الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أَمَّا اَلْفُقَرَاءُ.. فَلَا بَوَاكِيًّ لَهُمْ/ بقلم: مؤيد عفانة

2024-04-06 04:21:52 PM
أَمَّا اَلْفُقَرَاءُ.. فَلَا بَوَاكِيًّ لَهُمْ/ بقلم: مؤيد عفانة
الباحث الاقتصادي مؤيد عفانة

ما زال قطاع غزة يتعرض لحرب إبادة، يرافقها إغلاق وتقطيع أوصال الضفة الغربية، واقتحامات وتدمير للبُنى التحتية، وخنق للاقتصاد الوطني، ورفع نسب الفقر والبطالة لمستويات مرتفعة، فنسبة الفقر كانت بالأصل مرتفعة في فلسطين، (29.2%) من اجمالي المواطنين قبل الحرب، غالبيتهم في قطاع غزة، كما أنّ ثلث السكان في قطاع غزة كانوا قبل الحرب يعانون من الفقر "المدقع".

وتبعا لتقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الشهر الثالث من الحرب، فإن نسبة الفقر ارتفعت إلى (45.3%)، تتركز غالبيتها في قطاع غزة، ومع استمرار الحرب على قطاع غزة، دخل المواطنين هناك حالة أكثر صعوبة من الفقر أو الفقر المدقع، وهي "المجاعة"، حقيقة لا مجاز، ورغم نسبية الحالة، فان قطاعات عديدة وفئات مجتمعية سقطت في براثن الفقر في الضفة الغربية أيضا.

وهنّا لا بد من جهد حكومي- مجتمعي منظّم وعاجل من أجل التخفيف من حالة الفقر، وتقديم الدعم للأسر الفقيرة والمهمشة، القديمة والمستجدّة بفعل الحرب، خاصّة أنّ بيانات الفقراء وسجلاتهم متوفرة من خلال برنامج التحويلات النقدية CTP، والذي لم يتم صرف أي دفعة للأسر الفقيرة منه على مدار فترة الحرب المستمرة منذ ستة أشهر ودخلت شهرها السابع، علماً أن الأصل أن تُصرف دفعة مالية كل ثلاثة أشهر، وعلى الرغم من مقدار الدفعة المالية المحدود جداً (750-1800) شيكل كل ثلاث أشهر، إلاّ أنها تساهم في التخفيف من معاناة الأسر الفقيرة، والتي بلغ عددها قبل الحرب، حوالي (125) ألف أسرة، منها حوالي (52) ألف أسرة ترأسها نساء، وتتركز حوالي (73%) من تلك الأسر في قطاع غزة، والآلاف من الأسر الفقيرة برمجت مصروفاتها على تلك الدفعات.

وفي ظل تعمّق حالة الفقر في المجتمع الفلسطيني، يجب العمل بشكل فوريّ على تقديم الإغاثة والدعم لتلك الفئات الفقيرة والمهمشة، من أجل تعزيز صمود المواطن الفلسطيني، وهذا ما تضمنّه خطاب الرئيس للحكومة الفلسطينية الجديدة، خطاب التكليف بتاريخ 14/3/2024، وهو ما أوردته الحكومة الجديدة في برنامج عملها، وأولوياتها التي قدمها رئيس الوزراء الجديد للرئيس بتاريخ 28/3/2024.

وعلى الرغم من الأزمة المالية الحادّة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية، والتي أثرت على التزاماتها كافّة، إلاّ أنّ قضية الفقر، وحقوق الفئات الفقيرة والمهمشة، تعتبر أولوية قصوى، تجب الاستجابة لها، وتوظيف كافة الموارد المتاحة لذلك، خاصة وأنّ صوت الفقراء دوماً مهمّش، وهنا توجد ضرورة لتوحيد جهود الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، وحتى المواطنين، في جمع الموارد المالية معاً، وتخصيصها بشكل مهني وعادل لدعم الفئات الفقيرة والمهمشة، فمع كل التقدير للجهود المؤسساتية الفردية، إن كانت من قبل القطاع الخاص أو مؤسسات المجتمع المدني أو لجان الزكاة أو مبادرات شبابية، وغيرها، ومبادراتهم الايجابية في تقديم المساعدات للأسر الفقيرة والمهمشة، إلاّ أنّ تلك الجهود تفتقد للتنظيم، وتحديد الأولويات، والحوكمة، والقدرة على تغطية كافّة الحالات، وربما يحدث تداخل في تقديم المساعدات لصالح فئات أو مناطق على حساب فئات أخرى، في ضرب لمبدأ تكافؤ الفرص، وفي تعميق الظلم والمعاناة لبعض الفئات المهمشة أو المناطق المهمشة، كما أن احتياجات الفقراء أكبر من طرد غذائي هنا، أو كوبون شراء هناك.

وهذه دعوة أثيرية للحكومة الجديدة، للعمل على تقديم مساعدة نقدية عاجلة "اغاثية"، للفئات الفقيرة والمهمشة، بجمع وحشد الموارد المتاحة، فصحيح أن حوالي نصف تمويل برنامج التحويلات النقدية يأتي من الاتحاد الأوروبي، ولكن يمكن صرف دفعة واحدة اغاثية، من خلال تمويل محلي عبر الحكومة والقطاع الخاص، خاصّة أن هناك مؤسسات كبرى وشركات خاصة ما زالت أرباحها متدفقة رغم الحرب، وهذا واجب أخلاقي ومهني يقع على عاتق القطاع الخاص انفاذاً لمبدأ المسؤولية المجتمعية، وهو أيضا من أساسيات دور الحكومة الجديدة، وتزداد أهمية هذه الدعوة بصرف دفعة مالية اغاثية مع إطالة أمد الحرب، ومع قرب الأعياد، رغم قتامة المشهد، وتراكم الالتزامات على الفئات الفقيرة والمهمشة. فلا يُعقل أن يبقى الفقراء بدون مساعدة ودعم رغم قسوة الحرب وأهوالها، وقسوة الظروف الاقتصادية في غزة والضفة الغربية، حيث إن الفقر، عنصر حاكم في حرمان الانسان من حصوله على حقوقه الأخرى، والفقر سبب رئيس لانتهاكات حقوق الإنسان كافّة، وتبعاته الاقتصادية والاجتماعية والنفسية بعيدة الأمد، وتؤثر في النسيج الاجتماعي ككل.