الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

الموتُ في حضرةِ الحياة / بقلم: أحمد زكارنة

تجليات

2015-06-02 01:07:14 PM
الموتُ في حضرةِ الحياة / بقلم: أحمد زكارنة
صورة ارشيفية
عندَ الثانيةِ عشر بعدَ منتصفِ الحلم، أُصغي طويلاً لسؤالٍ متربصٍ بي يتدلى من ارتعاشِ الجفن، وربما من رخامِ العين.. سؤالٌ بلا هوية، ولكنهُ مسكونٌ بالغواية، ما تعريفُ الصواب والخطأ؟ بأي السبلِ نعدُ خساراتنا اليومية؟ متى يخرجُ البياض من مساحةِ السواد؟
 
 
في الإجابةِ، يشيخُ الكلام من خطيئةٍ سؤالٍ أثقلُ من الحياةِ والموت، وإن تبرأ بدمعِ الآلهة.. سؤالٌ عارٍ مغمضُ العينين يعدو بشوقٍ لعلاماتِ العطفِ والوصلِ والجر. هنا فقط يُخيلُ لي، أني وحدى من أُعبئ الوجع ليصفعَ المطر في صقيعِ الصمت، توأماي، وشوشةُ ماءٍ، وشهقةُ عمر.. من يعرفُني سيُلقي القبضَ عليَّ متلبساً بحبِ الحياة، رغم تذوقِهَا بنكهةِ الموتِ المنفتحِ على صورتين ولوحةٍ بيضاء.. صورةٌ لبابٍ منغلق في بيتٍ من الشعر، وأخرى للحظةِ ثباتٍ مخيفٍ في محيطِ الحركة، واللوحةُ البيضاء، صفحةٌ من تيبسِ روحٍ لم تتقن فن الرقص.
 
 
لم أكن أدري أن الماءَ المنسكب من بين أصابعي، هو حفارُ قبري، مُطفئُ شهوةِ السؤال، مُحددُ المسير والمصير، نقطةُ التقاءِ أمسي بغدي، انشطارُ نفسي بين معطفِها والجدار، جدارُ الفعلِ واشتراطاتهِ الواعية والمغيبة على حدٍ سواء.
أنا الآن مأخوذٌ حد الفراغ بنصفِ ذهابٍ ونصفِ إياب، والنصفُ في حضنِ النصف، انفلاتُ ديمومة، وربما اكتمالٌ في الغياب.. والغيابُ قطيعةٌ آنية، ومضي في المكوث. وكأني محضُ خيالٍ منفتحٍ على سواه، تماماً كلازمةِ أغنيةٍ، سأمَ الجمهورُ منها، فحقَ عليها البكاء دون دمعٍ أو عويل.
 
 
في المرآة أُحدقُ لا أعرفني، إنسانٌ مسكونٌ بالهمومِ والهزيمة، وربما بمغامراتٍ غير محسوبة، غريبٌ لم تراهُ من قبلِ عيني، يتسكعُ لئلا يغفو وهو يُحصي مواطن الخلل في الصعودِ إلى الغد.. قلبي أرضٌ دائريةٌ لا ظلَ لها، لا انحناء، لا تنظر إلا للوراء، وما الغدُ إلا هراءٌ في هراء.. أرضٌ بلا جدوى تصدعت عليها صلاتي ونُسكي وما تبقى من أنايَ ولغتي.. وأما الموتُ فلقد قررَ أن يذكرني بحياتي، بحرفيَ الأول، وجملتي الأولى، بمقعدي الصغير في مدرستي الكبيرة، بطابورِ الصباح، ونشيدِ البلاد، بالأزقةِ والشوارع، بالأسماءِ والوجوه، ببحري ومنفاي، بالشمسِ التي نامت في سريري، بوهنِ الجسدِ وسقوطِ الرُّوح، بشكلِ الوجعِ الذي سببتهُ لغيري مع كلِ كذبةٍ صغيرةٍ أو كبيرة، بكلِ قنينةِ خمرٍ معتقةٍ قد شربتها عمداً أو مجاملة.. باختصارِ فإن الموت لم يفِ بالوعد، وإنما قرر ألا أموت، أن أكون ميتاً في حضرةِ الحياة.