دول أجنبية وعربية وراء سحب الكرت الأحمر..
الحدث- ريتا أبوغوش
بعد سنوات من التلويح بتجميد عضوية دولة الاحتلال في الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وتأكيد رئيس الاتحاد الفلسطيني للكرة جبريل الرجوب مراراً وتكراراً منذ عدة شهور أنه ماض في القرار الفلسطيني بطلب تعليق العضوية الإسرائيلية، إلا أنّه وحين دقّت الساعة يوم الجمعة الماضي سحب الرجوب القرار وبشكل مفاجئ، لتنفجر على إثره ردود أفعال فلسطينية وعالمية غاضبة طالت حد المطالبة بمحاسبة الرجوب.
وكان الرجوب، في كلمته التي ألقاها في الكونغرس الـ65 للاتحاد الدولي لكرة القدم في سويسرا قال: "إنه وبعد عدة مشاورات ووساطات وآراء حول "عدم وجود اقصاء في كرة القدم"، قرر الاتحاد الفلسطيني سحب الطلب"، مضيفاً في كلمته: "نحن في فلسطين لا نريد العنصرية.. نريد كرة القدم".
وشكلت هذه الخطوة الأخيرة صدمة كبيرة لشريحة واسعة من المجتمع الفلسطيني، إذ رفض الرجوب مراراً فكرة سحب الطلب خلال المؤتمر الذي عقده مع جوزيف بلاتر، في مدينة رام الله، الذي أكد خلاله أنه لن يكون ثمة أي تسوية فيما يتعلق بحرية الرياضيين والمسؤولين، ما رفع العديد من التساؤلات حول القرار المفاجئ.
ضغوطات دولية وعربية في الدقيقة التسعين
وحول القرار المفاجئ، قال أحد أعضاء الوفد القانوني المرافق للرجوب: "إنه للحظة الأخيرة قرر الوفد المضي قدماً بتقديم الطلب، فلم يعلم أحد بنية الرجوب سحب الطلب إلا في الدقيقة التسعين الأخيرة".
وأردف في مقابلة مع "الحدث": "إنه جرى في اللحظات الأخيرة الكثير من النقاشات الموسعة من قبل الوفود العربية والأوروبية التي أشارت إلى صعوبة طرح موضوع تعليق عضوية الاتحادات في (الفيفا) خوفاً من تشكيله سابقة قانونية تؤدي إلى تكرارها مع اتحادات أخرى".
وأضاف عضو الوفد القانوني الذي فضل عدم ذكر اسمه: "أن كلاً من الولايات المتحدة وألمانيا والأردن ضغطوا بذاك الاتجاه وبقوة، إضافة إلى الوعود التي قدمها القادة مثل المستشارة الألمانية ميركيل التي اتصلت به شخصياً ووعدته بتقديم الدعم المادي للدوري الفلسطيني مقابل سحب الطلب".
من جهته، قال المستشار القانوني للاتحاد الفلسطيني خليل الرفاعي لـ"الحدث" إن الوفد تعرض للكثير من الضغوطات الدولية والعربية في اللحظات الأخيرة التي كان هدفها سحب طلب التعليق.
وأردف الرفاعي أن الطرف الفلسطيني التزم بعدم تسييس الرياضة والمطالب، إلا أن الأطراف الأخرى لم تلتزم بذلك، مضيفاً أن غاية الاتحاد لم تختلف، فما زال يصبو لتحسين أوضاع اللاعبين ومعاقبة إسرائيل على جرائمها.
المطالب الفلسطينية ومخرجات التسوية
وفي الاقتراح الفلسطيني الذي كان من المفترض أن يقدم للموافقة عليه في إطار جدول أعمال (الفيفا)، استند مطلب تجميد عضوية دولة الاحتلال على أسباب قانونية وثقت في خروقات إسرائيلية انتهكت قوانين (الفيفا) كان أبرزها الانتهاكات المتعلقة بحرية حركة وتنقل اللاعبين ودخول المعدات وإنشاء المرافق الرياضية، وسياسات التمييز العنصرية، إضافة إلى منع مشاركةالأندية الخمسة الموجودة في المستوطنات غير الشرعية المقامة على أراضي "دولة فلسطين" في الدوري الإسرائيلي.
