الحدث الاقتصادي
يستعد المستثمرون للعودة إلى سوق الأوراق المالية المصرية بعد رفع أسعار الفائدة، والتعهد بترك سعر صرف الجنيه يتحرك وفقاً لآليات السوق، وما تلقته البلاد من دعم جديد من مستثمرين خليجيين وصندوق النقد الدولي.
وأحجم معظم المستثمرين الدوليين في السنوات الماضية عن الأوراق المالية المحلية للحكومة، وسط مخاوف من خفض قيمة العملة، والقلق إزاء استعادة الأموال من بلد يعاني من نقص حاد في الدولار.
وخلال أسبوعين فقط، أدّت صفقة استثمارية مع الإمارات بقيمة 35 مليار دولار، وقرض موسع بثمانية مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، ورفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس، وتبني تحول في سعر الصرف، إلى إعادة سوق الدخل الثابت المحلية إلى دائرة الاهتمام.
وفي وقت متأخر من أمس الخميس، عدّلت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية لمصر من «سلبية» إلى «إيجابية»، وأرجعت هذا إلى «الدعم الرسمي والثنائي الكبير» و«الخطوات التي تم اتخاذها بشأن السياسة» خلال الأيام الماضية، لكنها أبقت التصنيف الائتماني للبلاد عند «Caa1»، الذي لا يزال يعني أن الديون السيادية تنطوي على مخاطر مرتفعة للغاية، وفق وكالة «رويترز» للأنباء.
وقال جو ديلفو، مدير المحافظ لدى «أموندي»، أكبر شركة لإدارة الأصول في أوروبا: «اجتماع هذه الأمور كلها معاً كان بالتأكيد زخماً إيجابياً للغاية لصنّاع السياسة المصريين، وللبلاد، وللاقتصاد»، مضيفاً أن الشركة «تدرس بالتأكيد» العودة إلى الأوراق المالية المحلية للحكومة.
وأوصى بنك «جيه بي مورغان» في وول ستريت بشراء أذون خزانة مصرية لأجل عام في عطاء أمس الخميس.
وكتب جبولاهان تايوو من البنك في مذكرة للعملاء: «عادت تجارة المناقلة في مصر إلى بؤرة التركيز مرة أخرى، وينبغي أن تكون هذه المرة مختلفة».
وباع البنك المركزي أذون خزانة لأجل عام بقيمة 87.8 مليار جنيه (1.78 مليار دولار) بعد تلقي عروض بثلاثة أضعاف هذا المبلغ تقريباً.
وبينما لا ينشر البنك المركزي بيانات مَن اشترى الأوراق المالية، قال 3 مصرفيين في مصر لـ«رويترز» إن مستثمرين أجانب شاركوا للمرة الأولى بعد غياب طويل. وفي عطاء مماثل في وقت سابق من هذا الأسبوع وقبل تخفيض قيمة العملة، قام البنك المركزي ببيع أذون خزانة بقيمة 56.7 مليار جنيه لأجل عام واحد.
وأبلغ فاروق سوسة من «غولدمان ساكس» العملاء في مذكرة، أمس (الخميس)، أن التطورات الأخيرة أحيت «فرضية الاستثمار على المدى القريب في الأصول المصرية ذات المخاطر العالية».
وكان تخفيض قيمة العملة يوم الأربعاء هو الرابع في مصر خلال عامين، بعدما كانت التعهدات السابقة لصنّاع السياسات بجعل سعر الصرف أكثر مرونة تتلاشى بمجرد تصاعد الضغوط على الجنيه.
ركيزة أساسية
هذه المرة، يعوّل المحللون على الحجم الهائل للتدفق التمويلي المرجح من مقرضين من القطاعين الرسمي والخاص.
فقد تلقت مصر بالفعل 10 مليارات دولار من الإمارات مقابل صفقة التطوير العقاري لرأس الحكمة، وتقوم بتحويل 5 مليارات دولار أخرى من الودائع القائمة في إطار الاتفاق. ومن المتوقع أن يوقّع المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي قبل نهاية الشهر على أحدث اتفاق تم التوصل إليه على مستوى الخبراء بشأن المراجعتين المجمعتين الأولى والثانية، بما سيعني تدفق مزيد من الأموال.
وقد دعمت الأهمية الجيوسياسية للبلاد مطلبها للحصول على الدعم، خصوصاً في ظل الحرب في غزة.
وقال تيم آش، من شركة «بلوباي» لإدارة الأصول: «لقد تم التأكيد مرة أخرى على مكانة مصر المحورية بوصفها ركيزة أساسية للأمن في المنطقة».
وأضاف: «لقد انعكس ذلك على السرعة، وحقيقة عودة صندوق النقد الدولي إلى الطاولة، وأعتقد بأنه خفّف بعض الاشتراطات، فضلاً عن حقيقة قلق بعض الأشخاص في الإمارات العربية المتحدة».
وتظهر بيانات لمجموعة بورصات لندن أن الجنيه استقرّ عند ما يزيد قليلاً على 49 جنيهاً للدولار بعدما هوى إلى مستوى قياسي منخفض يتجاوز 50 جنيهاً للدولار يوم الأربعاء.
ووفقاً لحسابات «غولدمان ساكس»، فإن التخفيض الأخير لقيمة العملة جعل سعر الصرف الفعلي الحقيقي، وهو مقياس شائع الاستخدام لقيمة العملة، أقل بنحو 40 في المائة من متوسطه على المدى البعيد، الأمر الذي أدى إلى انخفاض أكبر في قيمة العملة من أي من تحركات خفض سابقة.
وأضاف البنك أنه على المدى القريب، يمكن أن ترتفع العملة إلى ما يزيد بجنيهات قليلة على 40 جنيهاً للدولار، مما يزيل بعض المخاطر عن المستثمرين الذين يحتفظون بالأصول.
وفي الوقت نفسه، حققت أذون الخزانة لأجل عام واحد في عطاء أمس الخميس، متوسط عائد مرجح 32.303 في المائة.
لكن ليس الجميع متفائلين بدرجة كبيرة، ففي واقع الأمر استبعد بنك «جيه بي مورغان» للتو السندات الحكومية المصرية من مؤشر السندات الحكومية للأسواق الناشئة اعتباراً من 31 يناير (كانون الثاني)؛ بسبب إشكاليات تتعلق بتحويل العملات الأجنبية.
وقال بول ماكنمارا، مدير الاستثمار في شركة «جي إيه إم للاستثمارات»: «كان واضحاً أن مستوى الجنيه لم يكن مستداماً إلى حد كبير، وتخفيض قيمة العملة أمر مرحب به».
وتابع أن «التحسن في الميزان الخارجي يعني أن هذا المزيج من تخفيض قيمة العملة، ورفع أسعار الفائدة يمكن أن يستمر؛ لذلك مثلنا مثل معظم المستثمرين - كما أتصور- سننتظر مؤشرات على الرغبة في مواصلة هذا الاتجاه قبل المشاركة».