الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إنحياز وسائل إعلام غربية للسردية الإسرائيلية / بقلم نبهان خريشه

2023-12-11 07:21:23 PM
إنحياز وسائل إعلام غربية للسردية الإسرائيلية / بقلم نبهان خريشه

 

أجرى مقدم البرامج التلفزيونية البريطاني بيرس مورغان، عدة حوارات مع عدد من الشخصيات العامة الفلسطينية والعربية، منهم السفير الفلسطيني في بريطانيا حسام زملط ، والكوميدي المصري باسم يوسف، حول الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة في برنامجه التلفزيوني "دون رقابة".. مورغان يبدأ الحوار عادة بسؤال يظهر تحيزه لإسرائيل: "هل تدين بما قامت به حماس في 7 أكتوبر؟!".. ويستخدم مورغان عدة اسلحة لإخفاء إنحيازه لإسرائيل، وهمجية وتوحش قصفها لقطاع غزة، منها البرودة الإنجليزية، والوجه البلاستيكي بلا تعابير، ومقاطعته لضيوفه بأسئلة كثيره. وعندما يُواجه بذكاء وفطنة الضيف، يستخدم مورغان عبارات لإستدرار الشفقة، مثل "خطف الجدات" و "قطع رؤوس الاطفال" متجاهلا تماما فتك آلة القتل الإسرائيلية، بآلاف النساء والأطفال والرجال في قطاع غزة.

  ومع بداية الحرب كانت بعض وسائل الإعلام الغربية، بينها شبكة "سي إن إن"، قد روجت شائعة "إقدام حركة حماس على ذبح أطفال في مُهودهم"، حتى أن الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه أشار إلى ذلك في إحدى كلماته، ما لبث أن أعلن البيت الأبيض في بيان لاحقا، أكد فيه أن "هذه المعلومة لم تكن دقيقة"!! . كذلك اعتذرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، عن وصفها متظاهرين داعمين لفلسطين في لندن، بأنهم "داعمون لحماس". وبصفة عامة، ركزت التغطية الإعلامية الغربية على "إدانة حماس"، هذه الإدانة كانت هي السؤال الإفتتاحي، في معظم اللقاءات التي أجرتها قنوات تلفزيونية بريطانية وأمريكية، مع مسؤولين عرب وفلسطينيين، وكأن السياسة التحريرية لهذه القنوات موحدة!!  

إن للصحافة الرصينة أسس تقوم عليها، منها على سبيل المثال لا الحصر، الحيادية والنزاهه وتدقيق المعلومات للتأكد من صحتها، وتغطية القصة من كافة جوانبها، الا أن كثيرا من وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية، تردد الإدعاءات الإسرائيلية بتحيز منهجي، وبدون تدقيق وبسرد جانب واحد من القصة، وتبرير قتل آلاف المدنيين الفلسطينيين لأن حماس تتخذ منهم دروعا بشرية. وبذلك فإن المؤسسات الإعلامية الغربية تجرد الفلسطيني من إنسانيته، وتُضفي الشرعية على إنتهاكات إسرائيل للقانون الإنساني الدولي، بقصفها الإنتقامي المتوحش لقطاع غزة، كما تتجاهل السياق التاريخي لمعاناة الشعب الفلسطيني على إمتداد 75 عاما، وبالإضافة لذلك، كانت إسرائيل محجا للمراسلين الغربيين، الذين أعدوا تقارير كثيرة عن حزن العائلات الإسرائيلية، ولم تسمح لهم إسرائيل لهم بدخول غزة، فإكتفوا برواية جانب واحد من القصة ..              

إن الدور الذي تؤديه بعض وسائل الإعلام في الغرب يشوه الحقيقة، ولا يعكس وظيفة الإعلام المتمثلة بإيصال الأخبار والمعلومات إلى الرأي العام بنزاهة، دون انحياز إلى طرف دون الآخر، ونتيجة لذلك، فقد الكثير منها مكانتها بسبب هذا التضليل والانحياز بسبب إتجاهات وسائل الإعلام هذه وأجنداتها  التي تتساوق مع المستويات السياسية في الدول التي تعمل فيها ...  وتهميشا للمعلقين السياسيين العرب والفلسطينيين، فقد حذفت محطة (سي بي إس) الأميركية مثلا، مداخلة للباحثة القانونية الفلسطينية الأميركية نورا عريقات في برنامج (برايم تايم)، في الحلقة نشرتها على الإنترنت، "بسبب انتقادها لتأطير المذيع تصرفات إسرائيل، وبأنها كانت "عدائية" للغاية" بحسب المحطة ،إلا أن نورا عريقات أفادت، بأن المذيع وصف هجمات حماس بـ"الهمجية"، وأنها طلبت منه استخدام المصطلح نفسه لوصف ما تقوم به إسرائيل الا أنه لم يفعل. 

