أكثر من خمسة شهور مضت على الحرب في غزة، وعلى الرغم من حلول شهر رمضان الكريم إلا أن بوادر الهدنة أو الحل السياسي لم تظهر بعد، لتضع الشعب الغزاوي أمام محنة إنسانية تجلت في مجاعة لم تحدث في التاريخ وسط نيران الحرب التي لم تهدأ بعد.
وعلى الرغم من استمرار نيران الحرب التي تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وتجويع الشعب الفلسطيني، إلا أنهم بدأوا في صيام شهر رمضان مع استمرار القصف والمجازر الإسرائيلية واحتدام المعارك وتفاقم الجوع في جميع أنحاء القطاع، دون أن تلوح في الأفق أي بوادر لنهاية الحرب، ولكن هل ستكون الحرب الدائرة في غزة مقدمة لمشهد جديد في للشرق الأوسط؟
يبدو أن الأمور في غزة مازالت على صفيح ساخن، فلم ترحم حكومة نتنياهو قدسية شهر رمضان الكريم، بل استكملت مسلسل "المجازر والتجويع" لأكثر من 3 ملايين مواطن فلسطيني محتجزين في دور إيواء ووسط الخلاء، فُتصر حكومة نتنياهو على مهاجمة رفح على الرغم من الرفض الدولي لذلك حتى أن الإدارة الأميركية برئاسة "بايدن" رفضت وشجبت بشدة، لكن من يستجيب؟!
أيضا تعثرت المفاوضات التي تقودها جمهورية مصر العربية بين حماس وإسرائيل ووصلت إلى طريق مسدود بسبب تعنت الطرفين الذي لا يدفع ثمنه سوى المدنيين الأبرياء، لكن من الواضح أن التصعيد الإسرائيلي المستمر داخل قطاع غزة وخاصة في رفح، لن يأتي بالخير على الجميع وخاصة إسرائيل، فمازالت دولة الاحتلال تناطح الجميع وترفض التفاوض إلا بشروطها التي ترفصها حماس هي الأخرى بقوة، حتى أن تل أبيب ترفض توصيات أميركا بشأن وقف إطلاق النار وعدم اقتحام رفح، فمازالت تهدد وتتوعد باستمرار الحرب واقتحام رفح لترتكب مجازر جديدة ضد الشعب الفلسطيني وتلطخ التاريخ بدماء الأبرياء، لتؤكد عن جدارة أنها تطبق سيناريو الإبادة الجماعية بحذافيره دون أن تنصاع لاعتبارات إنسانية!
وتواصل إسرائيل مسلسل استباحة غزة والشعب الفلسطيني الذي يواصل نضاله في البقاء على أرضه ولا يتنازل عن قضيته، لكنها تستهدف التطهير العرقي للفلسطينيين دون الالتزام بأية قوانين دولية أو أعراف إنسانية، مستخفة بجميع دول العالم التي تنادي يوميا بوقف الحرب وحقن دماء المدنيين، فمازالت الرواية الصهيونية مستمرة في قتل كل ما هو فلسطيني حتى تصفية القضية من الوجود.
مؤخرا، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إسرائيل لاحترام قدسية شهر رمضان المبارك، ووقف إطلاق النار في غزة، فيما أكد البيت الأبيض إن جهود التوصل لوقف مؤقت لإطلاق النار مستمرة، لكن في المقابل قال الجيش الإسرائيلي إن وحدة تابعة لفرقة الكوماندوز تواصل قتالها في مدينة حمد في خان يونس جنوب قطاع غزة، وتستمر في شن عمليات دهم وتمشيط، كما يواصل هجماته بمنطقة القرارة، ليواصل عدوانه الذي سكل 31 ألفا و122 شهيدا، و72 ألفا و760 مصابا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بينهم 72% من ضحايا العدوان الإسرائيلي أطفال ونساء.. فإلى متى سيستمر هذا في حين لم يبغى أهالي غزة إلا سلام مستدام وتخفيف المعاناة وإنقاذهم من براثن المجاعة والموت في أي لحظة.
كان لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بشان أن لدى إسرائيل اتفاقات واختلافات مع الولايات المتحدة بشأن الأهداف الأساسية وكيفية تحقيقها، متوعدا باستمرار الحرب لتدمير حماس، وقع الصاعقة، وهذا إن دل على شيء فيؤكد أن نتنياهو لا يريد أية حلول، وأن وقف الحرب والجلوس على مائدة تفاوض لن يأتي إلا بعد رحيل حكومة "نتتياهو".
ما يدعو للتفاؤل أو أن الأمور قد تتجه إلى حل لأكبر مشكلة قي الشرق الأوسط، أو أن تخرج غزة من أتون الحروب، هو موقف بلجيكا، التي أعلنت دعمها بشكل كامل القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا، والتي تتهم إسرائيل بارتكاب "جرائم إبادة جماعية"، إذا قررت محكمة العدل الدولية وقف الهجمات على غزة، وهذا يؤكد أن بلجيكا تجدد دعمها الكامل للقضية أمام محكمة العدل الدولية، وإذا طلبت المحكمة من إسرائيل وقف عمليتها العسكرية ضد غزة، فإنها ستدعمها بشكل كامل إنصافا لحقوق الإنسان والقانون الإنساني، في الوقت الذي يتوقع فيه كثيرون أن تصدر المحكمة الشهر الجاري حكما بشأن قرار عاجل محتمل يأمر إسرائيل بوقف العدوان، لكنها لن تبتّ سريعا في اتهامات الإبادة الجماعية لأن هذه المسألة قد تستغرق سنوات.
وفي حالة إذا اتجهت الأمور لذلك، فإن الحرب على غزة قد تنطفىء بقرار من العدل الدولية، وقد ترسم مشهدًا جديدًا في الشرق الأوسط بعودة التفاوض بين إسرائيل وحماس، وبزوغ فكرة حل الدولتين من جديد لتنعم فلسطين بحياة شبه هادئة، لكن ربما لن يتحقق هذا إلا برحيل نتنياهو وحكومته.