الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

حرب الإبادة و خطر التهجير.. بين تقويض الأونروا وإعادة استيطان القطاع| بقلم: جمال زقوت

2024-01-30 08:52:48 AM
حرب الإبادة و خطر التهجير.. بين تقويض الأونروا وإعادة استيطان القطاع| بقلم: جمال زقوت

 

يوما تلو الآخر، تتضح مخططات حكومة الاحتلال بفرض ما تسميه «التهجير الطوعي»، والذي هو في الواقع هدف استراتيجي لحكومة عصابة الحرب، من خلال تدمير وتجفيف كل مصادر حياة الفلسطينيين في قطاع غزة، فالعدوان الإجرامي يتأرجح بين هدفي الإبادة والترانسفير الجماعيين.

وبالرغم مما يبدو أنه تراجع إسرائيلي لفظي عن الترحيل الجماعي، إلا أن وقائع الحرب واستمرار جرائم الإبادة التي طالت حياة ما يقارب 100 ألف فلسطيني بين شهيد ومفقود وجريح إصابات الكثير منهم خطرة، وقد تؤدي بسبب ذلك لوفاة ما لا يقل عن ثلث الجرحي وفقا لتقديرات الجهات الصحية، سيما في ظل التدمير شبه الكامل والمستمر للمستشفيات القادرة على التعامل مع بعض الإصابات الخطرة، وانعدام الإمكانيات الطبية فيما تبقى منها، هذا بالإضافة لتهجير ما يزيد عن 90% من السكان، والذي ما زال مستمرا، فبعض العائلات تهجرت لثلاث أو أربع مرات دون أن تجد مأوى أو مكانا بعيدا عن خطر الموت.

التدمير بهدف التهجير

هذه الأرقام غير المسبوقة والتي تشمل ما لا يقل عن 70% من الأطفال والنساء، وما رافقها من تدمير معظم وسائل الحياة الضرورية لشعب فقد الأغلبية الساحقة من مأواه السكني وبنية مجتمعه التحتية من مدارس ومشافي وعيادات ومؤسسات خدماتية أهلية وحكومية، وشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء، ويُفرض عليه حصار غذائي ودوائي واحتياجات الوقود، إلا بالقدر الذي لا يتعارض مع خطة الحرب الإسرائيلية التي تستهدف كل ما يُمكّن الناس من البقاء.

وفي هذا السياق كانت وما زالت خطة الترانسفير الداخلية من الشمال إلى الجنوب وفق مخططاتها العسكرية، ليس بهدف ما تدعيه من توفير أماكن آمنة، فلا مكان آمن على الإطلاق في القطاع، بل بما يدفع المدنيين والعائلات الفلسطينية من التجمع في أقصى الجنوب على الحدود المصرية في مدينة ومخيم رفح، تمهيدا وحسب معطيات اللحظة دفعهم «قسرا بالقوة» أو ما تسميه «طوعا» بفعل الأمر الواقع التدميري نحو سيناء.

دعوات جادة لإعادة استيطان غزة

مخططات التهجير هذه بدأت تترافق، ليس مع مجرد دعوات متناثرة لإعادة استيطان القطاع، بل وصلت حد تجمع القوى الاستيطانية العنصرية في المجتمع الإسرائيلي، والتي باتت تتحكم في مسار السياسة الرسمية وتُحكم القبض على عنقها، لعقد مؤتمر علني في ما يسمى «مباني الأمة» في القدس المحتلة لبلورة خطط عملية لتنفيذه، دون أي صوت يعترض أو يرفض ذلك بشكل واضح.

القديم الجديد لشطب الأونروا

في وسط هذا الاندفاع نحو ما يقوم به نتنياهو وعصابته من استمرار للحرب التدميرية وإعاقة دخول المساعدات الإنسانية، جاء الإعلان عن قرارات تجميد دعم الدول الأكثر دعما للأونروا بحجة تعاطف عدد أصابع اليد من موظفي الأونروا مع حركات المقاومة، ورغم ما اتخذه كل من الأمين العام للأمم المتحدة غوتريتش ومفوض الأونروا لازاريني من إجراءات فصل مجحفة لتسعة من هؤلاء الموظفين إلا أن هذه الدول تواصل الإعلان تباعا عن تجميد دعمها للأونروا ، الأمر الذي يشي، إن لم يجري مواجهته، بخطرين داهمين أولهما مزيد من الضغط على الحياة المعيشية للسكان النازحين، والذين يعتمدون بشكل كلي على دعم الأونروا والمساعدات الإنسانية التي تقدمها، لدفعهم للتهجير، وأما الخطر الثاني فهو التخلص من الأونروا كعنوان ليس فقط لرعاية شؤون اللاجئين، بل ولشطب قضية اللاجئين ولحقهم في العودة.

وبالتأكيد هو ليس مجرد رد فعل على قبول محكمة العدل الدولية لطلب جنوب إفريقيا باتهام إسرائيل بارتكاب الإبادة الجماعية وضرورة محاكمتها على هذه الجرائم البشعة، فشطب الأونروا طالما كان هدفا إسرائيليا من بداية تأسيسها، كما بات هدفا لحلفائها الغارقين في النفاق المزمن إزاء القضية الفلسطينية وعدالتها.