وعلى الجانب الآخر، وعلى الرغم من إنحياز وسائل الإعلام الغربية التقليدية الرئيسية لجانب إسرائيل، في مجهودها الحربي الإعلامي، الا أنها خسرت حربها لتجنيد الرأي العام الدولي خلف إدعاءاتها، وإخفائها لسلوكها الوحشي الإنتقامي في حربها على قطاع غزة، التي فضحتها وسائل التواصل الإجتماعي، ببث منصات إنستغرام والتيك توك واليوتيوب لفيض هائل من مقاطع الفيديو والنصوص، التي  تكشف عن سردية مغايرة تماما لسردية شركات الإعلام التقليدي الغربية العملاقة. وبواسطة منصات  التواصل الإجتماعي، تمكن جمهور واسع في جميع أنحاء العالم، من مشاهدة عددًا لا يحصى من مقاطع فيديو لأطفال تمزقهم القنابل، ونساء يُسحقن تحت أطنان من الخرسانة، وأمهات يحتضنن جثث أطفالهن الذين سقطوا بالقصف الإسرائيلي العشوائي لقطاع غزة من البر والبحر والجو.

وعلى ضوء تبني قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي للسردية الفلسطينية، بشأن الحرب على قطاع غزة، وخروج الملايين من الناس في شوارع وميادين العديد من المدن حول العالم، بما فيها الأمريكية والآوروبية للمطالبة بوقف الحرب على القطاع، بفضل وسائل التواصل الإجتماعي، سرعان ما فرضت منصات "ميتا وإكس" خلال شهر نوفمبر، قيودا جديدة على المحتوى الفلسطيني، بعد اجتماعات لرؤسائها التنفيذيين مع جهات سياسية وإستخباراتية إسرائيلية وغربية، بل وذهبت لأبعد من ذلك بإتاحة المجال لخطاب الكراهية والعنف والعنصرية الاسرائيلية، بالانتشار بشكل أوسع. وفي شهر نوفمبر 2023 سجل "مركز صدى سوشال" في رام الله مثلا، اكثر من 3 آلاف إنتهاك للحريات الرقمية الفلسطينية عبر المنصات المختلفة. واظهر تحليل بياني لمحتوى منصة "تيك توك"، تسجيل 54 مشاهدة لصالح المحتوى الفلسطيني، مقابل مشاهدة واحدة لصالح المحتوى الإسرائيلي، ما دفع بمسؤولين إسرائيليين وأوروبيين وأمريكيين متخصصين بالفضاء الرقمي، لعقد إجتماع مع الرئيس التنفيذي لمنصة تيك توك "شو زي تشيو"، للبحث في سبل الحد من انتشار المحتوى الفلسطيني، وزيادة الإسرائيلي، كما توصل الرئيس التنفيذي لمنصة X "إيلون ماسك"، خلال زيارته لإسرائيل نهاية نوفمبرالى اتفاق، من بين بنوده عدم توفير خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية لقطاع غزة، الا بموافقة الحكومة الإسرائيلية.      

إن إسرائيل ليست الوحيدة التي خسرت حرب العلاقات العامة في حربها على غزة، بل إن الإدارة الأمريكية أيضا، قلقة بشأن تغير الرأي العام في الولايات المتحدة لصالح الفلسطينيين، قبل نحو عام على الإنتخابات الرئاسية، وتراجع التأييد في اوساط الشباب الأمريكيين للرئيس بايدن، إذ كشفت بيانات لمؤسسة غالوب أن "تعاطف الديمقراطيين في قضايا الشرق الأوسط أصبح الآن مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين بواقع 49% مقابل 38 % ". وفي الوقت ذاته، بدأ العديد من أعضاء الحزب الجمهوري أيضاً، في إعادة التفكير في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يتعلق بالمساعدات الخارجية، حيث دفع مبدأ "أمريكا أولا" الذي تبناه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب العديد من الجمهوريين إلى التساؤل عما إذا كان دعم إسرائيل بالمساعدات العسكرية المنتظمة يجب أن يظل أولوية في السياسة الخارجية للحزب؟!