الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

عندما يدير العالم ظهره للإنسانية.. هل أدرنا ظهرنا للإنسانية؟/ بقلم: أمل غضبان - عاروري

2024-02-29 09:50:43 AM
عندما يدير العالم ظهره للإنسانية.. هل أدرنا ظهرنا للإنسانية؟/ بقلم: أمل غضبان - عاروري
أمل غضبان - عاروري

كانت الوالدة والجدة "أم نسيم" بهية العاروري والمولودة أوائل القرن العشرين في قرية كُفر قَلّيل تكرر في مواسم العمرة والحج: "لا تجوز العمرة والحج  على الفلسطينيين طالما نحن في حالة حرب مع الاستعمار. الأولى أن نتكفّل بِمعيشة وتعليم أبناء الشهداء، لا أن تذهب أموالنا لآل سعود". أم نسيم فلاحة مكافحة، لم يحالفها الحظ بالتعليم، وكانت وطنية بامتياز.

لا أستطيع أن أستوعب أنه وبينما حرب الإبادة بحق أهلنا في غزة ما زالت مستعرّة، تقتل وتشوّه شعبنا أطفالا وكبار السن، نساءاً ورجالاً؛ وفي ذات الوقت يقوم بعضنا في الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948 بالتوافد قوافل وفرادى للعمرة، وأنهم قريباً سيجرون القرعة للحجاج. هل هذا معقول؟ّ!

أليس من الأولى إرسال هذه التكاليف لإطعام أطفالنا الجوعى في غزّة الذين لا يجدون الخبز أو أي أدنى متطلبات الحياة؟ ألم تسمعوا تلك الطفلة من شمال غزة وهي تقول للمذيع "نفسي آكل خبز أبيض"؟ ما أصعب أحلامهم "الصغيرة" بهذا الزمن الرديء الذي يتعامى فيه العالم عن صراخ الأطفال ووجعهم وجوعهم وقتلهم وبتر أطرافهم. لن يغفر أطفال غزة لمجرمي الصهيونية بربريتهم، ولكن، هل سيغفرون لنا أننا، في هذه المرحلة المفصلية، لم نقم بتغيير حياتنا والتغاضي عن رغباتنا على الأقل في هذه المرحلة المفصلية من المحاولات المتكررة لإبادتنا؟

ألم تشاهدوا الأطفال يبحثون بين القمامة على أمل أن يجدوا ما يأكلونه؟ يبللون الخبز القديم المتروك من أشهر لإطعام الحيوانات وتعيث به الديدان والعفن، يغسلوه، يسخنوه على الحطب، ويأكلونه؟ ألم تروا الطفل يوم الثلاثاء 20-2-2024 وهو يحمل يافطة كتب عليها "كيف بيهون عليكم مشهدنا وإحنا بنموت جوع – شمال غزة يجوع". والطفلة التي صرخت "بدنا ناكل، جعنا بالعربي! الخبز (من علف الحيوانات) طعمه مر. أكلنا الحميض بدون طبيخ"؟ ألم تشاهدوا صينية "التبن وكبسة وذرة" التي يتم طحنها وسلقها وتقديمها للأطفال؟ إنها طعام الحيوانات يا سادة. 

ألم تروا الأب الذي يخرج صباحاً ويرجع آخر الليل لكي لا يرى جوع أبنائه؟ ألم تروا قتلى الطحين ولقمة الخبز على دوار الكويت شمال غزة وبجانبهم من يحاولون استصلاح بعض الطحين من كيس أتلفه القصف، وآخر يجمع ذرّات الطحين عن التراب المشرّب بالمطر؟ 

ألم تشاهدوهم في طوابير للحصول على وجبة ساخنة؟ هي مرقة مع عدس، برغل، أرز، لا يوجد خضروات ولا فاكهة، لا لحوم ولا دجاج، والمؤسسات المحلية والدولة تدق ناقوس خطر مجاعة تطال أكثر من سبعمائة ألف طفل وقد بدأ الموت جوعا حصاده لأرواحهم. 

