البيئة الناظمة التي تستند عليها المشاريع الاقتصادية والابتكارية، احد ابرز معيقات التمكين الاقتصادي للشباب والمرأة
الحدث – ابراهيم ابو كامش:
اعتبر باحثون ومسؤولون نقص مصادر التمويل وضغف الشمول المالي للنساء من أبرز التحديات في مجال التمكين الاقتصادي، مؤكدين وجود ضعف في الثقافة المالية او مستوى الوعي المالي لدى النساء والشباب بشكل عام، وهو ما يشكل أحد التحديات امام الحصول على التمويل اللازم لمشاريع التمكين الاقتصادي. ويعتبرون ايضا، ارتفاع تكلفة الإقراض من البنوك ومؤسسات التمويل الصغير، وعدم القدرة على توفير الضمانات المطلوبة أحد العقبات امام حصول النساء والشباب على التمويل اللازم لبدأ مشاريعهم الخاصة.
وبحث اليوم هؤلاء نتائج دراسة معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) بعنوان "تطوير نماذج الأعمال الخاصة بالتمكين الاقتصادي للنساء والشباب في القطاعات الاقتصادية المختلفة في فلسطين" التي أعدها د. رابح مرار، ود. حنان قاعود، وعقب عليها وكيل وزارة شؤون المرأة داوود الديك، ووممثلة وحدة النوع الاجتماعي في وزارة الاقتصاد الوطني أمل شحادة، و نائب المدير العام للمؤسسة الفلسطينية للإقراض والتنمية "فاتن"، أحمد نور، والمدير العام لاتحاد الصناعات الغذائية الفلسطينية م. بسام أبو غليون، بمشاركة مجموعة مختصين وذوي الخبرة والمهتمين.
وحمل المشاركون في نقاش نتائج الدراسة مسؤولية وجود معيقات التمكين الاقتصادي للشباب والمرأة، للبيئة الناظمة التي تستند عليها جميع المشاريع الاقتصادية والابتكارية، مؤكدين ان النظام الحالي لضريبة الدخل يفتقر من وجود نظام حوافز وإعفاءات ضريبية للشركات الناشئة والاعمال متناهية الصغر والصغيرة المرخصة، الأمر الذي قد يكون له تأثير سلبي على الأعمال، خاصة تلك التي تدار من خلال النساء والشباب. أيضا، تؤثر فجوة التسجيل الرسمي في حرمان بعض المشاريع الريادية من فرص هامة للتمويل والحصول على المهارات المطلوبة من خلال البرامج التي تقدمها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية.
إجراء تحليل شامل لاحتياجات السوق لتحديد الأولويات
واوصى الباحثون بإجراء تحليل شامل لاحتياجات السوق لتحديد المجالات ذات الأولوية وتطوير استراتيجيات التمكين بناءً على فهم معمق لتحديات واحتياجات السوق الفلسطيني واحتياجات النساء والشباب. كما يؤكدون على أهمية تشجيع الريادة من خلال توفير دعم مباشر معرفي وتقني للمبتكرين والمبتكرات من خلال برامج تدريبية وتطويرية متخصصة تُعزز المهارات التقنية والريايدية للنساء والشباب، بالاضافة الى دعم التشبيك لتعزيز التواصل وتبادل الخبرات المحلية والعالمية، مما يفتح المجال لابتكار حلول تكنولوجية ويحفز ثقافة ريادة الأعمال. كما يُعد توفير آليات تمويل متنوعة وملائمة لتلبية احتياجات المشاريع المبتكرة جزءاً لا يتجزأ من هذه الاستراتيجية.
تشكيل لجنة توجيهية
كذلك، اوصى الباحثون بأهمية تشكيل لجنة توجيهية بالشراكة مع وزارات ومؤسسات أخرى ذات صلة مثل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وزارة شؤون المرأة، وزارة الريادة والتمكين، والحاضنة الفلسطينية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وذلك لدعم وتنسيق الجهود المتنوعة والأنشطة التي تقوم بها الجهات الفاعلة ذات العلاقة والاشراف على نظام المراقبة والتقييم، مع تحديد رؤية ووضع خطة عمل مفصلة للتمكين الاقتصادي للنساء والشباب في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، استناداً إلى نتائج الدراسة الحالية.