كما اعتمد الطلب الفلسطيني اللاحق لسحب طلب التجميد على التصويت على البنود الثلاثة كرزمة واحدة، إلا أن قرار المجلس التنفيذي لـ(الفيفا) بعدم الاختصاص بشأن البند الثالث المتخصص بالأندية الإسرائيلية في المستوطنات أدى إلى اقتصار التصويت على طلب تشكيل لجنة تتبع للكونغرس مباشرة.
وفي نهاية الكونغرس الـ65 للاتحاد الدولي لكرة القدم، توصل كل من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لعدة تسويات اختلفت الآراء حول اعتبارها انجازاً أم خطوة غير مؤثرة.
وحول البنود التي تقدم بها الاتحاد الفلسطيني المتعلقة بحرية الحركة ومحاربة كافة أشكال العنصرية والتمييز في كرة القدم، وافق الطرف الإسرائيلي على تنفيذها، فيما رفض البند الأخير المتعلق بمنع خمسة فرق إسرائيلية من مستوطنات الضفة الغربية من المشاركة بالدوريات الإسرائيلية.
وقال المصدر القانوني لـ"الحدث" إنه وعلى الرغم من اللقاءات التي تمت برعاية (اللجنة التنفيذية للفيفا) وعدد من الدول الأعضاء لمحاولة إقناع الطرف الإسرائيلي بالقبول بالبند الأخير إلا أنها فشلت، وتوصلوا بالنهاية إلى تقديم البند الخامس للأمم المتحدة للتصويت عليه، وهو ما اعتبره المصدر خطوة جيدة لكنها "ليست بالإنجاز المؤثر".
وقال الرجوب في مقابلة تلفزيونية مع فضائية العربية إنّ حرية الحركة للاعبين الفلسطينيين تم إقرارها من قبل اللجنة التنفيذية للفيفا، وتم تشكيل اللجنة للنظر في بند العنصرية، مضيفاً أنه حصل على ضمان من الاتحادات الأوروبية والإفريقية والآسيوية بشأن إسقاط كلمة "الطرد" ريثما يتم التحقيق بالخروقات.
وأضاف: "ليس للإسرائيليين ما يعرضوه، اسقطنا كلمة الطرد اليوم وسيتم التصويت على تعليق عضوية إسرائيل بعد التحقيق.. التحقيق ومن ثم التعليق".
واعتبر الاتحاد الفلسطيني في بيان صحفي ما حصل "انجازاً عظيماً" تتوج بتشكيل لجنة خاصة حازت على تصويت 90٪ من الأعضاء، وستطلع اللجنة على الخروقات الإسرائيلية بحق الرياضيين الفلسطينيين ومسؤوليهم، وتقديم توصيات بشأنها.
إلا أنّ هذه اللجنة الرابعة التي يتم تشكيلها من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم للنظر بهذا الشأن، كان آخرها بوساطة الممثل القبرصي لكرة القدم الذي انسحب سابقاً نتيجة لعدم التزام الجانب الإسرائيلي بأية توصيات قدمتها اللجنة.
من جهته، قال الأمين العام للاتحاد الفلسطيني عبد المجيد حجة إن المقترح الفلسطيني المقدم على جدول النقاش يحتاج إلى تصويت 51% من أعضاء الفيفا "ليقبل كاقتراح للنقاش"، مؤكداً أن الانسحاب في اللحظة الأخيرة هو خطوة عقلانية معتبراً إياها "شجاعة سباع، لا حماقة ضباع".
