الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ما حاجتنا للإسلام السياسي!؟ / بقلم: عبد الغني سلامة

2015-06-02 12:01:48 PM
 ما حاجتنا للإسلام السياسي!؟ / بقلم: عبد الغني سلامة
صورة ارشيفية
 
في الزمن القريب، وتحديداً قبل صعود حركات الإسلام السياسي، كان الناس أكثر تدينا، وأصدق، وقلوبهم أنظف، وأقرب إلى الله .. كانوا متدينين بالفطرة السليمة، التي لا تعرف التعصب والكراهية، وقد فهموا الإسلام بمعزل عن الطائفية والأيديولوجية والعمل الحزبي، وأخذوا منه الروح السمحة والسمات الحضارية المنفتحة، وعاشوا أبعاده الإيمانية وقسماته الروحية. كانت الجماهير واعية ولا تحتاج إلى من يرشدها إلى طريق الحق، كانت صالحة ونقية من تلقاء نفسها، وأكثر تسامحاً وانفتاحاً على الغير، متعايشة فيما بينها على المحبة والإخاء، ولم تعرف صراع الأديان والطوائف؛ كان المسلم يبرُّ جارَه المسيحي، والسنّي يصاهر الشيعي، والمتدين يصادق العلماني، ولم يكن أحد (تقريبا) يدعي احتكار الحقيقة، وأنه الوصي على البشر، وظِلّ الله في أرضه .. كان الفن والثقافة حاضرين بقوة، وذائقة الناس أرفع وأكثر إنسانية، وحرياتها الشخصية أوسع رحابة، وسلوكها أكثر احتراما، كما كانت الحركات الاجتماعية والسياسية تناضل للتعبير عن نفسها، وانتزاع حقوقها دون أي تعارض بين ما هو ديني وما هو وطني.

 
وفي مجال الكفاح التحرري، كان التدين والوطنية صنوان؛ وقد تمكّن القادة الوطنييون أمثال الحاجأمينالحسيني، وعز الدين القسام، وعبد القادر الحسيني، ومن قبلهم الأمير عبد القادر الجزائري، وعبد الكريم الخطابي وعمر المختار وغيرهم، تمكّنوا من الجمع بين المعاني الروحية والوطنية في آن معاً، فدمجوا في شخصياتهم بين القيادتينالسياسيةوالدينية، وجعلوا من الخطاب الديني (غير الحزبي وغير المؤدلج) عنصرا مكملا وداعما للخطاب الوطني القومي، دون أن يطغى عليه، ووظفوا العاطفة الدينية للتعبئة الوطنية والنفير العام دون أن يستغلوا الدين لأغراض السلطة والسياسة.
 
طبعا وبالتأكيد لم تكن الصورة على هذه الدرجة من المثالية؛ فقد كانت تبرز الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، كما شهدت تلك الحقبة الكثير من النكسات والهزائم .. إلا أنه ورغم وذلك كانت الأمور أفضل، وكان بوسع المجتمعات العربية أن تتقدم للأحسن .. وأن تتحرر من تخلفها، وأن تشق طريقها نحو المستقبل .. ولكنها بدلا من ذلك، نكصت وتراجعت للوراء.
 
وإزاء هذا الإخفاق، تقدمت حركات الإسلام السياسي لتملأ الفراغ، ولتجيب على الأسئلة التي عجزت عنها الأنظمة القومية والأحزاب اليسارية. وعلى مدى العقود التالية خاضت تلك الجماعات صراعا مريرا مع الأنظمة، وتمكنت من فرض حضورها، ومن التوسع والانتشار، بل ومن استلام السلطة في أكثر من منطقة. ولكن النتائج التي جاءت بعد ذلك كانت مخيبة للآمال؛ بل أن الأمور ازدادت سوءاً !! فما الذي حدث؟ ومن أين جاءت حركات الإسلام السياسي ؟ وما هو مبرر وجودها التاريخي ؟
 
اليوم، يكون قد مضى  87 سنة على تأسيس جماعة الإخوان المسلمون (أولى الحركات الإسلامية وأكبرها)، أما الجماعات الأخرى (وأكثرها انبثقت عنها)، فقد مضى على أقدمها نحو ثلاثة عقود، وهي الآن تزيد عن الثلاثين حزبا وحركة ... فما الذي أنجزته تلك الجماعات ؟ وهل نجحت في حل المشكلات التي وعدت بحلها ؟ أم أنها نجحت فقط في إثبات وجودها، والانتصار لأيديولوجياتها ؟
 
