بعد أقل من أسبوع على إجتماع الرياض الوزاري، لوزارء خارجية السعودية وقطر ومصر والأردن والإمارات، إضافة إلى أمين سراللجنة التنفيذية لمنظمة التحريرالفلسطينية للبحث في قضايا الحرب في قطاع غزة، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقابلة مع محمد دحلان مستشاررئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، عنونتها بإقتباس من حديثه "لا حماس ولا عباس سيقودون السلطة الفلسطينيية ".
إجتماع وزراء الدول العربية الخمس هذا خرج ببيان، تحدث عن كل ما يتعلق بإنهاء الحرب في غزة من وقف لإطلاق النار وحماية المدنيين وتنفيذ حل الدولتين .. الخ ، دون أن يأتي على ذكر شكل الحكم في قطاع غزة بعد الحرب، الذي كان بالتأكيد حاضرا على أجندة الإجتماع، كما يمكن قراءة ذلك بين سطور مقابلة دحلان مع "نيويورك تايمز".
إن موقع دحلان الوظيفي في الإمارات يمنعه من الإدلاء بتصريحات كهذه، ما لم يأخذ الضوء الأخضر للإدلاء بها من قبل مشغليه، حيث كشف في حديثه عن خطة تقضي بتسليم السلطة الفلسطينية لزعيم فلسطيني مستقل، يحظى بحماية قوات حفظ سلام عربية، ويكون قادرا على إعادة إعمارغزة، "ونفى" بأن يكون هو هذا الزعيم..
ليس صحيحا بأن دحلان لا يتطلع لخلافة الرئيس عباس، وذلك لمكانتة في السياسة الفلسطينية نتيجة لإشرافه على التمويل الإماراتي لغزة، وعلاقاته بدول عربية فاعلة في الملف الفلسطينيي، كما انه يقود تيارا سياسيا، هذا الإضافة لتحالفه مع قياديين معارضين في حركة فتح للإطاحة بالرئيس عباس..
وذهب دحلان في مقابلته مع الصحيفة الأمريكية الى القول، بأن الإدارة الفلسطينية الجديدة (أي ما بعد عباس) ستدعو الدول العربية لإرسال قوات للمساعدة على حفظ النظام في قطاع غزة، وأن دولا مثل الإمارات والسعودية مستعدة لتمويل إعادة الإعمارفي القطاع، إذا وافقت إسرائيل على إقامة دولة فلسطينية.
ورغم أن الدول العربية التي شاركت في إجتماع وزراء خارجيتها في الرياض رفضت التعقيب على تصريحات دحلان، الا أن الإمارات قالت في بيان إن"مساهمتنا في أي جهود لإعادة إعمار غزة ستكون مشروطة بحل الدولتين"
ويستشف من حديث دحلان أن حركة حماس التي تقاتل للحفاظ على بقائها سياسيا وعسكريا، لن تتخذ موقفا متسرعا برفض الخطة وإنما ستدرسها وستفاوض بشأنها، لا سيما أن دحلان قال إنه يعمل حاليًا على إقناع حماس بالتنازل عن السلطة لقيادة فلسطينية بديلة لعباس، ويرى أنه يمكن إقناعها بالتخلي عن الحكم كجزء من حزمة أوسع تؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية.
وما يؤكد إحتمال اقتناع حماس بخطة دحلان أو بالأحرى خطة الدول العربية الخمس، ما أفاد به مصدرفلسطيني لقناة "سكاي نيوز عربية"، بأن الدوحة نقلت للرئيس الفلسطيني موافقة حماس المبدئية على تشكيل حكومة تكنوقراط، مهمتها إعادة إعمار غزة وإعادة الأمن إليها بعد الحرب.
وفي خطوة إستباقية لمشروع " لا حماس ولا عباس"، أعلن الرئيس محمود عباس بعد عودته من قطر في 13 فبراير/شاط 2024، عن رفضه لأن يكون رئيسا "شرفيا" للسلطة الفلسطينية كما تقضي بذلك خطة التجديد الأمريكية، وأصرعلى أن يعين هو بنفسه نائبا له، ودعا حركة حماس لإنجازصفقة تبادل للأسرى مع إسرائيل، لتجنيب الشعب الفلسطيني ويلات كارثة أخرى كنكبة 1948 لا تُحمد عقباها.
وفي اليوم التالي لمقابلة دحلان مع "نيويورك تايمز"، أفادت صحيفة "واشنطن بوست" بأن إدارة بايدن وشركائها في الشرق الأوسط، يعملون على استكمال خطة مفصلة لتحقيق سلام طويل الأمد بين إسرائيل والفلسطينيين، بما في ذلك جدول زمني ثابت لإقامة دولة فلسطينية، من الممكن الإعلان عنه في غضون أسابيع.
وفي تفاصيل الخطة بحسب "الواشنطن بوست"، فأنه من شأن وقف لإطلاق النار في غزة وإتمام صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، أن يوفرالوقت لإعلان الخطة وتجنيد دعم إضافي واتخاذ الخطوات الأولية نحو تنفيذها، بما في ذلك تشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة.
الا أن ما يعترض طريق هذه الخطة بحسب مصادر أمريكية، هي إسرائيل التي لن تقبل بما يجري نقاشه في إطارها، مثل إخلاء مستوطنات في الضفة الغربية، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، ناهيك عن الترتيبات الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
إن الحديث عن الخطة الأمريكية هذه لحل الدولتين، ليس أكثر إلهاء ودخان، لأن إدارة بايدن لم تقف بوجه إسرائيل لوقف حربها على غزة، وارتكابها لأولى مجازر القرن الحادي والعشرين، بل تكتفي بالتعبيرعن "تمنياتها" السماح بالمزيد من المساعدات لقطاع غزة المنكوب، وقتل عدد أقل من المدنيين الفلسطينيين!!
وبالفعل لم يتأخر الرد الإسرائيلي على التقارير بشأن خطة حل الدولتين الأمريكية – العربية، إذ علق مكتب نتنياهو على الخطة بالقول "هذا ليس وقت توزيع الجوائزعلى الفلسطينيين، فيما قال وزير المالية ورئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش "إن إسرائيل لن توافق بأي حال من الأحوال على هذه الخطة لأن إقامة دولة فلسطينية تمثل تهديدا وجوديا لإسرائيل" .
إن عام 2024 هوعام الإنتخابات الرئاسية الآمريكية ، التي يتم خلالها (كما كان يحدث دائما في الإنتخابات السابقة) تجميد كافة المبادرات، خاصة تلك المتعلقة بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وفي أثناء ذلك فإن نتنياهو ليس في عجلة من أمره، إذ سيستمر في شراء الوقت بإنتظارما ستسفرعنه الإنتخابات في نوفمبر/ تشرين ثاني المقبل..
.