أجرى الحوار : سلطان القيسي*
ليس غريباً تَصدُّر الأفلام الفلسطينية قوائم الجوائز العالمية، وتوصيات لجان التحكيم، في الآونة الأخيرة، إلا أن هذا الأمر يعيدنا إلى ملف قديم، ربما كان أول ملفٍ في تاريخ السينما العربية، ألا وهو "الأخوين بدر وإبراهيم لاما": الفلسطينيان اللذان جاءا من تشيلي سنة 1926م ليقيما أول دار إنتاج سينمائي عربية، وبسبب الظروف السياسية المعقدة آنذاك في فلسطين قررا إقامة مشروعهما في الإسكندرية في مصر، أعني بالطبع شركة "كوندور فيلم" التي أنتجت فيلم "قبلة في الصحراء" أول فيلم عربي، ويبدو أن هذه الشجرة بدأت تؤتي ثمارها الناضجة، أفلام فلسطينية بدأت تخطو بثقة إلى العالم لتؤشر على فلسطين من جديد، وتقول للعالم مرة أخرى أن هناك شعب حقيقي يرى بالعين المجردة وعلى شاشات السينما أيضاً اسمه الشعب الفلسطيني، آخرها كان فيلم "عمر" ربما، لمخرجه هاني أبو أسعد، الذي كان مرشّحاً بقوة لنيل جائزة الأوسكار 2014،كذلك فيلمه "الجنة الآن" الذي حصل على جائزة مهرجان برلين، وجائزة الفيلم الأوروبي، و جائزة العجل الذهبي في هولندا، وجائزة الجولدن جلوب، وجائزة مهرجان دوربان في جنوب أفريقيا ونذكر أيضاًفيلم "يد إلهية" لإيليا سليمان الذي حصل على جائزة "كان" 2002 وجائزة سكرين في مهرجان السينما الأوروبية، وفيلم "سجل اختفاء" لإيليا سليمان أيضاً والذي حصل على جائزة لويجي دي لاورينتيس في فينيسيا، و"ملح هذا البحر" للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر الذي ترشح لجائزة كان وحصل على جائزة ميلان ومهرجان دبي، ومن بين هذه الأفلام فيلم "أمريكا" للمخرجة الفلسطينية شيرين دعيبس الذي حصل على جائزة القاهرة، وجائزة كان أيضاً، وترشح للغوثام أوورد وصندانس فيلم فيستسفال وإيميج أوورد وإنديبيندنت سبيريت أوورد، كما حازت بطلته نسرين فاعور جائزة أفضل ممثلة في مهرجان دبي السينمائي " جائزة المهر العربي".نسرين فاعور ممثلة ومخرجة فلسطينية رشحت لعدة جوائز عالمية كأفضل دور نسائي أهمها سبيريت أوورد في لوس أنجلوس. مثلت عدة أفلام سينمائية كبطلة رئيسية: "في الشهر التاسع"،و"جمر الحكاية"إخراج علي نصار، و "ماريا .. نسرين"إخراج محمد توفيق، و"فيلا توما"إخراج سها عراف، كما قدمت الفنانه نسرين فاعور العديد من الأعمال المسرحيه كممثلة وأيضاً كمخرجة وشاركت في العديد من المهرجانات العالمية والمحلية أهمها أيام قرطاج المسرحية ومهرجان المسرح العالمي في سيبيو رومانيا، ومهرجان الحكايا في ويلز بريطانيا، عملت الفنانة نسرين فاعور في جامعة ايسن في ألمانيا للفنون الأدائية كمحاضرة في موضوع تطوير الوعي الذاتي من خلال أدوات الدراما، اليوجا وعلم الطاقه كإرشاد وإعداد للممثلين.
