صحيفة "واشنطن بوست"، تنشر مقالاً للكاتب إيشان ثارور، تحدّث فيه عن الهستيريا التي أصابت الولايات المتحدة الأميركية، بسبب الاحتجاجات الطلابية في جامعاتها، وكيف حوّلت هذه الهستيريا انتباه الأميركيين عن عمق الكارثة المستمرة في غزة، مستشهداً بتقارير وأرقام أممية توثّق ضرر الحرب الإسرائيلية على القطاع.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
حوّلت الهستيريا التي أصابت الولايات المتحدة الأميركية بسبب الاحتجاجات في الحرم الجامعي في الولايات المتحدة انتباه الأميركيين عن عمق الكارثة المستمرة في غزة.
في نوبة من الغضب الأيديولوجي الأسبوع الماضي، سخرت النائبة اليمينية المتطرفة لورين بوبرت (جمهورية عن ولاية كولو) من المتظاهرين الذين يحرّضون ضد السياسات المؤيدة لـ "إسرائيل" في الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وكتبت على وسائل التواصل الاجتماعي: "ينتابني شعور غريب بأن جميع طلاب جامعة كولومبيا وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس الذين يركضون ويهتفون حرّروا فلسطين، لن يغتنموا فرصة قضاء فصل دراسي في غزة"، قبل أن تسافر لاحقاً إلى مخيم احتجاجي في جامعة جورج واشنطن وتكاد تتشاجر مع الطلاب عند محاولتها إنزال العلم الفلسطيني.
يشارك ازدراء بوبرت حتى بعض خصومها في مؤسسة واشنطن، الذين وصف العديد منهم تظاهرات الطلاب، في أحسن الأحوال، بأنّها تحريض يساري متطرف غير منتج، أو، بشكل أكثر قتامة، سلوك معادٍ للسامية خطير يجب شطبه من الأكاديمية. وتم اعتقال المئات من المحتجين في الجامعات الأميركية.
إلا أنّ تعليق بوبرت أثار السخرية من ناحيتين:
أولاً، هل يتعيّن على الطلاب المحتجين من جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة الذهاب إلى القطاع المحاصر نفسه لتبرير غضبهم؟ وثانياً، هل يمكن للطلاب قضاء فصل دراسي في غزة، التي دمّرت "إسرائيل" بشكل منهجي معظم مؤسساتها التعليمية، بما في ذلك جميع جامعاتها؟
على مدار شهور، لفت نشطاء المجتمع المدني الفلسطيني الانتباه إلى الاستئصال المستمر للإرث الثقافي في غزة. فقد أدّت الحرب الإسرائيلية إلى تحويل جزء كبير من القطاع إلى خراب. وفي هذه العملية، تعرّضت العديد من المكتبات والمتاحف والكليات للنهب والتدمير، وفي بعض الحالات عن طريق الهدم الإسرائيلي المتعمّد. ومن المحتمل أن تكون آلاف القطع الأثرية في مجموعات مختلفة، بما في ذلك عملات رومانية ومواد أخرى تاريخية، قد فُقدت خلال الحرب.
لا يزال مسؤولو الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة يتصارعون مع حجم الدمار في القطاع، حيث لا يزال العشرات يموتون كل يوم. فقد قُتل أو أصيب نحو 5% من إجمالي سكان غزة، وفقاً لتقرير للأمم المتحدة يعتمد على بيانات محلية. ولا يشمل هذا الرقم عدد المفقودين. ويزداد التحدي المتمثّل في العثور على المفقودين صعوبة في ظل الدمار الواسع النطاق الذي لحق بالآلات والمعدات الثقيلة اللازمة للحفر بين الأنقاض.
وقال مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في بيان له إنّ "ارتفاع درجات الحرارة يمكن أن يسرّع من تحلّل الجثث وانتشار الأمراض"، مضيفاً أنّ "الدفاع المدني الفلسطيني يناشد المعنيين التدخّل العاجل للسماح بدخول المعدات اللازمة، بما في ذلك الجرافات والحفارات، لتجنب كارثة صحية عامة، وتسهيل عمليات الدفن الكريم وإنقاذ حياة المصابين".
إنّ غربلة حطام غزة لن تكون مهمة بسيطة. فقد ألقت "إسرائيل" كمية هائلة من الذخائر في القطاع. وقال مونجو بيرتش، رئيس برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في الأراضي الفلسطينية، الأسبوع الماضي، إنّ كمية الصواريخ والقنابل التي لم تنفجر والموجودة تحت الأنقاض "لم يسبق لها مثيل" منذ الحرب العالمية الثانية.
وأضاف أنّ غزة الصغيرة تضم نحو 37 مليون طن من الأنقاض، وأنّ وكالته لا تملك سوى جزء بسيط من التمويل الذي تحتاجه لبدء عملياتها متى ما انتهت الحرب.
إنّ الخوف المحيط بعملية اجتياح رفح، وعدم اليقين بشأن التوصّل إلى وقف محتمل لإطلاق النار، يتعارضان مع الواقع الذي يلوح في الأفق بشأن مدى الصعوبة التي سيواجهها قطاع غزة للتعافي. وقد تم تدمير أكثر من 70% من جميع المساكن في المنطقة. وخلص تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أنّ الحرب أبطلت 40 عاماً من التنمية والتحسّن في المؤشرات الاجتماعية مثل متوسط العمر المتوقّع والصحة والتحصيل التعليمي في غزة.
وقدّرت الوكالة أنّ تكلفة إعادة الإعمار، في هذه المرحلة، ستتراوح بين 40 و50 مليار دولار، كما تشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أنّ الأمر سيستغرق "ما يقرب من 80 عاماً لاستعادة جميع الوحدات السكنية المدمّرة بالكامل" في غزة.
المصدر: الميادين