نموذج الأعمال لتمكين النساء والشباب في قطاع الصناعات الغذائية
ويرى الباحثان د. مرار ود. قاعود، ان نموذج الأعمال لتمكين النساء والشباب في قطاع الصناعات الغذائية يقوم على هيكلية متكاملة تهدف إلى تعزيز المشاركة الفعّالة وتعزيز القدرات الاقتصادية لهذه الفئات ضمن هذا القطاع الحيوي. مؤكدين ان هذه الهيكلية تعتمد على مجموعة من العناصر تضمن توفير الدعم الشامل وتشجيع الريادة والابتكار والتنوع في الإنتاج. كما تعتمد تلك النتائج على توفير برامج تدريب وتطوير مخصصة للنساء والشباب في مجال الصناعات الغذائية لتحسين المهارات التقنية والإدارية، ما يُسهم في رفع جودة المنتجات وكفاءة الإنتاج. كما ان تعزيز مشاركة النساء في مناصب صنع القرار في قطاع الصناعات الغذائية يسهم في تمكين النساء اقتصاديا في القطاع وتمكين نموذج الاعمال الخاص بهن، يجسر الفجوة في مهارات التسويق والتعبئة والتغليف، ويُعزز من دور الجهات التمثيلية للمشاريع الريادية للنساء في الصناعات الغذائية. يشمل ذلك توجيه النساء خلال مراحل التسجيل والترخيص والإنتاج والتسويق، مما يعكس الأهمية الكبيرة لهذه الجهود في دعم وتمكين النساء اقتصادياً في القطاع.
ولتعزيز البيئة العملية في قطاع الصناعات الغذائية، شدد الباحثان على الحاجة لتطوير سياسات فعّالة تدعم الشراكات بين مختلف الفاعلين ضمن البيئة التمكينية. يهدف ذلك الى معالجة التحديات القانونية، التنظيمية، المالية، والفنية، وسد الفجوات القائمة. بالاضافة الى ضرورة اعادة هيكلة نموذج الأعمال للمشاريع الريادية في مجال التصنيع الغذائي من خلال تشكيل جمعيات وتعاونيات لصغار المنتجين، بهدف تعزيز القدرة التنافسية وتسهيل الوصول إلى الأسواق. كما يُعد توظيف التكنولوجيا في جميع مراحل سلسلة التوريد استراتيجية هامة لرفع جودة المنتجات، وتطوير عمليات التعبئة والتغليف والتسويق، مما يسهم في رفع الكفاءة وزيادة القدرة التنافسية للمشاريع. تُشكل حاضنات الأعمال رافعة أساسية لدعم النساء العاملات في قطاع الصناعات الغذائية، خاصةً اللواتي تنشطن خارج القطاع الرسمي. تقدم هذه الحاضنات الإرشاد والدعم اللازم للنساء في مراحل مختلفة من العملية الإنتاجية، من التسجيل والترخيص إلى الإنتاج والتسويق، مما يعزز قدراتهن الريادية ويفتح أمامهن آفاقًا جديدة للنجاح والتطوير.
