الحدث- محمد مصطفى
في جنح الظلام يبدو المشهد خلاباً، فعشرات مراكب الصيد الصغيرة تشعل أنوارها الساطعة على بعد أميال قليلة من الشاطئ، وتحول البحر إلى لوحة فنية متلألئة، تأسر بجمالها كل من يشاهدها.
فالأنوار الجميلة، ما هي إلا وسيلة يستخدمها الصيادون لجذب الأسماك المهاجرة إلى الشباك، لكن ما يقع منها في الشرك قليل، مقارنة بالأسراب التي تمر في مثل هذا الوقت من العام.
فالمساحة المحدودة التي تسمح إسرائيل للصيادين التحرك فيها، وهي عملياً لا تزيد على خمسة أميال بحرية، فقيرة، والأسماك المهاجرة في الغالب تمر على مسافة أبعد منها، وهي وفق الصيادين تتراوح ما بين 9-12 ميل بحري.
وكثيراً ما ينشغل بعض الصيادين في ملاحقة الأسراب الكبيرة للأسماك، وقبل التعمق في المياه أكثر، تواجههم الزوارق الإسرائيلية بنيرانها الكثيفة، حينها يضطر الصيادون للعودة، وقد يتطور الأمر لملاحقة المراكب، وتخريب معدات الصيد، ما يعرض الصيادين لخسارة كبيرة.
موسم على وشك الرحيل
الصياد عمر منصور، بدا مرهق الوجه شاحب العينين، من كثرة السهر وسط البحر، وأكد أن الموسم الحالي على وشك الانتهاء، ولم يحقق الصيادون ما كانوا يتمنونه من صيد وفير، فالزوارق الإسرائيلية تقف في عرض البحر بالمرصاد، لكل صياد يحاول السعي وراء رزقه.
وأوضح منصور لـ"الحدث" أن المراكب تتعرض بصورة يومية لإطلاق نار إسرائيلي، حتى خلال تواجدها في المنطقة المسموح الصيد بها، فالأمر هو إصرار إسرائيلي على تكبيد الصيادين أكبر خسائر ممكنة، وإفشال موسم الصيد الحالي، كما أفشلت سابقاته من المواسم.
وشدد منصور على أن الصيادين لا يمتلكون خياراً آخر، لذلك فهم يدخلون البحر في كل مساء، وكلهم أمل بالعودة في الصباح برزق وفير، يوفر قوتهم وقوت أبنائهم.
ولوحظ خلال الأيام الماضية صغر أحجام اسماك السردين المعروضة في السوق، فبعضها لم ينمو له قشور بعد، ولا يكاد يتعدى حجمها عقلتي الإصبع، وتباع بأسعار منخفضة تتراوح ما بين "2-3" شيكل للكيلو غرام الواحد، وهو في الغالب يستخدم في صنع "كفتة السمك".
أما الصياد محمد زعرب، فأكد أنه لو تم تطبيق ما اتفق عليه في تفاهمات التهدئة الأخيرة ما بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، وسمح لنا بالصيد حتى مسافة 12 ميل بحري، لأغرقنا أسواق القطاع بأجود وأفضل أسماك السردين، فالموسم الحالي يبدو موسم خير، وما نصيده هو حافة الأسراب، التي تصلنا.
وأكد لـ"لحدث"، أن موجة الحر الأخيرة، دفعت بأسراب كبيرة من الأسماك للمرور من أمام سواحل القطاع، لكن للأسف معظمها يسبح على بعد كبير نسبياً من الشاطئ، والصيادين حتى ينجحون في صيده يجب أن يلاحقوه في العمق، وهذا أمر غير مسموح، ويجابه بالرصاص.
وبين أن الصيادين وتجناً لمخاطر محتملة، يرضون بالفتات، ومعظم يرسوا بمراكبهم على مسافة قريبة من الشاطئ، أملا بأن يصدفوا سرب تائه.
واستذكر زعرب ما وصفه بسنوات الخير، حين كان الصيادين يبحرون جنوباً، حيث المياه المصرية الغنية بالأسماك، ويصولون ويجلون فيها دون أن يمنعهم أحد، ويعودون منها برزق وفير، وفي حال لم يحالفهم الحظ بالصيد، وهذا نادراً ما يحدث، كانوا يلتقون في البحر بنظرائهم المصريين، ويشترون منهم الأسماك بأسعار رخيصة، ليبيعونها في قطاع غزة.