وعلى هامش الحديث معها عن السينما الفلسطينية كان هذا الحوار:
1.هل ترين أن السينما الفلسطينية تأخرت؟ وهل هناك رابط بين ما يفعله الفلسطينيون الآن وما فعله الفلسطينيان الأخوان الأعمى أو "لاما" في مصر؟
الفن بالمجمل في فلسطين دائم الأزمات، ومتأثر بشكل واضح بمجريات الحدث اليومي القابع تحت منظومة احتلال الأرض والذات، فلم يسلم وضع السينما والإنتاج السينمائي من غلة الواقع المتقلب وغير المستقر، فمتطلبات الإنتاج السينمائي بحجمها وميزانيتها تكبر نسبياً أي نتاج فني آخر من الفنون. فلا أقول تأخرت إنما بتطور بطيء عاندت فيه العوامل الحياتيه والاقتصادية، ويمكن القول إن السينما دائمة الازدهار، فالمعاناة والصراع الحياتي هو ما شكل ميزة سينمانا، ومازلنا أرض الصراع لخلق دائم وميلاد متجدد من القضايا المطروحة.
ما قام به رواد السينما الفلسطينية بدر وإبراهيم لاما بداية للمسيرة ولمسار السينما في العالم، ولذا أعتبر كل ما أتى بعدهماتتمة لبدايات وحتى لو بدت فردية إنما بالمجمل تحمل روح المبدع المنبثقة من وطن واحد وقضية واحدة، مع أن ما قدموه من أعمال سينمائية لم يكن محورها القضية الفلسطينية، ولكن ما سجله التاريخ لصالحهم من انبثاق الفن السينمائي في العالم العربي جدير بأن يتوَّج بفلسطينيتهما وهنا أعود لبداية تعريفك بـ " السينما الفلسطينية " فهي الحكايا وأيضا المبدع على حد سواء.
2. هل ترين أن الفيلم الفلسطيني حبيسَ ثيمة محددة متعلقة بالاحتلال؟ أم أنه يفلت منها دائماً من حيث الطرح الرئيس للفيلم إلا أنه يصطدم بها كأمر واقع من خلال التفاصيل؟
حقاً ما تقول الفلم الفلسطيني نعم ما زال حبيس ثيمة محددة وهذا ما يتوقعه الجمهور العربي بالذات، فما زالت الشخصية الفلسطينية النمطية عالقة في الأذهان، وغير متحرره من المتوقع .. فما زال صراع الأرض والبقاء متشبث في مواصفات الشخصية الذكرية والأنثوية، وبشكل عام أشمل من تفاصيل التفاصيل القابعه في ظل الوضع الأمني .. وما نشهده اليوم هو تسليط الضوء على الإنسان ذاته في ظل الأوضاع العامة، والتي تولد المناضل والشهيد والسجين وأم الشهيد وليس العكس .. فما أعنيه هو تغير للمعادلة، بشكل أدق من الخاص إلى العام .. لكي نعزز الحياة فينا من أجل الدفاع وبث قضيتنا، فتصبح القضيةأوسع، تحاكي الإنسانيه والإنسان أينما يقبع . وليس العربي فقط إنما في كل أرجاء العالم.
3. لماذا تحصد الأفلام الفلسطينية الجوائز؟
لماذا لا تحصد الجوائز ؟؟ لدينا الحكاية والقضية والطرحالعميق والإنساني، والبعد الحياتي للوجود والكيان،ولدينا الطاقات المبدعة من إخراج وصورة وتمثيل . قدرات تنافس العالميةفلمَ لا تحصد الجوائز؟ فاذا كانت تجاوب كل معطيات النجاح وبالذات القضية الإنسانية التي تحاكىي الإنسان أينما كان فلا بد أن تكون بالمنافسة .. ولكن ليست المقياس لنجاح الفيلم أو فشله، فالكلمة تبقى للجمهور فهو الحكم في الأول والأخير، وأيضا الإعلام له الدور الأكبر لترويج الفيلم وانتشاره. الجوائز مهمة لتضع القضية الفلسطينية على خارطة المهرجانات والعالم.