وأردف حجة لـ"الحدث" أن تشكيل اللجنة التنفيذية التي اتفق عليها سترعى ثلاثة مطالب أساسية تصب في مضمون وجوهر المقترح الفلسطيني، وهو ما أردناه منذ البداية، مضيفاً أن الحصول على تصويت 90% لتشكيل اللجنة يعتبر بحد ذاته انجازاً، مضيفاً أن ذلك: "لا يعني إسقاط الكرت الأحمر من يدنا".
"غولدستون جديدة" ولعبة مشتركة
وخلال اعتصام عدد من النشطاء خارج قاعة كونغرس الفيفا للتضامن مع المطلب الفلسطيني وما صاحبها من نشاطات الكترونية وشعبية في فلسطين، لم يتلق المراقبون خبر سحب عضوية تجميد عضوية اتحاد دولة الاحتلال بسهولة، فشكل القرار صدمة للمراقبين والنشطاء وحتى السياسيين الذين رصدوا تصريحات الرجوب المستمرة الرافضة للانسحاب مسبقاً، فما كان إلا أن تعالت الأصوات المنددة بالقرار الذي اعتبره البعض مهيناً، بل ووصلت حد المطالبة بمحاسبة الرجوب وتنحيته عن منصبه.
فعلى الرغم من تأكيد الاتحاد الفلسطيني مراراً على كون القضية رياضية بحتة لا سياسية، أصدرت عدة جهات حزبية وأهلية بيانات تبين فيها موقفها من القرار.
فمن جهتها، حمّلت الجبهة الشعبية المؤسسة الرسمية الفلسطينية مسؤولية سحب الطلب الفلسطيني المُقدّم إلى الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم بتعليق عضوية الكيان الصهيوني في الاتحاد.
وطالبت الجبهة الشعبية، في بيانها التي حصلت "الحدث" على نسخة منه، بعقد اجتماع للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لمحاسبة المسؤولين، وإحالة الرجوب للتحقيق فوراً على ما بدر منه، معتبرة موقفه "صفعة لدماء الشهداء والأسرى والحركة الرياضية الفلسطينية كافة".
من جهتها، أدانت اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها "BDS"، قيام رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم بسحب مشروع التصويت في مؤتمر الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) الساعي لطرد الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم من الفيفا في آخر لحظة، وطالبت بمحاسبة المسؤولين عن هذا التخاذل الجديد الذي اعتبرته شبيهاً بالتراجع عن التصويت في مجلس حقوق الإنسان لصالح تبني تقرير "غولدستون" حول المجزرة الإسرائيلية في غزة عام 2009.
واعتبرت اللجنة أن الطرف الفلسطيني يرضخ لإملاءات إسرائيل وحلفائها من خلال سحب مشروع طرد إسرائيل من الفيفا وحسب، بل وبقبول تنظيم مباراة سلام "بين الفريقين الوطنيين الإسرائيلي والفلسطيني"، وأضاف البيان أن هذا خرق جديد لا يقبل التأويل لمعايير مقاطعة إسرائيل ومعايير رفض التطبيع معها المقرة من الغالبية الساحقة في المجتمع الفلسطيني، بأحزابه وقواه ونقاباته واتحاداته الشعبية، في المؤتمر الوطني الأول".
وكان الرجوب قد أعلن في مؤتمر عقده مع بلاتر في مدينة رام الله إعجابه بفكرة عقد مباراة مشتركة بين المنتخبين الفلسطيني والإسرائيلي، وقال: "نحب الفكرة وندعمها، ويجب أن تكون هدفاً لنا، لكن علينا تعبيد الطريق لها من خلال تغيير كل من يحاول معاملتنا بعنصرية وكره، بل وحتى لا يعترف بوجودنا، وإعطاء كل التسهيلات المطلوبة لنا، ثم نفكر بموضوع المباراة بعد ذلك".