لا يخفى على أحد أنه منذ عقود عديدة، وأحوال المنطقة العربية تتقهقر، وتهوي إلى قاع لا يبدو له قرار، صحيح أن الجميع يتحمل مسؤولية ذلك؛ الأحزاب العلمانية التي أخفقت، الأنظمة المستبدة، والنخب الفاسدة، لكن رغم الفشل، وحتى بوجود كل ذلك القهر والفساد؛ إلا أن الأوضاع كانت ولو بشكل نسبي أفضل، فعلى الأقل كان هناك دولة، ونظام، ومجتمع ... اليوم انفرط العقد، وخسر المواطن كل شيء حتى أمنه الشخصي وكرامته. ولا نحتاج أي جهد لشرح مدى الانحطاط والتخلف والفوضى التي وصلت إليه المجتمعات العربية والإسلامية، فتكفي نشرة أخبار واحدة لنسمع ونرى ما لم يخطر على بال الشيطان، من أعمال القتل والتخريب، والتفجيرات الانتحارية، وحز الرقاب، وحلقات التعذيب والجلد والرجم، والتعدي على العباد، خاصة في المناطق التي ابتليت بالجماعات "الجهادية" ..
 
وحتى لا نقع في فخ التعميم، يمكن القول أن جماعات الإسلام السياسي ليست كلها على شاكلة واحدة؛ فهناك جماعات توصف بالمعتدلة والعقلانية، وهناك الجماعات المتزمتة والمتشددة، والتي تسمي نفسها "السلفية الجهادية"، وأبرزها تنظيم القاعدة، جبهة النصرة، داعش، وغيرها العشرات من "عسكر طيبة" شرقا، وحتى "بوكو حرام" غربا .. يمكن اعتبار أعضاء تلك الجماعات في أحسن الاحوال عقائديون متزمتون، أو مثاليون طوباويون، أو مغفلون ضلّلوا الطريق، وفهموا الإسلام بطريقة غير صحيحة، أو متسرعون لتحقيق أهدافهم السياسية والاجتماعية، أو مندفعون للحد الأقصى بردود أفعالهم على عنف الدولة وعلى الظلم الموجه ضدهم، وهم في نفس الوقت مغامرون تراودهم أحلام النصر السريع، ومكبوتون، ومغتربون عن مجتماعهم، ولا يستطيعون التعايش مع خط الحضارة المتصاعد، قد يكونون أي من هؤلاء أو كلهم ،، ولكن قياداتهم شيء مختلف تماما، قياداتهم تسيّرها أجهزة مخابرات أجنبية، لتنفيذ أجندات مشبوهة.
في كل منطقة تنهار فيها الدولة (بعد أن ينخرها الفساد)، تظهر تلك الجماعات على الفور، لتعيث في الأرض فسادا، ناشرةً الفوضى والتخريب، وبأشد أساليب البطش والعنف؛ في أفغانستان، منطقة القبائل على الحدود الباكستانية، العراق، سورية، مالي، ليبيا، اليمن ... وأيضا في مناطق الاضطرابات وذات التنوع الإثني، وفي جيوب الفقر والعشوائيات وعلى هوامش الحواضر والمدن المكتظة بأزماتها ... وبحجة تطبيق الشريعة، تبدأ بمحاربة كل القيم المدنية والحضارية، والتعدي على كل أشكال الجمال، وتخريب أي شيء يحمل مضمونا إنسانيا، وهدم المعالم الأثرية والمعمارية، وارتكاب المجازر والجرائم .. وقد أضافت "داعش" السبي والغنائم وإعادة زمن الرق .. كل ذلك باسم الله، والله منها براء ..
 
وقد بات واضحا أن تلك الجماعات الإرهابية ما هي إلا أداة تُستخدَم لتقسيم المنطقة طائفيا وإثنيا، ورسم سايكس بيكو جديد .. فليس غريبا أنها تتنقل من منطقة لأخرى بكل سهولة، بأفرادها وأسلحتها وعتادها، وليس غريبا أنها صارت من القوة بحيث تناطح أقوى الجيوش، وتحتل المدن .. فكل التسهيلات مقدمة لها؛ طالما أنها لا تقترب من إسرائيل.