4. هل يتعاطف النقاد مع الوضع الفلسطيني فيمنحون الفلسطينيين الجوائزَ أم أن الفلسطينيين يستحقونها؟
أعتقد العكس:لو تعاطف النقاد لكنا حصلنا على أكثر جوائز في العالم، وأتمنى أن يكون هناك تعاطفاًأكبروأكثر، فهذا يمنحنا المقدرة علىإيصال قضيتنا على نطاق أوسع ليصل كل العالم، وإذا كان هناك أي تعاطف فليكن، لمَ لا؟ولكن في بعض الأحيان أخشى من هذا التعاطف لترويج أفلام لا تتعمق بالواقع والكيان الحق للإنسان الفلسطيني أو من المستوى المتدني للمهنية والتقنيات .. ولكن الجمهور هو الحكم في النهاية وجمهورنا ليس بغبي، يقدر أن يميز الغث من السمين، وذلك يعودطبعا للكم الهائل من الإنتاجات التلفزيونية، وللفضائيات المفتوحة لاختياراته.
5. لماذا لا يجد الفيلم الفلسطيني تصفيقا في الصف العربي كنظيره المصري مثلاً؟
ما زلنا بصدد نهضة سينمائية سنواتها قليلة نسبياً عن التطور والانتشار الذي حاز عليه الفيلم المصري،كما تصعب المقارنه أحياناً .. لكن هناك جمهور واسع وحضور كبير للفلم الفلسطيني في شتى المهرجانات العربية والعالمية وأيضا عبر القنوات الفضائية .. ففي السنوات الأخيرة برز العديد من الفنانين والمخرجين والمخرجات الفلسطينيات في العديد من المحافل الثقافية والسينمائية في العالم أجمع ..كل ما نحتاجه في الحقيقه إعلام وترويج أوسع يبدأ من المحلي حتى العالمي
6. ممَ يعاني الفنان الفلسطيني، السينمائي على وجه التحديد؟
السينمائي الفلسطيني كأي فنان في الوطن أو في الشتات يصارع لقمة العيش، وأنا مسؤولةعن كلامي هذا .. يفتقر للشريك الأكبر في طور تطوره؛ألا وهو الإعلامي والصحفي الذي ينقل مساره الفني وإنجازاته داخل وخارج حدود هذا الوطن المشتت،إنتاجات محدودة.. عدم وجود نقابة فاعلةأو نظام سينمائي معتمد كما في العالم كله وأقصد منتجين أو وكلاء ممثلين. فالمجهود الشخصي والذاتي واقع على الفنان نفسه، ولهذا نلاحظ طاقات هائلة ولكنها محدودة الإنتاج، ناهيك عن شحّ التمويل والإنتاج.
7. احكي لي عن فيلم "أمريكا" .
فيلم "أمريكا" هو النعمة واللعنةفي نفس الوقت؛ من خلاله تكشفت على صناعة سينما مهنيه جداً منذ التحضير وحتى التسويق والانتشار، هو الفيلم الرابع لي بعد "في الشهر التاسع " و"جمر الحكايا" من إخراج علي نصار و "ماريا نسرين" من إخراج محمد توفيق .
حصلت على جائزة المهر العربي في مهرجان دبي لأفضل ممثلة عام 2010 وأيضا ترشحت من خلال دوري فيه لأفضل دور نسائي لعام 2010 في لوس انجلوس في جوائز السبيرت أوورد وهو بمثابة الأوسكار للأفلام المستقلة، من ضمن أول 5 ممثلات في العالم اثنتان منهن حاصلات على الأوسكار (هيلين ميرن، وجينيث بالتو).كما شاركت في العديد من المهرجانات العالمية مثل مهرجان كان في فرنسا وساندنس في أمريكا، وعرض الفيلم في العديد من دول العالم وبث على بعض الفضائيات العربية والعالميةأيضاً ..