التمكين الاقتصادي للنساء والشباب في قطاع الصناعات الحرفية
واكد الباحثان ان التمكين الاقتصادي للنساء والشباب في قطاع الصناعات الحرفية يتطلب تطبيق نموذج اعمال مُتقن وفعال، وجهداً متكاملاً يقوم على هيكلية موجهة نحو تعزيز المشاركة الفعّالة وتحفيز الابتكار والتنوع في هذا القطاع الحيوي. وان تحقيق هذا الهدف يتطلب تعزيز المهارات في جوانب متعددة تشمل التصميم والتغليف والتسويق، وانشاء العلامات التجارية، بالاضافة الى تطوير تصاميم صناعية مبتكرة، وضمان حماية المنتج الوطني. من الاهمية بمكان كذلك، ضمان تقديم مجموعة شاملة من الخدمات الهامة للمنتجين المحليين، والتي تشمل خدمات التدريب وتطوير المهارات، الحماية من المنافسة الغير متكافئة، برامج التمويل المتخصص، الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة، وتقديم الحوافز الضريبية. هذه الاجراءات تسهم في تعزيز قدرات المنتجين في مواجهة تحديات وصول النساء والشباب الى السوق، وتمكينهن/م من تحقيق النجاح والاستدامة ضمن القطاع الحرفي، مما يؤدي في رفع عجلة النمو الاقتصادي والحفاظ على التراث الثقافي.
ولتعزيز إمكانات النساء والشباب بشكل كامل في صناعة الحرف اليدوية، من الأهمية بمكان تزويدهم بإمكانية الوصول إلى برامج تنمية المهارات ودعم التسويق والموارد المالية، تعزيز قيمة الحرف اليدوية، على الصعيدين المحلي والدولي، للمساعدة في خلق طلب مستدام على هذه المنتجات. وكما في الصناعات الغذائية، هناك حاجة أيضا الى تجميع الأعمال التجارية في صناعة الحرف اليدوية ضمن تعاونيات او جمعيات.
قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من عاملاً حيوياً ومحورياً في الاقتصاد
ويعتبر الباحثان قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من عاملاً حيوياً ومحورياً في الاقتصاد الفلسطيني، حيث يساهم نمو هذا القطاع بشكل ايجابي في تطور باقي القطاعات الاقتصادية. ويتميز هذا القطاع بتوفير إمكانيات واسعة للعمل من المنزل أو عن بعد، ما سمح لعدد متزايد من النساء في فلسطين المشاركة فيه.
ويرى الباحثان ان نموذج الأعمال لتمكين النساء والشباب في قطاع تكنولوجيا المعلومات في فلسطين، يستند الى إطار متكامل يهدف إلى توفير فرص متساوية ودعم فعّال لهذه الفئات. يتضمن هذا النموذج تكامل العديد من الجوانب لضمان توفير الفرص المناسبة والدعم الكافي لنجاح النساء والشباب في مجال تكنولوجيا المعلومات. رغم ذلك، تواجه النساء تحديات كبيرة في الدخول والتقدم في قطاع التكنولوجيا وريادة الأعمال المرتبطة، بما في ذلك العوائق الاجتماعية والثقافية، التمييز في سوق العمل، ضعف برامج الحماية والتمويل والإرشاد، بالاضافة الى نقص التمثيل على أعلى مستويات القيادة.
ولتطوير نموذج فعّال لتمكين المرأة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، يظهر الباحثان في دراستهما الحاجة إلى تكامل الجهود لضمان توفير الفرص الملائمة والدعم الكافي لنجاح النساء والشباب في هذا المجال.
بدوره قال الديك :" لا يوجد فلسطيني ممكن تحت الاحتلال، فالاحتلال يعني لا تنمية، والحل يكمن في التنمية التحررية المرتكزة على الناس. ولا يمكن تمكين فئة بمعزل عن تمكين المجتمع وتوسيع خيارات الناس الفردية والجماعية مما يساعدنا على التصدي لطغيان التمويل".
النساء والشباب فئات عريضة وهم ضحية الاقصاء الاجتماعي
وتابع الديك:" أن النساء والشباب فئات عريضة وهم ضحية الاقصاء الاجتماعي "اقصاء من الدخل، الخدمات، واقصاء من المشاركة السياسية"، وأشار الديك أن الحل يكمن في مقاربة العدالة الاجتماعية كإطار سياسات كلية تستند إلى مساواة وحقوق ومشاركة وإدماج، وبالتالي مطلوب إطار استراتيجي أو رؤية وطنية لموضوعية التمكين الشامل ينتج عنه سياسات عامة وقوانين".
