الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

اليوم التالي ومعضلة وقف النار| بقلم: ناجح شاهين

2024-05-08 04:24:44 PM
اليوم التالي ومعضلة وقف النار| بقلم: ناجح شاهين
ناجح شاهين

 

درج علماء السياسة الأمريكيون على ترويج فكرة عن حل مبدع للصراعات باعتماد استرايتجية ربح-ربح لطرفيه. لكن هل يمكن لإسرائيل والمقاومة أن يتقاسما الأرباح من عملية وقف كامل لإطلاق النار؟ 

يشكل هذا السؤال مفتاحاً لفهم الصعوبات الجمة التي تعترض فكرة وقف إطلاق النار بغض النظر عن الدور الذي يضطلع به رئيس الوزراء الموتور نتانياهو في محاولة  التهرب من اليوم التي الذي سيجلب نهايته السياسية ويجلبه إلى المحكمة على السواء.

ما الذي تريده إسرائيل ؟ لقد وصلت إسرائيل قبل السابع من تشرين بعقد من الزمن على الأقل إلى لحظة الحقيقة فيما يتصل بمناورات المبدع شمعون بيرس المتصلة بتأسيس سلطة فلسطينية تدير سكان "المناطق" وتسهم في حماية أمن إسرائيل حتى "يقضي الله أمراً كان مفعولا". باختصار جاء وقت ذلك الأمر المفعول الذي لا مفر منه: لا بد من تطهير الضفة والقدس نهائياً، وتكريس إسرائيل من البحر إلى النهر دولة لشعب الله المختار دون أي سكان عرب. وقد قبل النظام الإقليمي العربي الرسمي هذه الواقعة، وتعايش معها، ودخل طوعاً أو كرهاً في في مسار التطبيع والعلاقات الكاملة مع إسرائيل بدءاً بمصر والأردن، ومروراً بقطر والبحرين والإمارات والسودان، ووصولاً إلى السعوية التي اضطرت إلى التريث في اللحظة الأخيرة بسبب طوفان السابع من تشرين.

إذن جاء السابع من تشرين صفعة أسطورية للأوهام الصهيونية بانتهاء الصراع محسوماً على الطريقة الأنجلوساكسونية في أمريكا الشمالية بإبادة غالبية السكان الأصليين، وحشر من تبقى منهم في معازل تخضع للإشراف/الرعاية/والمراقبة من قبل أجهزة الدولة. ولدت فلسطين من جديد ليعود الصداع أقوى من أي وقت مضى. وبدا أن مقاومة فلسطين قد دشنت زمناً جديداً لا يحتمل إمكان إقامة دولة فلسطينية مستقلة فحسب، بل إمكان أن يتوسع النضال ويتعمق ليتقزم المشروع الصهيوني تدريجياً حتى ينتهي بهزيمة تامة على طريقة الجزائر وفيتنام.

جاء الرد الإسرائيلي متوقعاً في بطشه الهائل الساعي إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ولكن المقاومة "عقدت" الأمور كثيراً بصمودها الأسطوري المفاجئ للصديق قبل العدو، وذلك ما عزز الإمكان الخطير المتصل ببداية أفول المشروع الصهيوني من جذوره. وهكذا وجدت النخب الصهيونية نفسها مجبرة على الاتحاد خلف نتانياهو الذي تبغضه من أجل إنقاذ إسرائيل من خطر وجودي محقق. وتقدم رعاة المشروع الاستعماري الصهيوني في أوروبا وأمريكا الشمالية لتقديم ما في وسعهم لتمكين إسرائيل من إنجاز انتصا رحاسم يعيد الزمن إلى الوراء. ومرة أخرى تكسر ذلك كله على صخرة صمود غزة ليبدأ الكون يشهد صحوة معادية للوحشية الاستعمارية مثلما يحدث في نضالات حركات المقاومة دائماً. وبدأ الضغط على إسرائيل لتوقف حرب الإبادة التي تشنها على الفلسطينيين بغرض إبادتهم أو تهجيرهم أو إجبارهم على الاستسلام غير المشروط. 

لكن خلافاً لتجربة الاحتلال "اللطيفة" سنة 1982، فإن قيادة المقاومة الحالية لا تقبل أية حلول تسحب منها المكاسب العظيمة التي أصبحت في حوزتها بالفعل. وتصر في سياق التفاوض مع مواصلة القتال على مطالبها التي لا تستسيغها النخبة السياسية الصهيونية من قبيل الانسحاب من غزة، وعودة الناس إلى بيوتهم أو مناطقهم المدمرة ليعاد بناؤها، ثم تبادل الأسرى الذي يعني إطلاق سراح "إرهابيين" خطرين أو مهمين. إسرائيل بداهة لا تقبل بذلك، وهي تريد في المقابل "استراحة" تسترد فيها أسراها ثم تعاود قتال المقاومة حتى يتم القضاء عليها تماماً، أو يعود الزمن المواتي للمشروع الصهيونية إلى لحظته العظيمة التي تلت أوسلو وسمحت ببدء التخطيط للتطهير العرقي الكامل.

ليس هناك إمكانية أن تربح المقاومة شيئاً ذا بال من مقترح وقف إطلاق النار الصهيوني الذي يعني حرفياً أن تتخلى عن إحدى نقاط قوتها الأساس وهي الأسرى في مقابل هدنة يتخللها بعض الهدوء وبعض المساعدات، وتنتهي بعودة ماكينة القتل الصهيوأمريكية إلى ممارسة ألعابها بالطريقة ذاتها. كذلك إسرائيل من جانبها لن تربح أي شيء من وقف للنار يسمح للمقامة بقيادتها ومشروعها ذاته بالبقاء على قيد الحياة لتستعد لمعركة مقبلة بعد أن راكمت الخبرات والإنجازات على السواء. لذلك نرجح أنه حتى لو ذهبت إسرائيل إلى وقف لإطلاق النار برعاية أمريكية تخدع المقاومة لبعض الوقت، فإن العودة إلى المواجهة ستكون خياراً لا بد منه في وقت قريب. 

لحظة الحقيقة العارية هي ما نعيشه اليوم: إما أن يتم تقويض المشروع الصهيوني جوهرياً، أو أن شعب فلسطين سينضم إلى من سبقه شعوب تحولت إلى ذكريات ولوحات في المتاحف. لكن أداء المقاومة الشجاع والذكي يسمح لنا بالقول إن فرصة فلسطين في الانتصار ودحر المشروع الصهيوني هي الأقوى لأول مرة منذ العام 1948.