تم تصوير الفيلم في أمريكا وكندا وفلسطين، يحكي الفيلم قصة الأم التي سعت لبدء حياة جديدة بعد انفصالها عن زوجها تاركاً ابناً في عمر المراهقة، ومن فلسطين ترتحل إلى أمريكا " بلد تحقيق الأحلام " كما هو المعتقد السائد، لتكتشف مواجهات أخرى أوسع من النطاق الضيق الذي عايشته من ظروف وتهديد الاحتلال للكيان والوجود لواقع المهاجرين وللعرب، بالتحديد بعد أحداث 11 سبتمبر.
وقد لاقى، وبذكاء الطرح، تعاطفاً كبيراً من قبل كل المغتربين وغير العرب أيضا، فمشكلة الهجرة والمهجرين حاكت كل مغترب أينما كان بعيداً عن وطنه ..
حتى اليوم ما زلت أعايش نجاحاتي بدور "منى" في فيلم أمريكا، فمنها شاركت بالعديد من المهرجانات وتعرفت على سنمائيين عرب وعالميين ودرج اسمي عالمياً كنجمة سينمائية تمتلك الموهبة والمهنية،ونلت التقدير على عملي هذا كما شاركت في العديد من المهرجانات كعضو لجان تحكيم كمشاركتي في مهرجان مسقط ومالمو.أيضا -والأهم بالنسبة لي من كل هذه الإنجازات والأمر الذي عزز من ارتباطي بقضيتي على المستويين المهني والشخصي- هو التقائي بالمغتربين والمهجرين الفلسطينيين في شتى أنحاء العالم، وحتى أنني اكتشفت وتعرفت على بعض من أفراد عائلتي وأقربائي وأبناء بلدي من النازحين واللاجئين الذين لم أكن أعلم بوجودهم أصلا في هذه الحياة.. هذا ما تعلمته: أن السينما وحياتي كممثلة ما هي إلا وسيلة لتحقيق شيء سامٍ يرتبط بي حتى النخاع .. كما تعلم أنا وليدة قرية اسمها "ترشيحا" والواقعه في شمال فلسطين التاريخيه أي في أراضي اـ48 حسب المضطلح المتداول ،مع أنني أمقت هذه التسمية، وتعرف أننا نقبع تحت احتلال دائم حدودياً ونفسياً وذاتياً حتى .. فتواصلنا مع العالم العربي كان وما زال محدودا جدا، حتى منعنا كليا بالتقاء أفراد عائلاتنا الذين هجُرّوا خلال الحرب مما أفقدنا أي تواصل حتى السنوات الأخيرة، التي تطورت فيها التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي وهكذا فُكّ–تقريباً- عنا الحصار والعزلة، وبدأنا باسترجاع لحمة الصلة والرباط العائلي والاجتماعي .. فشعرت أن كل ما حصدته من خلال انتشاري الذي حققه فيلم "أمريكا" هو فقط تجاه قضيتي وواجبيالوطني الذي يرتبط كلياً بمساري الشخصي.
8- هذه هي النعمة التي حققتها من خلال هذا الفيلم، وأما اللعنة: ماذا بعد فيلم "أمريكا"؟
بصراحه كنت أتمنى أن أتلقى دورا أوعرضاأوسع وأعمق وأبعد من دوري في فيلم "أمريكا"، يكمل مساري المهني الملتزم،ولكن ما أواجهه اليوم شحّ الأدوار،وشحّ الإنتاج،وانعدامه تقريبا، وأيضا عدم مقدرتي على التوسع في العالم العربي كممثلة آتية من حدود الـ 48 وتقبع تحت خانة المسميات والتطبيع. هذا على المستوى السينمائي ولهذا أعمل جاهدة من خلال أعمال أخرى على أن أكمل المشوار.
*شاعر وكاتب من فلسطين