الأطفال الرضع لا يوجد لهم حليب وأمهاتهم فقدن حليبهن بسبب العطش والجوع والخوف. إن الناس يتساقطون في شوارع غزة من شدة الجوع. رائحة الموت والألم والفقد كما الدمار في كل مكان. هل انعدم الإحساس لدينا؟ّ!

هل تعلمون أن هناك  مئات الأطفال ممن فقدوا كل أفراد عائلاتهم وليس من معيل لهم؟ وأن منهم من هو ضمن أكثر من خمس عشرة ألفا من الأطفال الذين فقدوا واحداً أو أكثر من أطرافهم، ويحتاجون إلى علاج وأطراف صناعية. وإلى جانب التدمير الكامل للقطاع الطبي، لقد تم تدمير أكثر من 75 بالمئة من النظام التعليمي بغزة: مدارس وجامعات ومعاهد، إعدامات للأبنية والكوادر والطلبة. كيف سنطعم ونداوي ونعلم أطفالنا في غزة؟

في العام 1948 إثر التهجير سمعنا عن جوع الناس وأنهم أكلوا الكراديش (خبز الذرة)، وهاموا على وجوههم بالأرض يبحثون عما يسد رمقهم وعائلاتهم إلى أن أخذت حياتهم بالاستقرار رويدًا رويداً في مناطق لجوئهم. ولكن بتقديري أن ما يحدث اليوم أقسى وأشد خطورة، وهو يحدث على مرأى ومسمع العالم كله. وكلهم شركاء بالجريمة، العرب قبل الغرب، بصمتهم وتآمرهم وخذلانهم لشعبنا الفلسطيني. 

كل منظومة القيم الغربية من حقوق الإنسان والعدالة والحرية والطفولة وغيرها الكثير، كلها أصبحت عارية وبلا معنى، فهناك الأبيض والملون والأسود. هناك من له الحق المطلق بالحياة وهناك من يحكم عليه بالموت لأن لونه أو دينه مختلف. أما العالم العربي والإسلامي، فقد أكدت حرب الإبادة على غزة مجددا بأن هذه الأنظمة لا تتحلى بأي قيّم دينية أودنيوية أو غيرها، وأن أولويتهم هي مصالحهم وتحالفاتهم مع النظم الغربية ومصالحها  لتبقى المنطقة العربية في خدمة الصهيونية والإمبريالية.  

نافذة الضوء اليوم هي التحوّل الجماهيري العالمي الذي يقوده شباب وشابات، والمواقف الرسمية لعدد من دول الجنوب العالمي بالأساس، التي تضغط لإنهاء الحرب وكذلك الاحتلال، من أجل الحرية لشعبنا الفلسطيني. التغيير النوعي هو أيضا بنوعية الخطاب، والتأكيد على أنه ليس "صراعا" ولم يبدأ بالسابع من أكتوبر 2023، وإنما هو استعمار استيطاني أوروبي بقيادة الحركة الصهيونية العالمية للأرض الفلسطينية منذ قرن من الزمن، وهذا تحوّل فارق.

نحن اليوم مطالبون بتسخير كل مواردنا البشرية والمادية لإعادة الحياة لقطاع غزة ومنح الأمل والأمان لأهلنا. إعادة الإعمار أولوية يسبقها اليوم تسخير كل ما توفر من مواردنا بشكل فردي أو جمعي لرفع الألم وتقديم العون مهما كان صغيراً. وهناك بالفعل عشرات المبادرات المجتمعية والفردية التي تحاول تقديم وجبات غذائية ومساعدات مالية وبدل شراء خيم وتجهيز مستوصفات طبية في أماكن اللجوء، ومنها ما يتم عبر حسابات البنوك حيث لا زالت الصرافات الآلية تعمل بالطاقة الشمسية.

لا تنسوا أن وجع غزة وأهلها أعاد لقضيتنا الحياة والأمل بمستقبل حر. 

من فضلكم اخفضوا ضجيج رمضانكم وحيواتكم. ولنكن جميعنا عوناً لهم بأقصى إمكانياتنا، فحياتهم اليوم صعبة لدرجة تفوق تحمل البشر.