أكرم غبن: نُعاني من نقص الخامات في ورش التدريب وعلى حكومة الوفاق أن تقف عند مسؤولياتها!!
محمد الأعرج: مستمرون في توعية الطلبة بأهمية التعليم المهني وقريباً سنفتتح مدارس مهنية جديدة!!
غزة - محاسن أُصرف
يرى خبراء ومختصون أن التعليم المهني والتقني أحد أهم المحاور في العملية التعليمية، وأن من شأنه أن يُحقق التنمية المستدامة في المجتمعات ويُساهم في إنشاء اقتصاد حقيقي وقوي نظراً لتوفر الكفاءات المهنية والتقنية.
وطالب هؤلاء في أحاديث منفصلة مع "الحدث" على ضرورة تقديم الجهات المعنية الرسمية والخاصة كافة التسهيلات لجذبهم للالتحاق بالمجال المهني، قائلين: "من الضروري العمل على تغيير المفاهيم الخاطئة لدى المجتمع عن التعليم المهني والتقني، بالإضافة إلى إبرازه كأحد روافد الحصول على فرص عمل في ظل حالة التردي الدائم والانعدام المستمر للفرص في المجالات الأكاديمية البحتة".
"الحدث" في سياق التقرير التالي تقف على تجارب بعض الطلبة في التعليم المهني، وكيف استطاعوا من خلاله تغيير حالة الركود في حياتهم بانتظار الوظيفة الحكومية، إلى حالة نشاط بالاعتماد على مهاراتهم المهنية والتقنية بالحصول على عمل فوري.
من الأكاديمي إلى المهني
سعاد النادي، فتاة جامعية تجاوزت نصف عقدها الثاني، تخرجت من الجامعة الإسلامية قبل سنوات وأملت أن تحظى بوظيفة في تخصصها علم الإدارة، لكن دون جدوى، تؤكد الفتاة لـ"الحدث" أنها لم تملك الانتظار طويلاً على قائمة البطالة لتحصل على فرصة عمل مؤقتة، تُحقق فيها ذاتها وتُمارس ما اعتمل في عقلها من علم الإدارة، واتجهت للتعليم المهني، اختارت فن الحياكة، وكانت البداية بالتدريب على أصولها وفنونها على يد أشهر معلميها في مدينتها غزة، تقول: "بدأت خطوة بخطوة، تعلمت فنون التفصيل والتشطيب ورسم الباترون، كنت سعيدة جداً بما أصل إليه"، وتُتابع في روايتها لـ"الحدث" أن إصرارها وتفوقها في التعلم حمل مُعلمها خليل خضير، على تشجيعها للاستمرار وصقل مهارتها بالعلم، فالتحقت بكلية فلسطين التقنية لتدرس علم التفصيل وتصميم الأزياء، تؤكد أن الدراسة العلمية أكسبتها المزيد من الخبرة والمهارة، فيما جعلها التدريب العملي السابق للدراسة أكثر تميزاً على زميلاتها، وفي هذا السياق تُعيد الفتاة النادي الفضل في تميزها بعد الله لـ مدرسها خضير الذي لم يألُ جهداً في منحها أساسيات الحياكة وأسرارها الفنية، تقول: "كان لـمعلمي الفضل الأكبر بعد الله في استمراري بهذا التميز"، لافتة أنه دعمها نفسياً بمنحها الثقة بتحمل أعباء إدارة مشروعه بعد أن حصل على عقد عمل لمدة سنة كمدرس أكاديمي في كلية فلسطين التقنية بدير البلح وسط قطاع غزة، موضحة أن تلك الثقة منحتها المزيد من الإصرار على التطور، وتضيف أنها تحلم بافتتاح مشروعها الخاص بعد التخرج.
