كارثة إنسانية حقيقة.. يعيشها أهالي قطاع غزة المكلوم بعد حوالي أربعة أشهر من الحرب التي قتلت صغارا وكبارا ويتمت أطفالا وهدمت بيوتا وهجرت سكان القطاع على مرأى ومسمع العالم أجمع، فما زالت غزة على صفيح ساخن لا يغيثها أحدا رغم إنصافها بقرار إنساني حاسم من محكمة العدل الدولية.
وعلى الرغم من أن محكمة العدل الدولية قضت باتخاذ إجراءات عاجلة لمنع ومعاقبة التحريض على الإبادة الجماعية التي ترتبكها إسرائيل في قطاع غزة، والحكم لصالح طلب جنوب إفريقيا بفرض إجراءات طارئة على تل أبيب، إلا أن المذابح الإسرائيلية على أرض غزة مازالت ترتكب دون رادع أو احتكام لقانون دولي أو إنساني.
أما عن الوضع الإنساني والصحي فحدث ولا حرج، فرغم ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب إلى 27 ألف شهيد بينهم ما يزيد على 7 آلاف امرأة وأكثر من 10 آلاف طفل، إضافة إلى 7 آلاف جريح و8 آلاف مفقود تحت الركام وفي الطرقات، إلا أن الأوضاع تزداد سواء خاصة في مناطق الإيواء والمستشفيات التي أغلقت أغلبها ومنع الاحتلال وصول طواقم الاسعاف والدفاع المدني إلى الأخرى التي تقدم خدمة "متواضعة جدا"، وهذا إن دل على شيء فيؤكد أن الوضع الصحي في غزة على حافة كارثة إنسانية وشيكة تدوم لسنوات، فلا كفاءة لمستشفى تستطيع علاج مصابي الحرب أو حتى مواصلة العمل في الظروف الخطيرة والأجواء النارية التي يعيشها القطاع.
وبالفعل، انهارت منظومة الصحة في غزة في ظل النقص الحاد في إمدادات العلاج وكذلك الإمكانيات الفنية الضعيفة في العمليات الجراحية، فلم يتبقى سوى عدد قليل من المستشفيات التي تقدم الخدمة المتواضعة لمصابي الحرب وتعالجهم على الأرض وبكشافات "الموبايلات" في ظل الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي.
وواقعيا، خرجت أكثر من 30 مستشفى في غزة من الخدمة عن أصل 33 بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي وكذلك الحصار الدائم وسياسة "الخنق" بذريعة اختباء مقاتلي حماس في أنفاق أسفل المستشفيات، في رواية إسرائيلية تدعي الكذب من أجل ارتكاب مزيدا من المجازر وتسجيل أكبر حصيلة قتلى في مسلسل الإبادة الجماعية لشعب غزة.
وبالنسبة لسكان المخيمات فيعيشون أسوأ الظروف الصحية والنفسية والاجتماعية على الإطلاق، وهذا بسبب الجوع الذي يفتك بالجميع، والدمار الهائل الذي يطوق القطاع والنقص الحاد في إمدادات الغذاء والماء والدواء، والبرد الشديد والازدحام لاسيما مع نزوح نحو 1.9 مليون شخص من بيوتهم في غزة إلى المخيمات.
كما أصيب أكثر من نصف سكان غزة وخاصة الأطفال بأمراض معدية وسوء التغذية، بسبب عدم توافر اللقاحات والمستلزمات الطبيبة الأمر الذي ينذر بكارثة صحية في ظل غياب المساعدات الطبية والعلاجية، وبهذا تحولت مراكز الإيواء إلى بؤر لانتشار الأمراض والأوبئة المعدية، وأكثرها حالات لأمراض الإسهال والدوسنتاريا، والتهاب الكبد "ب"، وكذلك هناك أكثر من 360 ألف حالة مرض معدي بين صفوف الأطفال في غزة، وثقتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، وتنوعت بين الإسهال والملاريا والسحايا والتهاب الكبد الوبائي والإنفلونزا الموسمية والجدري بسبب الطعام غير النظيف والمياه غير الصالحة للشرب. طأما كبار السن والحوامل ومرضى الأورام وذوي الاحتياجات الخاصة وجرحى الحرب، فيقبعون داخل مراكز الإيواء دون علاج أو مقويات تعينهم على اجتياز الظروف الصعبة في ظل نقص الغذاء والماء النظيف وندرة العلاج.
ربما تكون المساعدات الإنسانية خاصة الغذائية والطبية "طوق نجاة" لسكان المخيمات من هذا الموت الذي يحدق بيهم يوميا ويخطف الأطفال والضعفاء، فمن الضروري دخول إمدادات طبية جديدة تنعش الحياة داخل المخيمات وتسد رمق الصغار والشيوخ والنساء والمرضى وجرحى الحرب.
إن دخول الوقود أيضا من أهم العوامل التي تساعد على عودة عمل المستشفيات تدريجيا مع ضرورة وقف القصف بهدنة إنسانية ترحم المدنيين من ويلات الحرب التي لا تتوقف، وبذلك قد تضمد جراح شعب غزة وتهدأ الأوضاع في القطاع الحزين.. فهل تستجيب إسرائيل؟!