هل من الممكن أن يشكل احتلال تدمر السورية، والرمادي العراقية والاستيلاء على كافة معابر الحدود والمعابر السورية – العراقية مؤشراً على حجم الخطر الذي يتهدد المنطقة عموماً ممثلاً بالتقسيم الطائفي الجغرافي، ونهب الثروات الطبيعية لكلا البلدين (البترول، والبوتاس، والآثار التاريخية...)؟ إضافة إلى تقطيع أواصر البلدين وتحويلهما منطلقاً لتهديد وتقسيم وتدمير وتقتيل المكونات الدينية والاجتماعية لعموم سكان المنطقة والعودة بها إلى عصور ما قبل الظلامية؟!
للأسف فإن ما جرى ويجري لم يغير كثيراً من الرؤية المشوهة للأمور، فما زال قسم مما يسمى (بالمعارضات السورية الدينية– والمدنية) ولهم مشايعون في عالمنا العربي يراهنون على تكرار تجربة العدوان على اليمن بما سمي بعاصفة الحزم، ولذلك فهم يمتنعون عن تلبية دعوة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة (ديمستورا) في إجراء مفاوضات بين كل الأطراف السورية (بمن فيهم الممثلون الرسميون للنظام)، وأن البعض منهم كانوا يتوقعون أن يصدر شيئ معلن من اجتماعات الرياض عن بدء هجوم على سوريا تموله وتشارك به أطراف عربية وإقليمية وبدعم أمريكي وأوروبي!
أما في العراق، وإن كان صوت الدعم الأمريكي لإيجاد محور "سنيى" متحالف معهم ويعمل على محورين أولهما خلق حالة توازن مع قوات الحشد الشعبي (ذات الأغلبية الشيعية)، ومن جهة أخرى يقاوم السيطرة لمجموعات إرهابية من داعش سيطرت على ثلث أراضي العراق تقريباً (الأنبار)، ولكن التقدم باتجاه بناء هذا المحور "السني" يذهب مرة باتجاه اليمين ومرة أخرى باتجاه اليسار، وبهذا نشير إلى رفض القيادة الأمريكية أن تقوم قوات الحشد الشعبي بالعمل في منطقة الأنبار، ولكن هذا الموقف قد تغير بعدما جرى احتلال مدينة الرمادي التي تبعد عن العاصمة العراقية حوالي مائة كيلو متر، إذ وافقت القيادة الأمريكية على أن تشارك قوات الحشد الشعبي على العمل... وهذا ما تظهر نتائجه العسكرية هذه الأيام.
لم تتغير خطط بناء قوات مشتركة من عدد من القوى المسلحة في الشمال السوري (بما فيها قوات النصرة) وتحت رعاية وإشراف تركي– أمريكي تحت ذريعة محاربة داعش، والحقيقة غير ذلك، فالهدف هو الوصول إلى دمشق؟!
للصراعات السياسية أساليبها ومفاهيمها، ومصالحها التي تبتعد عن القيم والأخلاق في أغلب الأحيان وتتضارب بين لحظة وأخرى، لكن الشيء الجديد في كل ما يجري هو تأجج حالة الصراع الفكري وتحديداً في العالم الإسلامي، إذ أن الجرائم التي ترتكب أثناء هذه الحرب الكريهة (حرب الطوائف والاعتداء على الأديان والقيم) قد فجرت حالة من التفتح باتجاه البحث في الجذور ونبش التاريخ والتوقف أمام كل ما جرى بعد الخلافة الإسلامية الثانية (أي ما بعد الخليفة عمر بن الخطاب)، والمذاهب التي حاولت أخذ جوهر الإسلام إلى حيث مصالحها الاجتماعية والاقتصادية والتي وضعت طاعة الله والرسول بجانب طاعة "أولي الأمر منكم"، وبعضهم أضاف حتى لو وقع منهم "أولي الأمر منهم" الظلم الكبير!
وفي هذا المقال أود أن أشير إلى أن أحد رجال السياسة والدين في مصر الشقيقة قد أشار إلى نقطة جوهرية تتعلق بالظروف التي صدرت بها الأحكام والفتاوى لبعض الأئمة للمسلمين وتتعلق بالظروف السياسية والاقتصادية التي قيلت بها تلك الفتاوى والأحكام، أما الآن فلا مكان لهذه الفتاوى ولا حاجة تاريخية لنا بها، بمعنى أن إخراج النصوص عن سياقها التاريخي هو التقليد الأعمى لعصور قد تجاوزناها ولا بد في حال العودة لها من التوافق الذي يقرره العقل والمنطق وقوانين الحداثة وحقوق الإنسان.
من كل ما سبق نقول أننا أمام مرحلة حساسة ودقيقة سوف يتوقف على أساسها مصيرنا ومصير غيرنا وعلى مساحات تتجاوز حدود المنطقة، وربما على الصعيدين الإقليمي والعالمي، تماماً كما حصل مع نتائج الثورة الأوروبية على الإقطاع والكنيسة والانتقال إلى عالم من التقدم الذي شمل كل شيء: الاقتصاد والسياسة والفكر، ووضع سلطة الكنيسة ضمن حدود لا تتجاوزها، أصبحت القيم الجديدة هي الأساس في بناء تلك المجتمعات.