وعن نظرة المجتمع لها كفتاة لجأت إلى احتراف الحياكة، تؤكد النادي، أن النظرة المجتمعية للتعليم المهني لم تُثنها عن خوض غماره قائلة: "التعليم المهني جوهر الحياة وأساس الصناعت الأساسية التي يعتمد عليها المجتمع بأكمله"، لافتة إلى أنه لا يُمكن لأي مجتمع حضاري أو تقليدي الاستغناء عن أصحاب المهن كـ الخياط أو النجار أو عامل الصيانة، وتُضيف: "لذلك أفتخر أنني سبب منفعة للمجتمع وليس عبئاً كآلاف الخريجين الذين ينتظروف فرصة عمل تحالفهم".
طوق نجاة
فيما يُمثل التعليم المهني لدى نعيم عفانة طوق النجاة من البطالة، وانتظار الدور بقائمة فرص العمل المتاحة لدى المؤسسات الحكومية والأهلية، يؤكد لـ "الحدث" أنه منذ تخرجه من الثانوية العامة لجأ إلى دراسة "العلاج الطبيعي" وحين سألته مراسلة الحدث عن السبب، لم يتردد في القول: "من أجل الحصول على وظيفة أبني بها مستقبلي".
ويؤكد الشاب عفانة أن خيار دراسة العلاج الطبيعي لم يكن مُصادفة، بل رغبة ذاتية، قائلاً: "هو مهنة إنسانية بالدرجة الأولى"، ناهيك عن أن إمكانية العمل بها في القطاع وافرة والأسباب، وفق تقديره، لا تعدو الحروب التي تُحاك بين الحين والآخر ضد القطاع موقعة آلاف المصابين والجرحي، مؤكداً أنهم يكونوا في أمس الحاجة لمهنة العلاج الطبيعي لكي يستعيدوا عافيتهم بعد الإصابة، وبيَّن الشاب الذي تخرج نهاية 2013 أنه عمد إلى ممارسة مهنته واقعاً وبدون مقابل خلال الحرب الأخيرة على غزة، مؤكداً أن ذلك ساهم في معرفته بين أهالي المصابين وباتوا يطلبون منه إجراء جلسات علاجية لأبنائهم بأجر، يقول: "كان هذا العمل طوق نجاة لي لتأمين احتياجات أسرتي بعد أن هدم الاحتلال منزلنا خلال الحرب".
وينصح نعيم، الطلبة المقبلين على الدراسة الجامعية باللجوء إلى التخصصات المهنية والتقنية التي يُمكن من خلالها افتتاح مشروع خاص بعيداً عن انتظار الوظيفة الحكومية التي لا تأتي غالباً، نظراً للتكدس الوظيفي في المؤسسات، مشدداً على أن التعليم المهني يفتح آفاقاً واسعة للعمل بعكس الدراسة الأكاديمية التي تنحصر فرص التوظيف فيها بالعمل الحكومي أو الأهلي.
إقبال الخريجين
من جانبه يُرجع أكرم غبن مدير مركز الإمام الشافعي للتدريب المهني التابع لـ وزارة العمل الفلسطينية، أسباب اتجاه الآلاف من الخريجين والطلبة في الفئة العمرية من (16-25) عاماً للالتحاق بالتعليم المهني لقناعتهم بأن أقصر السبل للحصول على فرصة عمل يستطيعوا من خلالها بناء مستقبلهم وممارسة حياتهم الطبيعية، وقال في تصريح خاص لـ"الحدث": "إن ما نسبته 40% من خريجي الجامعات يلتحقون بالبرامج المهنية في المدارس والكليات التقنية بقطاع غزة" وأضاف أن مركز الإمام الشافعي وحده يستوعب قرابة 250 طالب غالبيتهم من الخريجين ما يُقلل فرص التدريب للفئة المستهدفة التي أقيمت مراكز التدريب المهني من أجل استيعابهم".
وبيَّن أن التعليم المهني بات يشهدُ إقبالاً كبيراً لدى الشباب والفتيات في قطاع غزة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يُعانوها، ناهيك عن إمكانية الخريج من افتتاح مشروعه الخاص بعيداً عن الانتظار على قوائم البطالة، وأضاف لـ "الحدث" أن حاجة القطاع إلى المهارات المهنية المختلفة ساهمت في زيادة الإقبال على التعليم المهني خلال السنوات الثمانية الأخيرة، داعياً إلى ضرورة الاهتمام والتوعية بأهمية التدريب والتعليم المهني للفرد والمجتمع بشكل عام.