وأشار الديك، إلى ضرورة التمكين الفردي مقابل التمكين الجماعي أو الجمعي، وأن التمكين الاقتصادي يقوم على الاستثمار مع الناس وليس الاستثمار في الناس، وذكر أن التمكين الاقتصادي للفقراء هو استثمار بهدف تغيير واقع الفقراء والمهمشين ونقلهم إلى حالة اللافقر ومن الاحتياج إلى الإنتاج، ودعا الديك إلى إعادة الاعتبار للعمل الجماعي والمشاريع الجماعية، وإعادة النظر في معايير العمالة خاصة المتعلقة بالخبرات والمهارات والكفاءة، وتوحيد الجهود وبناء مقاربات متكاملة وتوزيع الأدوار بين المؤسسات.
من جهتها قالت مسؤولة وحدة النوع الاجتماعي في وزارة الاقتصاد الوطني أمل شحادة:"أن التمكين الاقتصادي للنساء من اهم المشاريع التي توليها الوزارة اهمية قصوى تعكس توجهها بدعم المشاريع الاقتصادية الناشئة المدرة للدخل، خاصة التي تقودها النساء لاهمية مشاركة المرأة في تنمية الاقتصاد الوطني، وعليه تم تصميم المشروع بأدوات تكاملية تسهم في مأسسة ادماج قضايا النوع الاجتماعي".
من جانبه، أشار م. أبو غليون أن هناك دور كبير للنساء في قطاع الصناعات الغذائية، وان قطاع الصناعات الغذائية يعتمد بشكل كبير على تشغيل النساءـ ويعمل الاتحاد على تنفيذ العديد من المشاريع التي لها علاقة بتشغيل النساء في قطاع الصناعات الغذائية وكان هناك العديد من قصص النجاح. ودعا أبو غليون إلى ضرورة اعطاء فرصة أكبر للمشاريع النسوية في العطاءات المركزية الحكومية.
في حين أكد أحمد نور، على ضرورة أن يتم البحث في الجانب المالي للسلطة الفلسطينية وقدرتها على تبني مثل هذه التوجهات كون الأهداف التنموية تقع ضمن صلب أولويات واهتمامات المالية العامة، وبين أن هناك توجه في القطاع المالي ورغبة في خدمة هذه الشريحة وتقديم التمويل المناسب لها وتقوم بعض الشركات مثل فاتن بتصميم منتجات خاصة لهذه الفئة وبأسعار فوائد معقولة وطالب بان تكون هناك دراسات أكثر تخصصا في هذا المجال.
أما مدير عام معهد"ماس"، رجا الخالدي، فاكد أهمية تمكين المرأة والشباب حاليا وفي المرحلة اللاحقة بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي. وقال:"أن تمكين النساء والشباب وتوفير فرص التوظيف لهم في القطاعات الاقتصادية يعد أمراً حيوياً وعنصراً حاسماً لتحقيق التنمية المستدامة والمساهمة في بناء مجتمع عادل ومزدهر".
واشار الى ان الدراسة هدفت الى تحليل واقع مشاركة النساء والشباب في القطاعات الاقتصادية المختلفة في فلسطين واستكشاف أساليب تعزيز فرص التوظيف للنساء والشباب في القطاع الخاص. وتناولت تحليلاً مفصلاً لأبرز الفرص والتحديات التي تواجه مشاركة وقيادة النساء والشباب في قطاعات اقتصادية معينة، مثل تكنولوجيا المعلومات، الصناعات الغذائية، والحرف اليدوية. بالاضافة الى ذلك، هدفت الدراسة إلى تحديد أفضل نماذج الأعمال التي تُسهِم في دمج النساء والشباب في الاقتصاد، وتحديد السياسات والمبادرات الضرورية لتطبيق المادة 172 من قانون الشركات الفلسطيني لعام 2021، بهدف تعزيز تمكين النساء في مواقع القيادة الفعالة في الشركات.