتدمير للبشر والحجر والشجر، وهذا يؤكد استحالة التوصل لحل سياسي عادل لشعبنا مما يتطلب منا تركيز الجهد في تعزيز جبهتنا الداخلية من خلال بناء أُسس مجتمع تسودهُ العدالة والشفافية وسيادة القانون والديمقراطية والتعددية والتركيز على أُسس وركائز الصمود وخاصة في مجال الصحة والتعليم والبنية التحتية، والأهم من ذلك عدم غفلان حقيقة الواقع أننا جميعاً نعيش تحت الاحتلال ونستيقظ من وهم الأحلام والمُسميات والألقاب التي تؤخر عملية الصمود والبناء والوحدة.