وعن الصعوبات التي يواجهها مراكز التدريب المهني في القطاع أكد غبن أن عدم توفر المواد الخام الخاصة بالتدريب أحد أهم الصعوبات، لافتاً إلى أن مركز الإمام الشافعي اضطر خلال العالم الدراسي الماضي إلى استخدام الخامات القديمة بإعادة تدويرها واستخدامها الأمر الذي أثر، وفق تعبيره، كثيراً على العملية التعليمية قائلاً: "اعتمدنا كثيراً على الجانب النظري على حساب العملي التطبيقي، وهو منافي لأساسيات برامج التعليم المهني القائمة على التدريب والتطبيق"، ونوه إلى ضرورة أن تقف حكومة الوفاق الوطني عند مسؤولياتها بالاهتمام بالتعليم الممهني ودعمه وتطويره وتوفير كل الإمكانيات المناسبة التي تنهض به.
اهتمام رسمي
بدوره أكد د. محمد الأعرج، مدير عام الكليات والتعليم المهني والتقني بوزارة التربية والتعليم بغزة على أهمية التعليم المهني وقدرته على توفير فرص عمل لآلاف المتعطلين عن العمل، وكشف لـ"الحدث" عن قيام وزارته باستحداث مدارس مهنية جديدة إيماناً منها بأن التعليم المهني والتقني جزء أساسي وجوهري في نهضة المجتمع وتطوره، وأشار إلى أن الوزارة مستعدة للتعاون مع مختلف الجهات المعنية من أجل وضع خطط تفصيلية لأية مشاريع خاصة بتدشين مدارس مهنية في القطاع، ودعا تضافر كافة الجهود الرسمية والأهلية من أجل تغيير النظرة السلبية للمجتمع تجاه التعليم المهني، والتي بدأت تتغير شيئاً فشيئاً في الآونة الأخيرة، ونبّه إلى ضرورة وقوف المرشدين التربويين والمهنيين في المدارس عند مسئولياتهم في توعية الطلبة بالجوانب المهنية والتقنية للتخصصات المختلفة ومدى قبولها وحاجة المجتمع لها، وأكد الأعرج في تصريحاته لـ"الحدث" أن النهوض بالتعليم المهني والتقني من شأنه أن يؤدي إلى تنمية المجتمع الفلسطيني اقتصادياً وأن يُقلل من نسب البطالة التي وصلت إلى أعلى معدلاتها في الآونة الأخيرة نتيجة الحصار وانعدام الفرص.
وأعلنت وزارة التربية والتعليم العالي خلال المؤتمر الرابع للتعليم والتدريب المهني والتقني تبنيها لهذا القطاع بوضع كافة الخطط الإستراتيجية التي ترتقي به من خلال إشراك المؤسسات الأهلية في الكشف عن احتياجات سوق العمل وتضمينها للطلبة في مختلف مراحل التدريب والتعليم، وقالت الوزارة في بيان صدر عنها في أعقاب المؤتمر المنعقد الشهر الماضي، أن الوزارة تسعى إلى تطوير مصادرها المادية من أجل الارتقاء وتطوير قطاع التعليم والتدريب المهني والتقني وتطوير المناهج بما يتناسب مع التطورات التكنولوجية الحديثة، وأشار البيان الذي تلقت "الحدث" نسخًة عنه إلى دور الوزارة في بناء شراكات إستراتيجية مع مؤسسات محلية وعالمية لتنفيذ برامج مهنية وتقنية، ناهيك عن نشر الوعي داخل فئات المجتمع المحلي بأهمية التعليم التقني، ونبّه البيان إلى عدد من الشراكات الرسمية بين مؤسسات التعليم والتدريب المهني ومؤسسات سوق العمل منها مشروع الدعم الأوروبي (EU) ومشروع الدعم البلجيكي (BTC) ومشروع الدعم السويسري (SDC) والتي تتم بالتعاون مع مؤسسة التعاون الألماني (GIZ).