الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

سعي اليمين الفاشي للهيمنة على المشهد السياسي الإسرائيلي| بقلم: نبهان خريشة

2024-03-03 10:14:39 AM
سعي اليمين الفاشي للهيمنة على المشهد السياسي الإسرائيلي| بقلم: نبهان خريشة
نبهان خريشة

 

"يوجد قضاة في القدس"،عبارة قالها مناحيم بيغن الزعيم المؤسس لحزب الليكود، للتعبيرعن اليمين التقليدي الذي كان يمثله بالإرتكاز على رؤية معلمه ومثله الأعلى جابوتنسكي، الا أن نتنياهو زعيم الليكود حاليا إستبدل اليمين البيغني والجاوتنسكي التقليدي "الليبرالي"، بيمين متطرف له سمات جديدة تختلف عن الأصل، وإن كانت بذوره موجودة في هذا الأصل، إذ عمل نتنياهو على ضم إلى هذا اليمين من المتدينين والفاشيين القوميين العنصريين والكاهانية إلى حكومته..

هذا اليمين الجديد عملياً يمثل طوراً جديداً من الصهيونية، التي وظفت الأساطير الدينية لخدمة إهدافها الإستعمارية الإستيطانية، وإذا كانت أول النسخة الأولى من الصهيوينة ذات طابع علماني سعت لبناء دولة إستعمارية، فإن اليمين المتطرف حاليا يسعى لإقامة مملكة إسرائيل. إن الصهيونية الأولى كانت مشروعا غربيا عملت على التصرف كدولة، في حين أن اليمين الجديد يعمل على إستكمال المشروع الإستيطاني الإستعماري.         

 وكان الصهاينة الغربيين العلمانيين الذين أسسوا إسرائيل يشكلون 85% من سكان إسرائيل في السابق، الا أنهم اليوم أقلية لا تتعدى الـ 40% ، رغم ذلك لاتزال الأقلية هذه تمسك بالإقتصاد والإعلام والثقافة التي تقوم عليها إسرائيل. لذلك فإن اليمين الشعبوي الجديد ذو الأغلبية الديمغرافية يسعى للهيمنة على المشهد السياسي في إسرائيل، وهذا يفسر محاولتهم لإعادة بناء المنظومة القضائية بعد ضمهم لإتلاف نتنياهو نهاية 2022، لتتوافق مع رؤيتهم لـ "أرض إسرائيل الكاملة" وبناء الهيكل والأساطيرالتوراتية الأخرى. 

اليمين المتطرف بقيادة بن غفير وسموتريتش يتصرف بعقلية القبيلة التي يسودها الإجماع بأن العرب هم العدو، ما يتطلب الوحدة في مواجهة هذا العدو، كما أن مفهوم المواطنة لديه هو مفهوم قبلي أيضا، وأعضاء القبيلة هم من يجب أن يحظوا بالمواطنة فقط، كما تسود القناعه في قبيلة اليمين المتطرف بأن الاشكينازالغربيين، يعملون على تذويب الهوية اليهودية، ولهذا إستثمرأقطاب هذا اليمين بالأساطير الدينية لاستكمال المشروع الاستعماري.

 والمفارقة أن مفاهيمهم التي يوظفونها في خطابهم وممارستهم ترتكزعلى قاموس الصهيونية المؤسسة، مثل "الوطن القومي" للشعب اليهودي، و"العمل العبري" و"المستعمرة النقية" وقيم العسكرة ، وهم يعيدون شحذها وتوظيفها من أجل استكمال تحقيق المشروع الصهيوني عبر مسارين استعماريين، الأول يهدف إلى تحقيق السيادة الكاملة على "أرض إسرائيل"، والثاني داخلي يسعى لإعادة تهويد "الصهاينة الاوائل"،  الذين تراخت يهوديتهم وهويتهم وتراجع انتماؤهم بحسب أدبياتهم.. 

وفي إطار الصراع غير المعلن بين االيمين الجديد والمكونات الحزبية الإسرائيلية الأخرى ما فيها حزب الليكود اليميني، كان نتنياهو قد إستثنى بن غفير وسموتريتش من عضوية مجلس الحرب، بعد أن إشترط رئيس حزب (معسكر الدولة) بيني غانتس للإنضمام للمجلس بعدم وجودهما به، ما حدى ببن غفير وسموتريتش لإنتهاج سياسة معاكسة لسياسة مجلس الحرب، في مسار مواز لعمل الحكومة دون تنسيق معها، بالإضافة الى أن سياستهما هذه تهدف للإستعداد للمشهد السياسي الإسرائيلي الجديد، الذي سيتشكل بعد إنتهاء الحرب على غزة..