محكمة العدل الدولية و العدالة الإنسانية

بالرغم من أهمية قرار محكمة العدل الدولية بقبول طلب جنوب إفريقيا اتهام إسرائيل بجريمة الإبادة الجماعية لسكان قطاع غزة، فإن عدم النص على ضرورة وقف الحرب كما جرى مع أوكرانيا على سبيل المثال، يشير إلى أن منظومة العدالة الدولية أمام امتحان حقيقي، فهذه المنظومة لم ترتقِ بما يكفي للاستجابة إلى متطلبات العدالة ذاتها، وإلى مطالب الرأي العام للشعوب المنتفضة ضد حرب الإبادة الإسرائيلية والمطالبة بوقفها، كما أن هذا الخلل الذي قد يهدد مصير القانون الدولي ومنظومة العدالة الدولية، لم يعد مقتصرا على فلسطين وحدها، بل هو قضية شعوب الإنسانية برمتها، وهو ما يتطلب بناء استراتيجية فلسطينية متكاملة باعتبارها جزءا ومركزا لمعسكر العدالة الإنسانية الكونية في مواجهة معسكر الإبادة ومخلفات الاستعمار القديم والجديد، والتي تشكل العنصرية الصهيونية للاحتلال الإسرائيلي مركزه الأكثر بشاعة في العصر الحديث.

استراتيجية موحدة لوقف الحرب ومواجهة التصفية

بناء مثل هذه الاستراتيجية في فلسطين لا يمكن إنجازه دون وحدة مختلف مكونات الشعب الذي يتعرض لهذه الإبادة وخطر التطهير العرقي، والذي لم يعد مجرد خطط في الأدراج.

والسؤال الموجه اليوم لمجمل أطراف الحركة الوطنية المنضوية في إطار منظمة التحرير، و التي لم تعد لشديد الأسف، في ظل واقعها الراهن والإصرار على تهميش دورها وتقويض مكانتها كائتلاف عريض وجبهة وطنية لقيادة النضال الوطني، ذات صلة بهذه التحديات، على الأقل من وجهة نظر الأغلبية الفلسطينية، سيما قواها الحية والشابة من الجنسين.

والسؤال الآخر هو إلى متى ستظل القيادة المتنفذة تدفن رأسها في الرمال وتبلع لسانها، دون أي مبادرة أو خطة أو موقف لمواجهة هذه التحديات المصيرية بوحدة موقف يتصدى لهذه المخططات، بل فهي ما زالت تشيح بوجهها عن أية رؤىة ملموسة تدعو دون مماطلة إلى ضم كل القوى، وخصوصا القيادتين السياسيتين لحركتي حماس والجهاد إلى قيادة المنظمة ودون أية شروط مسبقة سوى المصلحة الوطنية العليا، باعتبار ذلك هو الخيار الوحيد أمام شعبنا لتعزيز صموده، وقيادة نضاله نحو إنهاء الاحتلال وممارسة حقه في تقرير مصيره بما يشمل انتخابات مؤسساته الوطنية الجامعة على جميع المستويات.

ولهذه الأسباب وغيرها، فإن المنظمة بما تعانيه من تهميش ومن صراع فئوي على شرعيتها المفرغة من مضمونها، باتت تبدو من وجهة نظر نسبة كبيرة من الفلسطينيين، وكأنها معزولة عن الواقع وعن هموم وتطلعات الأغلبية الشعبية.

السؤال الحقيقي هو: لماذا هذا الانتظار الذي لا يمكن أن يساهم في تسريع إنهاء الحرب، لا بل ويساهم في جعل إنهائها مرهونا بقرار من نتنياهو.

والسؤال الآخر: هل تعتقد القيادة المتنفذة أن قدرة الناس على الصمود ستظل ثابتة إلى ما لا نهاية دون توفير الحد الأدنى من متطلبات هذا الصمود، وفي مقدمة ذلك استعادة الأمل في قلوب وعقول المنكوبين، وبما يستدعيه ذلك من ضرورة الانحياز للإرادة الشعبية بالوحدة، وبما يمكن الناس من القدرة على البقاء والنهوض بالطاقات الكلية لشعبنا لضمان إعادة اعمار ما دمرته الحرب، وهل يعلم هؤلاء الغارقون بالمصالح الفئوية أنه دون ذلك فالهجرة ستكون حل الخلاص الفردي الوحيد الذي سيجبرون على تجرع سمه؟ وهل يدركون أن كل يوم يمر دون القيام بذلك يُبقي العدوان وخطر التهجير مفتوحان على مصراعيهما.

لقد آن الوقت أن يخضع جميع قادة الحركة الوطنية للمساءلة الشعبية، فيما إذا كانوا سينحازون لإرادة شعبهم وللمستقبل، الذي وبعد كل هذه التضحيات لن يقبل باستمرار أن يظل مكبلا بقيود أوسلو، وما أفرزه من سياسة ونهج استرضاء العدو الذي يتربص بهم جميعا، ولا يهدف سوى لتصفية قضية شعبنا، فلم يعد أمام شعبنا من خيار سوى الوحدة والصمود طريقا للنصر والحرية.