وحول المطالبة بعزل الرجوب عن منصبه، أطلقت حملات آفاز حملة جديدة تحت عنوان: "بطاقة حمراء لجبريل الرجوب: حملة فلسطينية تطالب بعزله من منصب رئاسة الاتحاد، واعتبرت ما حصل ضربة موجعة لآلاف الفلسطينيين".
وقال مدير حملات آفاز في فلسطين فادي قرعان، إن القضية الفلسطينية خسرت فرصة جديدة لتحقيق شيء من العدالة بسبب ضعف قياداتها وقصر نظرهم. معتبراً قرار الرجوب بالتراجع عن طلب تجميد عضوية إسرائيل في الفيفا يعد ضربةً موجعة للفلسطينيين ولعشرات الآلاف من المواطنين في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وأضاف قرعان لـ"الحدث" أن الآلاف أمِلوا بتمرير قرار من شأنه أن يحقق المساواة، وينهي عقوداً خلت من التمييز والإساءة، وأن أعضاء آفاز والموقعين على العريضة الذين بلغوا حتى إعداد التقرير 6000 شخص، يطالبون رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم جبريل رجوب بالاستقالة فوراً من منصبه بسبب إساءة استخدامه للأمانة وخذلان الشعب الفلسطيني.
وتابع أن قوانين الفيفا بشأن العنصرية والإساءة واضحة تماماً كوضوح سياسة التمييز العنصري الإسرائيلية تجاه اللاعبين الفلسطينين، متابعاً: "هذه ليست النهاية، وسيتابع الشعب الفلسطيني نضاله إلى أن يقضي على الفساد".
الرجوب: "صوتّ للأمير علي"
ولم يغب عن المشهد يوم الجمعة انتخابات رئاسة اتحاد الفيفا التي انتهت بفوز بلاتر الذي حظي بولاية جديدة على التوالي، وانسحاب الأمير علي بن الحسين في الدورة السرية الأولى التي حُسمت لبلاتر، ولم يمض سوى ساعات حتى تداولت وسائل إعلام أردنية ومحلية بياناً صادراً عن الاتحاد الفلسطيني موقّعاً من قبل الرجوب، لتنهال ردود الأفعال الشعبية الغاضبة إزاء تنصل الرجوب من دعمه للأمير علي بن الحسين.
فيما نفى الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم على لسان ناطقه تيسير نصر الله صحة البيان الذي نشر على لسان الرجوب حول دعمه وتصويته لبلاتر مؤكداً أنه بيان عار عن الصحة، ولا يمت للاتحاد ورئيسه بأي صلة.
وأضاف نصرالله لـ"الحدث" أن هذا البيان يحمل هدفاً واحداً يرمي لتشويه العلاقة بين الشعبين الأردني والفلسطيني، مؤكداً أن فلسطين صوتت للأمير علي، وسيتم محاسبة من هم خلف هذا البيان.
وقال الرجوب في تصريح صحفي إنه أدلى بصوته للأمير علي لأنه عربي بالدرجة الأولى، ولأن الأمير تبنى المشروع الفلسطيني وكان أول من أصدر بياناً لمناصرة الصيغة التي طرحها الجانب الفلسطيني.
وحول تأخره في إعلان تأييده لعلي، قال الرجوب إن التأخر جاء نتيجة لأسباب متعلقة بالمشروع الفلسطيني المقدم، وكان بالاتفاق مع الأمير علي نفسه.
بعيداً عن توصيف ما حصل مساء الجمعة فيما لو كان انجازاً عظيماً أو تخاذلاً رسمياً جديداً، فبات من الجلي أن المحافل الدولية التي يتوجه لها الفلسطيني تنتهي مراراً بتشكيل لجان عدة للبحث والتحقيق، ويبقى التساؤل إن كان ثمة آلية جديّة لتنفيذ توصيات اللجنة من جهة، وإن كان إسقاط الكرت الأحمر مرهون بتنفيذ المطالب الفلسطينية من جهة أخرى.