المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني.. لا تهجر السفينة.. لا تستقيل
ولا دولة تملك قرار إقالتك!
عملت معك ضمن فريق الإدارة العليا للأونروا لسنوات وأدرك تماما الضغط المهول الذي تتعرض له كونك مفوضا عاما لمؤسسة دولية تحاول أطراف عدة إضعافها وتجفيف مواردها وحتى إنهاءها، وأدرك أنه وضمن هذا الجهد الممنهج والمدروس تتعرض بشخصك وبصفتك الاعتبارية لحملة تشهير ومطالبات من أطراف تهاجم الوكالة وتفويضها لك بالاستقالة الشخصية.
كما هو معلوم للبعض فقد تعرض عدد من المفوضين العامين السابقين المميزين، وضمن ذات الحملة المتواصلة ضد الأونروا ووجودها لعقود خلت، لضغوط مباشرة وغير مباشرة صعبة ومضنية. وكان لي شرف العمل مع المفوض العام السابق بيتر هانسن وحتى بداية الألفية الثالثة والذي كانت مواقفه المبدئية سببا للإعلان عنه بلغة الدبلوماسية "شخصا غير مرغوب به". وكان لي الشرف كذلك بالعمل ولسنوات طويلة مع المفوض العام الذي سبقك، بيير كرهنبول، والذي وقف بوجه القرار الأمريكي الجائر بإنهاء التبرعات الأمريكية للأونروا وعملنا معه وعبر حملة عالمية مؤثرة تجنيب الوكالة الانهيار المالي وهو كذلك دفع ثمنا شخصيا ثقيلا عبر حملة تشهيرية بغيضة فرضت عليه الاستقالة مجبرا صونا للوكالة ودورها (وهنا نهنئه لقرب استلامه منصب المدير التنفيذي العام بعد شهرين لمنظمة الصليب الأحمر الدولي وننتظر منه مراجعة أخطاء وزلات الصليب الأحمر خلال الحرب على غزة).
والآن جاء دورك! وأنت — كما الأونروا وكما اللاجئين وكما أهل غزة نعيش أزمة وجودية ونتوجس من الهجمة المركزة على "حق العودة" عبر بوابة الأونروا.
لقد عملت مع زملاء أكفاء على مدى عقود ثلاث لدرء محاولات لم تكل للنيل من الأونروا ولكنني أجزم بأن الهجمة الحالية هي الأشرس والأكثر تنظيما وبعدد الدول التي تتكالب على المؤسسة والطرق والأساليب الموظفة لإضعاف المؤسسة وطردها (من القدس)، ومحاولة إنهاء وجودها (في غزة) أو تبهيته على أقل تقدير ومن ثم تجفيف موارد الوكالة وإعادة صياغة ولايتها وتفويضها ودورها في أقاليم عملها خارج فلسطين (سوريا والأردن ولبنان).
وأمام مخاطر نفاد التمويل والقدرة على تقديم الخدمات مع نهاية الشهر الجاري وإحجام كبار المتبرعين عن إعادة تبرعاتهم حتى تتم عملية "تحقيقات"! وإصلاحات لجسم الأونروا والذي سيستهلك أشهرا ونحن نرى سفينة الأونروا وهي تلاطم أمواجا عاتية تقع عليك مسؤولية كبيرة — لا تهجر السفينة ولا تترك منصبك!
حسنا فعلت عندما صرحت مؤخرا بأنك تقدم تقاريرك "غلى الجمعية العمومية [للأمم المتحدة وهي مرجعية الأونروا قانونيا ومؤسساتيا].. وإنه تم تعييني من قبل الأمين العام.. (وأن) إسرائيل مجرد دولة عضو.. (وأنه ليس) من الحكمة ترك السفينة في مثل هذا الوقت". يدرك الفلسطيني إدراكا واعيا محورية ورمزية الأونروا وارتباطها بحق العودة وكما يدركها ويخشاها الطرف الأخر.
للدول التي أبقت على تبرعاتها نقول شكرا. للدول التي زادت من تبرعاتها كأسبانيا والبرتغال نقول شكرا وشكرا كبيرة لأيرلندا العظيمة بتبرع عشرين مليون دولار والدفاع عن الأونروا وتذكير وزير خارجيتها للجميع بأن ١٥٧دولة صوتت لتجديد ولاية الأونروا في العام الماضي وأنه "لا ينبغي لدولة واحدة أن يسمح لها بتقويض عمل الأونروا". ونقول للدول التي لا محالة ستعيد تبرعاتها للأونروا (وليس لسواد عيون اللاجئين ولا الأونروا ولكن لاعتبارات سياسية ومصلحية) ندرك أسباب تعليق الخدمات وأهداف إرجاعها!!
ولجهودك المبذولة ومع فريق الإدارة العليا والذي كان لي الشرف أن أعمل بمعيتهم أقول لك ولهم، وأنتم تجهزون لتنويع وتوسيع رقعة المتبرعين والاستجابة لتداعيات الحرب على غزة، شكرا.
الآن ليس الوقت لا لمعاتبة ولا لمحاسبة الأونروا. في الماضي كان للوكالة تقصيرات كما نجاحات وإخفاقات كما إنجازات ووقفت أمامها بمسؤولية وشفافية وأقول أيضا بأنها تعلمت منها. هناك تساؤلات مشروعة من اللاجئين وممثليهم وهيئات رسمية وشعبية حول أداء الأونروا خلال الحرب - الأداء العملياتي والمناصراتي والإعلامي والدبلوماسي وهي قضايا تشمل قضية الخروج غير المدروس من شمال غزة مع بداية الحرب وتداعياته الصعبة وغيرها من القضايا التي أثارت النفوس والتساؤلات، ولعلي على ثقة بأنه وعندما يحين الوقت المناسب لها ستجيب عليها الوكالة وستنظر وتحقق بها وتستخلص الدروس وأيضا تحاسب من يجب أن تتم محاسبتهم. ولكن هذا ليس الوقت لذلك. الوقت الآن هو وقت الالتفاف حول الأونروا ونعم الوقوف معك ودعم موقفك أمام مخطط إنهاء الوكالة.
بقاء الأونروا بالقدس يجب أن تتم حمايته وعلى الأمين العام أن يتحرك بقوة في هذا المجال فهناك معاهدات واتفاقيات تحدد وجود الأونروا بالقدس وإن قرار هذه الدولة أو تلك يقف أمامه ١٥٧ دولة تدعم الأونروا. والحال كذلك لدور الوكالة بغزة وكافة أقاليم عملها.
سفينة الأونروا يجب أن تعبر بر الأمان وبدون جهد فلسطيني شعبي ورسمي ومؤسساتي ودولي وبدون هيئات تفند المزاعم المكالة وارتكاز الجهد فقط على الوكالة لوحدها لدرء الهجمة فقط عندها سيكون من الصعوبة بمكان إيصال سفينة الأونروا لبرها الآمن.
سامي مشعشع
الناطق الرسمي للأونروا ومدير الاعلام والاتصالات سابقا