وكان أول مسار قام به بن غفيرلإحراج حكومته دوليا تسليح المستوطنين في الضفة الغربية، بذريعة حماية أنفسهم بعد هجوم 7 أكتوبر، وبلغ عدد من تسلح منهم حتى الأسبوع الأول من نوفمبر/تشرين ثاني 2023 نحو 180 ألف مستوطن، وهذا التسليح قد يفي أيضا بغرض الإنقلاب على الدولة العلمانية، واستبدالها بمملكة اليهود التوراتية عندما تحين الفرصة لذلك، بحسب محللين إسرائيليين .

وثاني هذه المسارات قرار سموتريتش بوقف تحويل أموال الضرائب التي تجمعها إسرائيل لصالح السلطة الفلسطينية بذريعة دعمها "للإرهاب"، أما المسار الثالث فهو التشكيك في قدرة حكومة الحرب المصغرة على إدارة الحرب بنجاح، لكون أعضائها ممن أسماهم بن غفير بمعسكر"المفهوم"، في إشارة إلى إعتقادهم بأن حركة حماس مرتدعة مما قاد إلى هجوم 7 أكتوبر.

إن إستبعاد بن غفير وسموتريتش من مجلس الحرب المصغر لا يعني الحد من قدرتهم على اتخاذ القرارات، فبعضويتهما في حكومة الطوارئ الموسعة وبصفتهما وزيرين في الحكومة، لديهما الصلاحيات التي بإمكانهما إستغلالها لتحقيق أهداف خاصة بحزيهما،  ترتبط بما سيكون عليه المشهد السياسي بعد انتهاء الحرب.

كما أن أقطاب اليمين الجديد المتطرف يعملون أيضا على إستغلال هجوم 7 أكتوبر لحشد الإسرائيليين خلف رؤيتهم، بأن أي مفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني لن تحقق السلام للإسرائيليين، لأن السلام (بحسب منظورهم) هو الذي يقوم على القوة، وخوف الطرف الآخر من رد فعل إسرائيل جراء الهجوم عليها. وفي إطارإستراتيجيتهم التي تهدف لترحيل الفلسطيينيين من الضفة الغربية، وللمزيد من التمدد الإستيطاني فيها يدعون بأن المدنيين الفلسطينيين عدائيون، وأن "الإرهاب" الفلسطيني في الضفة الغربية لا يختلف عن نظيره في قطاع غزة. 

ويمكن القول إن أحزاب أقصى اليمين تراهن حاليا على مجموعة من الأمور، التي يمكن أن تزيد من قوتها وتؤمن لها مستقبلا سياسيا واعدا في إسرائيل، منها انتهاء المستقبل السياسي لبنيامين نتنياهو لتحمله الفشل غير المسبوق لهجوم 7 أكتوبر 2023، ولهذا فإن فرص إستمرارالائتلاف الحكومي بقيادة نتنياهو ما بعد الحرب ستكون ضعيفة، سواء بخروج هذه الإحزاب من الائتلاف كرد فعل على إقصاء نتنياهو لها من حكومة الحرب، أو بالاتجاه إلى انتخابات تشريعية جديدة بعد الحرب.

وعلى ضوء استطلاعات الرأي التي أظهرت أن نسبة كبيرة من الإسرائيليين يرون أن على نتنياهوالإستقالة عاجلا او آجلا، وارتفاع حظوظ رئيس معسكر الدولة بيني غاتنتس بأن يصبح رئيسا للوزراء، لذلك تسعى أحزاب أقصى اليمين إلى إفشال حكومة الحرب الحالية للحفاظ على حظوظها الانتخابية، لا سيما وأن حكومة الطوارئ بعضوية غانتس إذا نجحت في أهدافها، فإن المعسكر اليميني سيتحمل مسئولية الإخفاق، وسيحصد بيني جانتس المكاسب لإدارته المعركة لصالحه، مما قد يمكنه من تشكيل حكومة جديدة بالتعاون مع أحزاب يمين ويسار الوسط.

وتأسيسا على ما سبق، يمكن القول إن مستقبل أحزاب أقصى اليمين الفاشي في إسرائيل التي أُستبعِدت من حكومة الحرب المصغرة، أصبح رهنا بما ستسفرعنه الحرب على  قطاع غزة، ومدى نجاح حكومة الحرب هذه من تحقيق أهدافها المعلنة، وإشباع شهوة الانتقام التي تسيطرعلى كافة مكونات المجتمع الإسرائيلي بعد هجوم 7 أكتوبر .